ولما كانت الليلة الخامسة والتسعين بعد الخمسمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه عندما أقبل اللص على الراعي، وقال له إن هذا الأسد قد أرسلني إليك يطلب عشاه من هذه الغنم، فقال له الراعي وأين الأسد؟ فقال له اللص: ارفع بصرك، ها هو واقفٌ، فرفع الراعي رأسه فرأى صورة الأسد، فلما رآها ظن أنها أسدٌ حقيقي ففزع منها فزعاً شديداً وأخذه الرعب، وقال للص: يا أخي خذ ما شئت ليس عندي مخالفة، وأخذ اللص من الغنم حاجته وازداد طمعه في الراعي بسبب شدة خوفه، فصار كل قليل يأتي إليه ويرعبه ويقول له إن الأسد يحتاج إلى كذا أو قصده أن يفعل كذا، ثم يأخذ من الغنم كفايته، ولم يزل اللص مع الراعي على هذه الحالة حتى أفنى غالب الغنم، وإنما قلت لك هذا الكلام أيها الملك لئلا يغتر كبراء دولتك هؤلاء بحلمك ولين جانبك، فيطمعوا فيك، والرأي السديد أن يكون موتهم أقرب مما يفعلونه. فقبل الملك قولها وقال إني قبلت منك هذه النصيحة، ولست مطيعاً لمشورتهم ولا خارجاً إليهم.

Ad

مواجهة الملك

فلما أصبح الصباح، اجتمع الوزراء وأكابر الدولة ووجهاء الناس، وحمل كل واحدٍ منهم سلاحه معه، وتوجهوا إلى بيت الملك ليهجموا عليه ويقتلوه ويولوا غيره، فلما وصلوا إلى بيت الملك ليهجموا عليه ويقتلوه تقربوا قليلاً من المنزل وسألوا البواب أن يفتح لهم، فلم يفتح لهم، فأرسلوا ليحضروا نارا فيحرقوا بها الأبواب ثم يدخلوا، فسمع البواب منهم هذا الكلام فانطلق بسرعةٍ وأعلم الملك أن الخلق مجتمعون عند الباب، وقال إنهم سألوني أن أفتح لهم فأبيت فأرسلوا ليحضروا نارا فيحرقوا بها الأبواب ثم يدخلوا عليك ويقتلوك فماذا تأمرني.

البحث عن حيلة

فقال الملك في نفسه إني وقعت في الهلكة العظيمة، ثم أرسل خلف المرأة، فحضرت فقال لها إن شماساً لم يخبرني بشيءٍ إلا وقد وجدته صحيحاً، وقد حضر الخاص والعام من الناس يريدون قتلي وقتلك، ولما لم يفتح لهم البواب أرسلوا ليحضروا نارا فيحرقوا الأبواب فيحترق البيت ونحن داخله، فبماذا تشيرون علينا؟ فقالت له المرأة: لا بأس عليك ولا يهولنك أمرهم، فإن هذا الزمان يقوم فيه السفهاء على ملوكهم. فقال لها الملك: فما تشيرين علي به لأفعله وما الحيلة في هذا الأمر؟

التخطيط لقتل الوزراء

فقالت له: الرأي عندك أنك تعصب رأسك بعصابةٍ، وتظهر أنك مريض ثم ترسل إلى الوزير شماس، فيحضر إليك، فإذا حضر فقل له قد أردت الخروج إلى الناس في هذا اليوم، فمنعني هذا المرض، فأخرج إلى الناس وأخبرهم بما أنا فيه وأخبرهم أني في غدٍ أخرج إليهم وأقضي حوائجهم وأنظر في أحوالهم ليطمئنوا ويسكن غيظهم، وإذا أصبحت فاستدع بعشرة من عبيد أبيك ويكونوا سامعين لقولك طائعين لأمرك كاتمين لسرك حافظين لودك، ثم أوقفهم على رأسك وأمرهم ألا يمكنوا أحداً من الدخول عليك إلا واحدا بعد واحدٍ، فإذا دخل واحدٌ فقل لهم خذوه واقتلوه، وإذا اتفقوا معك على ذلك فأصبح ناصباً كرسيك في ديوانك، وافتح بابك، فإنهم إذا رأوك فتحت الباب طابت نفوسهم وأتوك بقلبٍ سليم واستأذنوا في الدخول عليك، فائذن لهم في الدخول واحداً بعد واحدٍ كما قلت لك، وافعل بهم مرادك، ولكن ينبغي أن تبدأ بقتل شماس الكبير أولهم، فإنه هو الوزير الأعظم وهو صاحب الأمر فاقتله أولاً.

