رياح وأوتاد: رؤية تطبيقية مقترحة لخطاب صاحب السمو الأمير
أشار صاحب السمو أمير البلاد في كلمته القيمة إلى أن الكويت تواجه تحدياً كبيراً وغير مسبوق يتمثل بالحفاظ على الاقتصاد الوطني واستدامته على أساس الإنسان في مواجهة الوباء وانخفاض أسعار النفط وقيم الأصول، كما أكد سموه ضرورة مراجعة نمط حياتنا اليومية، وأهمية ترشيد استغلال الموارد، وتقليل الاعتماد على الغير في الأعمال، كما دعا سموه إلى وضع الخطط لتقليل الاعتماد على مصدر واحد ناضب حتى تنعم أجيالنا القادمة بالحياة الكريمة.وقد سبق أن طالب كثير من الوطنيين المخلصين بمثل هذه الإصلاحات الاقتصادية، ولكنها كانت دوماً تقابل بالعراقيل الكثيرة التي ليس هذا مجال حصرها أو الحديث عنها، ولكن الآن وبعد توجيهات صاحب السمو الصريحة والمباشرة يجب البدء وعلى الفور بهذه الإصلاحات لمواجهة هذا التحدي الذي وحسب تعبير صاحب السمو: «سيؤثر سلباً على الملاءة المالية للدولة».ولن تكون هذه الإصلاحات الاقتصادية سهلة أو ميسرة، إذ إنها ستحتاج إلى عوامل مهمة من أجل نجاحها يمكن اختصارها بالآتي:
أولا: حكومة قوية متضامنة ومدعومة أول خطوة هي تشكيل حكومة ذات إيمان بأهمية وضرورة الإصلاحات الشاملة، وأن تضع هذه الحكومة برنامجاً معلناً ينطلق من كلمة سمو الأمير، وأن تسعى إلى تنفيذه بجدية مهما كلفها ذلك من صعوبات وتجريح من قبل بعض أعضاء مجلس الأمة أو الحسابات الوهمية أو من المتنفذين الذين سيسعون إلى وضع العصيّ في عجلة الإصلاح، حيث سيحاول هؤلاء إفشال الحكومة وتشويه عملها بكل الطرق، وقد يتفقون لوضع خطة فيما بينهم من أجل عرقلة الإصلاح، ولا يجوز أن ننسى تجاربنا السابقة وكيف مر بنا وزراء إصلاحيون تمت عرقلتهم وإقصاؤهم عبر حملات إعلامية أو في المجلس، لذلك يجب أن تكون هذه الحكومة مدعومة بالكامل ما دامت نزيهة وتسير في طريق الإصلاح.وقد بينت في أكثر من مقالة ومقابلة أن الحكومة يجب أن تتمتع بأغلبية نيابية، وهذا أمر يجب أن يتم من خلال تشكيل الحكومة بمراعاة ما جاء في الدستور بهذا الشأن، وإلا ستصطدم الحكومة بأغلبية رافضة لكل قوانينها وبرامجها إذا لم يتم ذلك.ثانياً: الكبار أولاً يجب أن تكون البداية مع الكبار لأن الشرع والدستور نصا على واجباتهم المالية والاجتماعية، كما أن مساهمة الكبار والأثرياء بجزء من أرباحهم هي المحفز الأساسي لباقي الشعب لكي تتحقق القناعة بالإصلاح الشامل، وقد مر بنا كيف فشلت خططٌ سابقة قُدمت للمجلس بسبب إهمالها لهذه الأولوية، مثل وقوف المجلس ضد ضريبة المشتريات، في حين كانت البداية السليمة هي بمساهمة الأثرياء في إيرادات الدولة وتعظيم العائد على أملاكها، والعمل على تطبيق قانون حماية المنافسة فوراً رغم أنوف ومصالح بعض الكبار، وإلزام الشركات الكبرى بتعيين الكويتيين وتقنين العمالة الوافدة وأجورها وسكنها وهكذا.ثالثاً: قوانين وقرارات مهمة وحساسة لا يخفى أن بعض بنود الإصلاح تحتاج إلى قوانين وقرارات مهمة وأساسية للإصلاح، ولكنها غير شعبوية مثل إعادة النظر في المصروفات الفلكية، وبعض الكوادر، وإقرار البديل الاستراتيجي، وتعديل التركيبة السكانية بإحلال الكويتي مكان الوافد في القطاعين الخاص والحكومي خصوصا في المهن التي تحتاجها الكويت، ولا يقبل عليها الكويتيون ولا يرحب بهم القطاع الخاص، كما يجب تأهيل المؤسسات التعليمية والتدريبية لهذا الغرض، ورفع مستوى المعلم، ودمج