نجاة الصغيرة... صوت الحب (7-15)
مطربة «لا تكذبي» ترفض مقابلة عبدالحليم حافظ
ضم ألبوم المطربة نجاة توقيع كبار الشعراء والملحنين، وصار لكل منهم حكاية نجاح لا تكتمل من دون شدو المغنية الرقيقة، وخاضت «صوت الحب» معاركها الفنية بقفاز حريري، وانتهت أزمة أغنية «العيون السود» مع المطربة وردة الجزائرية والملحن بليغ حمدي، وسجلت أول أغنية بتقنية الصوت على موسيقى مسجلة، وشدت بـ«عيش معايا» بعد سنوات من حادثة «الموسيقار عبدالوهاب والمجنون» وتوالت المفاجآت.
تزامن دخول نجاة إلى عالم الاحتراف في منتصف الخمسينيات، وظهور الملحن الشاب، آنذاك، محمد الموجي، وامتد التعاون بينهما إلى نحو ثلاثة عقود، وأثمر عن عقد فريد من الأغنيات ذات الطابع الديني والوطني والعاطفي، ومنها «يا ملاك الحب» للشاعر أحمد رامي، و«الليلة دي» وغنتها في فيلم «غريبة» عام 1958، و«أما براوة» في فيلم «ابنتي العزيزة» 1971، والأغنيتان من كلمات الشاعر مرسي جميل عزيز، وتتابعت أغنياتهما على فترات متباعدة، ومن أبرزها «دوبني دوب» للشاعر كمال عطية، و«موال العشاق» للشاعر بدرالدين بن عبدالمحسن، و«مر هذا اليوم» للشاعر مصطفى البدوي وغيرها.وتشابهت ظروف «الموجي ونجاة» في ساحة تشتعل بالمنافسة بين أجيال من الملحنين والمطربين والمطربات، وصارت أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية، وجمعتهما معركة فنية شهيرة حول أغنية «يا حبيبي قولي آخرة جرحي إيه» التي لحنها الموجي للمطرب محرم فؤاد، وغناها في فيلم «وداعاً يا حب» عام 1960، ودخلت نجاة طرفاً في الخلاف، ما يدفع للتساؤل بشأن وقوع المطربة الرقيقة في سلسلة من الأزمات حول أغنياتها في بداية مسيرتها الاحترافية، وتكرار غنائها لأعمال مطربات ومطربين آخرين، وبلوغ المنافسة ذروتها خلف الكواليس، وقد وصلت في بعض الحالات إلى ساحة المحاكم.بدأت وقائع المعركة في أول أكتوبر عام 1960، أي بعد 5 أشهر من عرض فيلم «وداعاً يا حب»، وشنّ الموجي حملة شعواء على العديد من نجوم الطرب في حوار بمجلة «الكواكب» في ذلك التاريخ، وكان أول من هاجمهم محرم فؤاد وقد وصفه بأنه تلميذ عاق، وكان الفيلم قد حقق نجاحاً كبيراً بفضل الأداء والأغاني، ولكن الموجي سحب منه أغنية «يا حبيبي قولي» بحجة أن محرم لم يؤدِها كما كان يتمنى، وسيسحب أيضاً أغنية «حتى يوم العيد»، وأنه سيترك له فقط أغنيتي «رمش عينه»، و«الحلوة داير شباكها»، وقد سبق أن غناهما في فيلم «حسن ونعيمة”.
وقرر الموجي أن يعطي اللحن لنجاة، وحينئذ سئل: «هل هذا انتقام من محرم؟» فأجاب: «وماذا عند محرم حتى أنتقم منه؟»، فقال له محاوره: «لأنه لا يعترف بأستاذيتك؟»، فرد الموجي: «إنه تلميذ عاق. إن غيره أحسن منه يعترفون بذلك». وكان الموجي قد غنى تلك الأغنية بنفسه في حفل خاص جمع محمد عبدالوهاب، ونجاة الصغيرة، وعبدالحليم حافظ، وكامل الشناوي وآخرين، فأعجب عبدالوهاب بها واقترح أن يغنيها حليم ويسجلها لشركته، لكن العندليب رفض، وقال إنه يمكنه الغناء لأي مطرب آخر ولا يغني لمحرم، لذا لجأ الموجي لنجاة التي وافقت على أن تغنيها، وأكد الموجي أن صوتي «حليم ونجاة» يظهران جمال الألحان.عندما علم محرم فؤاد بأمر سحب الأغنية منه، وأن نجاة ستغنيها في حفل عام بسينما ريفولي، وكان محرم ضمن المشاركين في الحفل، وكان دوره في الغناء بعدها، فلجأ إلى حيلة يفسد بها الأمر على «نجاة والموجي»، وألحّ على المشرفين على الحفل أن يغني قبل نجاة، لأنه مرتبط بحفلة أخرى، ووعد بألا يغني «آخرة جرحي إيه» وأملى على رجال الإذاعة اسم أغنية أخرى سيغنيها، ولهذا سمحوا له بالغناء قبل نجاة.ووقف محرم أمام الجمهور قال: سأغني لكم أغنية جديدة غنيتها في فيلم «وداعاً يا حب»، وغنى الأغنية، ووضع نجاة والموجي في موقف محرج، لذا حرمته الإذاعة من الغناء في حفلاتها الخارجية مدة عام، ومنع إذاعة أغنيته المذكورة أيضاً مدة عام، ولكنها ظلت من أنجح الأغنيات خلال مشواره الفني، بينما توارت الأغنية المسجلة بصوت نجاة!ورغم تباعد ألحان الموجي لنجاة، فإن لقاءهما بمنزلة ألبوم متكامل، مثل تعاونهما في تقديم أغنيات ذات طابع ديني عام 1985، ومنها «يجدد في النفس إشراقها»، و«يا طاعة الديان»، و«اللهم احمنا» للشاعر عبدالسلام أمين، و«يارب أبدعت ملكك»، و«دعوة النور والهدى» للشاعر عبدالفتاح مصطفى، وكانت «عيون القلب» للشاعر عبدالرحمن الأبنودي، آخر لقاء بينهما عام 1983.
الشموع السوداء
في تسجيل نادر لحوار إذاعي أجراه المطرب عبدالحليم حافظ عام 1958، سألته مقدمة البرنامج، إذا كانت هناك أغنية قدمها مطرب غيره، وتمنى أن يغنيها، فأجاب قائلاً: «فيه، لكن هي أغنية غنتها مطربة.. غريبة منسية»، وطلبت منه المذيعة أن يغنيها بصوته، وقبل أن يغنيها أوضح أنه تمنى أن يغني اللحن، بكلمات تتناسب مع أن يغنيها مطرب لا مطربة، لأن كلمات الأغنية الأصلية تجري على لسان امرأة أو فتاة، وكانت «غريبة منسية» قد غنتها نجاة في فيلم «غريبة» عام 1958، وكتب كلماتها الشاعر مرسي جميل عزيز، ومن ألحان كمال الطويل.وبعد سنوات قامت نجاة ببطولة فيلم «الشموع السوداء» عام 1962 وحقق نجاحاً كبيراً، وذاعت شهرة أغنية «لا تكذبي»، التي شدت بها من كلمات الشاعر الراحل كامل الشناوي، وألحان محمد عبدالوهاب، واعترف النقاد ببراعتها في أداء دورها، وقد استطاعت أن تمحو من الأذهان إخفاقها في تجارب سينمائية سابقة، كادت تنتهي بها إلى اعتزال التمثيل، ولكن المخرج المتميز عزالدين ذوالفقار قدمها بشكل يليق بنجوميتها كمطربة، وغامر باختيار نجم الكرة، آنذاك، صالح سليم، ليشاركها البطولة، ومعهم كوكبة من الفنانين مثل فؤاد المهندس، وأمينة رزق، وملك الجمل، وصلاح سرحان. وفي غمار سعادتها بنجاح الفيلم، فوجئت نجاة بغناء عبدالحليم حافظ أغنية «لا تكذبي» في إحدى حفلاته من دون استئذانها، وغضبت المطربة الرقيقة من العندليب الأسمر، ورفضت قبول اعتذاره، وقيل إنه توسط الملحن كمال الطويل، وبالفعل وافقت على حضورهما في التاسعة مساء، وذهب الاثنان إلى مسكن نجاة، ولكنها لم تفتح لهما باب شقتها، فأصابهما غضب شديد، وظلت الأجواء متوترة بينهم، فترة طويلة.وبمرور الوقت تبدد الخصام بين الطويل ونجاة، لكنه ظل قائماً مع عبدالحليم، وظل الأخير يقتنص الفرصة لمناوشاته مع المطربة التي رفضت اعتذاره، وانطوت تعليقاته على سخرية، وفي إحدى حلقات برنامج «النادي الدولي» سأله الفنان سمير صبري عن المطربة التي يرغب أن تشاركه بطولة فيلم، فقال عبدالحليم: «نجاة لأنها قصيرة مثلي» وفي لقاء آخر في برنامج «أوتوغراف» سأله المذيع طارق حبيب عن رأيه في صوت نجاة، فقال: «في أحيان كثيرة... معرفش هي بتقول إيه”.الحب والغضب
وتوالت عواصف «لا تكذبي»، وتردد حينئذ أن الشاعر كامل الشناوي كتبها عن قصة حب دامية، عاشها مع المطربة نجاة، ولاحقتها الشائعات أنها بطلة القصيدة، ما جعلها تثور غضباً، وتنفي التهمة عن نفسها، وطلبت من محاميها مقاضاة الكاتب الصحافي مصطفى أمين، عندما ألمح في إحدى مقالاته أنها معذبة صديقه الشاعر المفرط في رومانسيته.واشتهر الشاعر كامل الشناوي خلال فترة الأربعينيات بموهبته الفارقة في كتابة الشعر الرومانسي والوطني، ولعب دوراً مؤثراً في الأدب والصحافة المصرية حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي، وكان من الشعراء المقلين، ولم يترك سوى ديوانه الوحيد «الليل والحب والموت» وأوبريت «أبو نواس» وتغني بقصائده كبار المطربين والمطربات مثل «أنا الشعب» لكوكب الشرق أم كلثوم، و«حبيبها» و«لست قلبي» للعندليب عبدالحليم حافظ، و«يوم بلا غد» للموسيقار فريد الأطرش.ونالت قصيدته «لا تكذبي» النصيب الأوفر من الشهرة، لا سيما بعد أن شدت بها نجاة، وعبر خلالها بحس مرهف عن قصة حب دامية، ومشاعر متضاربة بين الحقيقة والخيال، وأصداء من حكايات العشق التي كتبها الشعراء القدامى، رغم أنه كان شاعراً حداثياً في عصره، ويتمتع بموهبة الإلقاء، وهناك بعض التسجيلات الإذاعية، وهو يلقي بعض قصائده بصوته المفعم بالحزن والشموخ.بطلة فيلم «غريبة» تنجو من حادث تصادم
تعرضت نجاة لحادث تصادم مروع وقع في أحد أيام عام 1958، وأنقذتها العناية الإلهية من موت محقق، وأصيبت بخدوش طفيفة، وساءت حالتها النفسية، وتوارت عن الأنظار مدة أسبوعين، وانشغل الشارع المصري بالاطمئنان على سلامة المطربة المحبوبة، واتجهت الأضواء إلى منزلها في حي الزمالك، ولكن طبيبها نصحها بالراحة التامة، وعدم إجراء مقابلات صحافية، حتى تسترد عافيتها. جاءت التفاصيل الكاملة للحادث بعد 20 عاماً من وقوعه، ونشرت مجلة «الكواكب» تقريراً مفصلاً في عددها الصادر يوم 4 يوليو 1978، واستعاد الكاتب حسين عثمان أشهر قضايا الفنانين في أواخر الخمسينيات، عندما نجت نجاة من انقلاب سيارة، كان يقودها زوجها، آنذاك، المهندس كمال منسي، وفوجئ بخروج سيارة أخرى من الاتجاه المقابل، وحاول أن يتفادى الاصطدام فانحرف بسيارته، وارتطم برصيف الشارع، فتحطمت مقدمة السيارة، وتلف جزء كبير من جانبها الأيمن، وتصادف أن طفلة صغيرة في السابعة تسير فوق الرصيف، فصدمتها السيارة الأخرى صدمة عنيفة، ونقلت إلى المستشفى بين الحياة والموت.لم تحتمل نجاة هذا المشهد المروع، وانهارت باكية، وكانت قد أصيبت بجروح طفيفة بعد أن فُتح الباب وسقطت على الأرض، بينما لم يصب زوجها بسوء، وهرع رجال الشرطة والإسعاف إلى الشارع، وتجمع عدد كبير من المارة. وعادت نجاة إلى شقتها بالزمالك، واستدعى زوجها الطبيب لمعالجة الجروح الطفيفة، ونصحها بعدم مغادرة الفراش مدة أسبوعين، وقضت هذه الفترة من دون أن تكلم أحداً، ولا يفارق عينيها مشهد اصطدام الطفلة الصغيرة، رغم أن الجميع أخفى عنها أنها ماتت فور وصولها المستشفى، وأخبروها أنها أصيبت ببعض كدمات، ولكن المشهد الدامي ظل يطاردها في الحلم واليقظة سنوات طويلة، وأثبت التحقيق أن السيارة الأخرى صدمت الطفلة صدمة عنيفة أودت بحياتها، وقالت نجاة يومها إن صورة الطفلة عندما صدمتها السيارة الأخرى، لن تنساها مدى الحياة. وقالت المطربة في التحقيق: «كنت أنا وزوجي في طريقنا لزيارة صديق مريض، قبل أن نتوجه إلى الاستديو، وكنا لا نتكلم أثناء الطريق، ولم يكن راديو السيارة مفتوحاً، وكنت أضع يدي تحت ذقني، وكان زوجي يقود السيارة بمنتهى الحرص، وفجأة وجدت سيارة كبيرة متجهة نحونا، ثم وجدت نفسي فجأة أدور داخل السيارة، وارتطم عدة مرات في أرض وسقف السيارة، وفي زجاجها الأمامي، ثم رأيت الطفلة أمامي تصطدم بها السيارة الأخرى، ونسيت نفسي ونسيت كل شيء، ولم أعد أرى غيرها، وانطلقت في الصراخ والبكاء”.وكانت نجاة وزوجها في زيارة إلى صديق مريض وشاء القدر أن تترك نجاة طفلها وليد في المنزل، وكانت ستأخذه معها، وعندما دخلت إلى المصعد، تداركت الأمر، قالت لزوجها إنه ليس من اللائق أن نصطحبه معنا في هذه الزيارة، وعادت إلى الشقة، وتركته مع مربيته، وأوصتها بعدم خروجه، خوفاً من تعرضه لحرارة الجو.واضطرت نجاة إلى مغادرة فراشها، قبل أسبوعين، حتى تتمكن من تسجيل أغاني فيلم «غريبة» الذي أنتجته لحسابها، وحاول طبيبها أن يمنعها من مغادرة الفراش، وفي أول يوم ذهبت فيه إلى الاستوديو سقطت مغشياً عليها، لكثرة الإجهاد والتعب، ولم تتمكن من العمل مدة أربعة أيام، حتى استردت عافيتها مرة أخرى.مقطع من أغنية «لا تكذبي»
لا تكذبيإني رأيتكما معاًفدع البكاء فقد كرهت الأدمعاما أهون الدمع الجسور إذا جرىمن عين كاذبة فأنكر وادعى وادعىإني رأيتكما إني سمعتكماعيناك في عينيه في شفتيه في كفيه في قدميهويداك ضارعتان ترتعشان من لهف عليهتتحديان الشوق بالقبلات تلذعني بشوق من لهيببالهمس باللهمس بالآهات بالنظراتباللفتات بالصمت الرهيبويشب في قلبي حريقويضيع من قدمي الطريقوتطل من رأسي الظنون تلومني وتشد أذنيفلطالما باركت كذبك كلهفلعنت ظني
محرم فؤاد يخدع الموجي ونجاة في سينما ريفولي
بطلة «الشموع السوداء» تتراجع عن اعتزال التمثيل
مصطفى أمين ينتقد معذبة صديقه شاعر «الحب والألم»
بطلة «الشموع السوداء» تتراجع عن اعتزال التمثيل
مصطفى أمين ينتقد معذبة صديقه شاعر «الحب والألم»