الراحة الكلية

ثم بعد ذلك اقتل الجميع واحداً بعد واحدٍ، ولا تبق منهم من تعرف أنه ينكث لك عهداً، وكذلك كل من تخاف صولته، فإنك إذا فعلت بهم ذلك لا يبقى لهم قوة عليك وتستريح منهم الراحة الكلية ويصفو لك الملك وتعمل ما تحب، واعلم أنه لا حيلة لك أنفع من هذه الحيلة، فقال لها الملك: إن رأيك هذا سديدٌ وأمرك رشيدٌ، فلابد أن أعمل ما ذكرت، ثم أمر بعصابة فشد بها رأسه وتضاعف وأرسل إلى شماس، فلما حضر بين يديه قال له شماس: قد علمت أني لك ولرأيك مطيعٌ وأنت كالأخ والوالد دون كل أحد، وتعرف أني أقبل منك جميع ما أمرتني به، وقد كنت أمرتني بالخروج إلى الرعية والجلوس لأحكامهم وتحققت أنها نصيحة منك لي، وقد أردت الخروج إليهم بالأمس فعرض لي هذا المرض ولست أستطيع الجلوس، وقد بلغني أن أهل المملكة متنغصون من عدم خروجي إليهم وهموا أن يفعلوا في ما لا يليق من شرهم، فإنهم غير عالمين بما أنا فيه من المرض، فاخرج إليهم وأعلمهم بحالي وما أنا فيه، واعتذر إليهم عني، وفي الغد أخرج إليهم ولعل مرضي يزول عني في هذه الليلة ببركة صالح نيتي وما أضمرته لهم من الخير في سريرتي، ففرح شماس بذلك وخرج إلى الناس وأخبرهم بما سمعه من الملك ونهاهم عما أرادوه، وأعلمهم بالعذر وسبب امتناع الملك عن الخروج، وأخبرهم بأنه وعده في غد بالخروج إليهم وأنه يصنع لهم ما يحبون، فانصرفوا عند ذلك إلى منازلهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

بأس شديد

وفي الليلة الخامسة والتسعين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن شماساً خرج إلى أعيان الدولة وقال لهم: إن الملك في غدٍ يخرج إليكم ويصنع لكم ما تحبون، فانصرفوا إلى منازلهم. هذا ما كان من أمرهم. وأما ما كان من أمر الملك فإنه بعث إلى العبيد العشرة الجبابرة الذين اختارهم من جبابرة أبيه، وكانوا ذوي عزمٍ جليدٍ وبأسٍ شديدٍ وقال لهم: قد علمتم ما كان لكم عند والدي من الحظوة ورفعة الشأن والإحسان إليكم، مع لطفه بكم وإكرامه إياكم، فأنا أنزلهم بعده عندي في درجة أرفع من تلك الدرجة، وسأعرفكم سبب ذلك، وأنتم في أمان الله مني، ولكن أسألكم عن مسألة؛ هل تكونون معي فيها طائعين لأمري فيما أقوله، كاتمين لسري عن جميع الناس؟ ولكم مني الإحسان فوق ما تريدون، حيث مثلتم أمري، فأجابه العشرة من فم واحدٍ وكلامٍ متواردٍ قائلين: جميع ما تأمرنا به يا سيدنا نحن به عاملون، ولا نخرج عما تشير به علينا مطلقاً وأنت ولي أمرنا. فقال لهم: أحسن الله لكم، فأنا الآن أعرفكم سبب اختصاصكم بمزيد الإكرام عندي أنكم قد علمتم ما كان يفعله أبي بأهل مملكته من الإكرام وما عاهدهم عليه من أمري وإقرارهم له بأنهم لا ينكثون لي عهداً ولا يخالفون لي أمرا، وقد نظرتم ما كان منهم بالأمس، فرأيت أنه لا يزجرهم عن مثله إلا نكالهم، فلابد أن أوكلكم بقتل من أشير لكم بقتله سراً حتى أدفع الشر والبلاء عن بلادي بقتل أكابرهم ورؤسائهم وطريقة ذلك أني أقعد في هذا المقعد في هذه المقصورة في غدٍ وآذن لهم بالدخول علي واحداً بعد واحدٍ، وأن يدخلوا من بابٍ ويخرجوا من بابٍ آخر، فقفوا أنتم العشرة بين يدي فاهمين لإشارتي، وكلما يدخل واحدٌ فخذوه وادخلوا به هذا البيت واقتلوه وأخفوا جثته، فقالوا: سمعاً لقولك وطاعةً لأمرك، فعند ذلك أحسن إليهم وصرفهم وبات، فلما أصبح طلبهم وأمر بنصب السرير، ثم لبس ثياب الملك وأخذ في يده كتاب القضاء، وأمر بفتح الباب ففُتح، وأوقف العبيد العشرة بين يديه، ونادى: من كانت له حكومة فليحضر إلى بساط الملك. فأتى الوزراء والقادة والحجاب، ووقف كل واحدٍ في مرتبته، ثم أمر لهم بالدخول واحداً بعد واحدٍ.

قتل الوزراء

فدخل شماس الوزير أولاً كما هي عادة الوزير الأكبر. فلما دخل واستقر قدام الملك لم يشعر إلا والعبيد العشرة محتاطون به وأخذوه وأدخلوه البيت وقتلوه، وأقبلوا على باقي الوزراء ثم العلماء ثم الصلحاء فصاروا يقتلونهم واحداً بعد واحدٍ حتى فرغوا من الجميع، ثم دعا بالجلادين وأمرهم بحط السيف فيمن بقي من أهل الشجاعة وقوة البأس، فلم يتركوا أحداً ممن يعرفون أن له شهامةً إلا قتلوه، ولم يتركوا إلا سفلة الناس ورعاعهم ثم طردهم ولحق كل واحدٍ منهم بأهله.

ثم بعد ذلك اختلى الملك بلذاته وأعطى نفسه شهواتها، وسلك الظلم والاضطهاد حتى سبق من تقدمه من أهل الشر.

ملك الهند

كانت بلاد هذا الملك معدن الذهب والفضة والياقوت والجواهر، وجميع من حوله من الملوك يحسدونه على هذه المملكة ويتمنون له البلاء، فقال بعض الملوك المجاورين له في نفسه إني ظفرت بما كنت أريد من أخذ هذه المملكة من يد هذا الولد الجاهل؛ بسبب ما حصل من قتله لأكابر دولته وأهل الشجاعة والنجدة الذين كانوا في أرضه، فهذا هو وقت الفرصة وانتزاع ما في يده، لكونه صغيراً ولا درايةً له بالحرب، ولا رأي له ولم يبق عنده من يرشده ولا من يعضده، فأنا اليوم أفتح معه باب الشر، وهو أني أكتب له كتاباً وأبعث به فيه وأبكته على ما حصل منه وأنظر ما يكون من جوابه، فكتب له مكتوباً مضمونه: بلغني ما فعلت بوزرائك وعلمائك وجبابرتك وما أوقعت نفسك فيه من البلاء، حتى لم يبق لك طاقة ولا

قوة على دفع من يصول عليك، حين طغيت وأفسدت، وإن الله قد أعطاني النصر عليك وظفرني بك فاسمع كلامي وامتثل أمري؛ أن تبني لي قصراً معيناً في وسط البحر وإن لم تقدر على ذلك، فاخرج من بلادك وفرّ بنفسك، فإني باعثٌ إليك من أقصى الهند اثني عشر كردوساً فيدخلون بلادك وينهبون أموالك ويقتلون رجالك ويسبون حريمك، وأجعل قائدهم بديعاً وزيري وآمره أن يرسخ عليها محاصراً إلى أن يملكها، وقد أمرت هذا الغلام المرسل إليك أنه لا يقيم عندك غير ثلاثة أيامٍ، فإن امتثلت لأمري نجوت، وإلا أرسلت إليك ما ذكرته لك.

ثم ختم الكتاب وأعطاه للرسول، فسار به حتى وصل إلى تلك المدينة ودخل على الملك وأعطاه الكتاب، فلما قرأه الملك ضعفت قوته وضاق صدره والتبس عليه أمره وتحقق الهلاك، ولم يجد من يستشيره ولا من يستعين به ولا من ينجده، فقام ودخل على زوجته وهو متغير اللون فقالت له: ما شأنك أيها الملك؟ فقال لها: لست اليوم بملك ولكني عبدٌ للملك، ثم فتح الكتاب وقرأه عليها فلما سمعته أخذت في البكاء والنحيب وشقت ثيابها، فقال لها الملك: هل عندك شيءٌ من الرأي والحيلة في هذا الأمر العسير؟ فقالت له: وما عند النساء من الحيلة في الحروب، والنساء لا قوة لهن ولا رأي لهن؟ وإنما القوة والرأي والحيلة للرجال في مثل هذا الأمر. فلما سمع الملك منها هذا الكلام حصل له غاية الندم والتأسف والكآبة على ما فرط منه في حق جماعته ورؤساء دولته.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

ندم الملك

وفي الليلة السادسة والتسعين بعد الخمسمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك لما سمع من زوجته ذلك الكلام حصل له غاية الندم والتأسف على ما فرط منه من قتل وزرائه وأشراف رعيته، وتمنى الموت لنفسه قبل أن يرد عليه مثل هذا الخبر الفظيع، ثم قال لنسائه: لقد وقع لي منكن ما وقع للدراج مع السحالف، فقلن له: وكيف كان ذلك؟ فقال الملك: زعموا أن سحالف كانت في جزيرةٍ، وكانت تلك الجزيرة ذات أشجارٍ وأثمارٍ وأنهارٍ، فاتفق أن دراجاً اجتاز بها يوماً وقد أصابه الحر والتعب، فلما أضر به ذلك حط من طيرانه في تلك الجزيرة التي بها تلك السحالف، فلما رأى السحالف التجأ إليها ونزل عندها، وكانت السحالف ترعى في جهات الجزيرة ثم ترجع إلى مكانها، فلما رجعت من مسارحها إلى مكانها، رأت الدراج فيه، فلما رأته أعجبها وزينه الله لها، فسبحت خالقها وأحبت هذا الدراج حباً شديداً وفرحت به ثم قال بعضها لبعضٍ: لاشك أن هذا من أحسن الطيور، فصارت كلها تلاطفه وتجنح إليه، فلما رأى منها عين المحبة مال إليها واستأنس بها وصار يطير إلى أية جهة أراد، وعند المساء يرجع إلى المبيت عندها، فإذا أصبح الصباح يطير إلى حيث أراد، وصارت عادته، واستمر على هذه الحال مدةً من الزمان، فلما رأت السحالف أن غيابه عنها يوحشها وتحققت أنها لا تراه إلا في الليل وإذا أصبح طار مبادراً ولا تشعر به مع زيادة حبها له، قال بعضهم لبعضٍ: إن هذا الدراج قد أحببناه وصار لنا صديقاً وما بقي لنا قدرةٌ على فراقه، فما يكون من الحيلة الموصلة إلى إقامته عندنا دائماً، لأنه إذا طار يغيب عنا النهار كله ولا نراه إلا في الليل؟ فأشارت عليهن واحدةٌ: استريحوا يا أخواتي وأنا أجعله لا يفارقنا طرفة عينٍ، فقال لها الجميع: إن فعلت ذلك صرنا لك كلنا عبيداً. فلما حضر الدراج من مسرحه وجلس بينهم تقربت منه السلحفاة المحتالة ودعت له وهنأته بالسلامة وقالت له: يا سيدي، اعلم أن الله قد رزقك منا المحبة وكذلك أودع قلبك محبتنا وصرت لنا في هذا القفر أنيساً، وأحسنُ أوقات المحبين إذا كانوا مجتمعين، والبلاء العظيم في البعد والفراق، ولكنك تتركنا عند طلوع الفجر ولا تعود إلينا إلا عند الغروب، فيصير عندنا وحشةٌ زائدةٌ، وقد شق علينا كثيراً، ونحن في وجدٍ عظيمٍ لهذا السبب. فقال لها الدراج: نعم أنا عندي محبةٌ لكم واشتياقٌ عظيمٌ، ولكن ما بيدي حيلة في ذلك لكوني طيراً ذا أجنحةٍ، فلا يمكنني المقام معكن دائماً لأن هذا ليس من طبعي، فأنا الطير ذو الأجنحة ليس له مستقر إلا في الليل لأجل النوم، وإذا أصبح طار وسرح في أي موضعٍ أعجبه. فقالت له السلحفاة: صدقت، ولكن ذو الأجنحة في غالب الأوقات لا راحة له، لأنه لا يناله من الخير ربع ما يحصل له من المشقة، وغايةُ المقصود للشخص الرفاهية والراحة، ونحن قد جعل الله بيننا وبينك المحبة والألفة ونخشى عليك ممن يصطادك من أعدائك فتهلك ونحرم من رؤية وجهك، فأجابها الدراج قائلاً: صدقت، ولكن ما عندك من الرأي والحيلة في أمري؟ فقالت له: الرأي عندي أن تنتف سواعدك التي تسرع بطيرانك وتقعد عندنا مستريحاً وتأكل من أكلنا وتشرب من شربنا في هذه المسرحة الكثيرة الأشجار اليانعة الأثمار، ونقيم نحن وأنت في هذا الموضع الخصب ويتمتع كل منا بصاحبه. فمال الدراج إلى قولها وقصد الراحة لنفسه، ثم نتف ريشةً واحدةً بعد واحدةٍ حسب ما استحسنه من رأي السلحفاة، واستقر عندهن عائشاً معهن، ورضي باللذة اليسيرة والطرب الزائل.

ابن عرس يفترس الدراج

بينما هم على تلك الحال، إذ مرّ عليه ابن عرس فرمقه بعينيه وتأمله، فرآه مقصوص الجناح لا يستطيع النهوض، فلما رآه على تلك الحالة فرح به فرحاً شديداً وقال في نفسه: إن هذا الدراج سمين اللحم قليل الريش، ثم دنا منه ابن عرس وافترسه، فصاح الدراج وطلب النجدة من السحالف فلم تنجده، بل تباعدن عنه وانكمشن في بعضهن لما رأين ابن عرس قابضاً عليه، وحين رأينه يعذبه خنقهن البكاء عليه. فقال لهن الدراج: هل عندكن شيءٌ غير البكاء؟ فقلن له: يا أخانا، ليس لنا قوةٌ وطاقةٌ ولا حيلةٌ في أمر ابن عرس. فحزن الدراج عند ذلك وقطع الرجاء من حياة نفسه وقال لهن: ليس لكن ذنبٌ، إنما الذنب لي حيث أطعتكن ونتفت أجنحتي التي أطير بها، فأنا استحق الهلاك لمطاوعتي، لكن لا ألومكن في شيءٍ. وأنا الآن لا ألومكن أيتها النساء، بل ألوم نفسي وأؤدبها حيث لم أتذكر أنكن الشهوة التي حصلت لأبينا آدم ولأجلها خرج، ونسيت أنكن أصل كل شرٍ فأطعتكن بجهلي وخطأ رأيي وسوء تدبيري وقتلت وزرائي وحكام مملكتي الذين كانوا نصحاء لي في الأمور وكانوا عدتي وقوتي على كل أمرٍ أهمني، فأنا الآن لا أجد عوضاً عنهم ولا أرى أحداً يقوم مقامهم، وقد وقعت في الهلاك العظيم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

* وإلى اللقاء في حلقة الغد