الكليات التي لم تعد تتوافق مع سوق العمل والحد من أعداد خريجيها، كما يجدر وقف البعثات في التخصصات الوفيرة وغير المطلوبة، وكذلك إيقاف التجاوزات في أنظمة البناء في كل مناطق الكويت لا في الجليب فقط، وتشديد الرقابة على المحلات والمطاعم والأغذية المستوردة، ومن الضروري إيقاف التدخلات والوساطات بوضع مساطر دقيقة لا تقبل الاستثناء للتعيين والترقية والوظائف القيادية، كما يجب رفض مشاريع النواب التي تتعارض مع الإصلاح المالي، وتفسد سوق العمل، وأيضاً يجب رفض كل مشروعات قوانين الصرف الانتخابية التي لا تهدف إلا لكسب الود الانتخابي وعودة النواب إلى مقاعد المجلس.رابعاً: الاستغلال الأمثل لموارد الدولة من المعروف أن أغلى ما تملكه الكويت هو النفط والأرض، لذلك يجب على الفور البدء بإنشاء صناعات نفطية خاصة مع توافر كل عوامل الإنتاج من المادة الخام والأرض والشباب المتعلمين والمال الذي يمكن به التعاون مع أفضل الشركات في العالم لتصنيع منتجات نفطية محلياً تفوق في قيمتها النفط الخام وتوفير آلاف الوظائف للشباب، وبهذا يكون تعديل مسار مشروعات ومساهمات كثيرة خاسرة قامت بها مؤسسة البترول في السابق.وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأرض فيجب على الفور تحرير الأراضي من احتكار الدولة وتوفيرها بعدالة للمهنيين والحرفيين والصناعيين والمستثمرين ومختلف المهن بشرط توظيف الكويتيين والإسهام في إيرادات الدولة، كما يجب توفير الأراضي لحل مشكلة الإسكان بأسلوب عصري، وهو ما رفضه مجلس الأمة عدة مراتٍ في السابق، وأصر على السير في الطريق الطويل غير المجدي الحالي، وأيضاً لا بد من توسيع نطاق عمل القطاع الخاص في جميع القطاعات المشروعة لا سيما في التجارة والموانئ والمناطق الحرة والتخزين والنقل والترفيه والصناعة المالية وفق الأسس السابقة نفسها.وبهذه الأفكار وبمثلها يتم تحقيق دعوة صاحب السمو لتقليل الاعتماد على المصدر الوحيد للدخل وتحقيق مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة بإذن الله.خامساً: مصارحة الشعبإن مخاطبة الجماهير والشرح للشعب خطورة الوضع الراهن والحاجة الملحة للإصلاح وشحذ الهمم لمساهمة الجميع في الطريق الجديد هو منهج لا يمكن لأي حكومة إصلاحية الاستغناء عنه، فعلى الحكومة أن تستعد بأفضل جهاز إعلامي قوي، وتستعين بأفضل الخبراء الاقتصاديين والماليين الثقات لشرح كل الحقائق وعدم إخفاء أي معلومة عن الناس، واستغلال كل وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، مع تبسيط المعلومات والحرص على الإقناع بخطورة الاستمرار دون إصلاح، والتبشير بمستقبل أفضل إذا تحقق الإصلاح.إن أعداء الإصلاح سيبذلون كل أدواتهم وأقلام أجرائهم ومندوبيهم ووشاياتهم لتشويه خطوات الإصلاح وزرع الشك والكراهية في نفوس الناس، وإذا لم تحصل قوانين هذه الإصلاحات على الأغلبية المطلوبة لإقرارها في مجلس الأمة، فلابد من اللجوء عندها إلى مخاطبة الشعب بخطاب واضح وإعلام علمي حي وشعبي مؤثر برعاية أميرية أثناء الانتخابات، وعندها لا شك أن الشعوب الحية ستختار طريق الإصلاح إذا ما نجح المصلحون في بيان كل الحقائق وكانوا مثالاً للنزاهة والقدوة والعمل المخلص الجاد.وختاماً أرى أنه لا بد لأي حكومة من تبني هذه الاقتراحات إذا أرادت تنفيذ توجيهات صاحب السمو الأمير.قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم».