أخرجت الضغوط الكبيرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو عن صمتهما، أمس الأول، للدفاع عن إقالة المفتش العام لوزارة الخارجية ستيف لينيك، الذي كان يجري وفق الديمقراطيين، تحقيقات عدة يُرجّح أن تكون محرجة بالنسبة لبومبيو.

وأعلن ترامب حول هذه القضية، التي تمس أحد أكثر الأعضاء نفوذاً في حكومته، "لدي الحق كاملاً كرئيس أن أضع حداً لمهام لينيك"، مبدياً بصراحة إرادته "التخلّص" من المفتشين العامين الذين عيّنهم سلفه الديمقراطي باراك أوباما.

Ad

وبدأ الجدل بإقالة ترامب، مساء الجمعة، بطلب من بومبيو، ستيف لينيك، الذي عينه أوباما عام 2013 للإشراف على ميزانية الدبلوماسية الأميركية البالغة 70 مليار دولار، وكان له دور في محاكمة عزله التاريخية، التي بدأها مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية في سبتمبر 2019 وأنهاها مجلس الشيوخ بأغلبية الجمهوريين في فبراير الماضي.

ونددت المعارضة الديمقراطية بالأمر، مشيرةً إلى أن المفتش العام فتح للتو تحقيقاً حول شكاوى تتهم بومبيو بتكليفه موظفاً حكومياً بتنزيه كلبه أو إحضار ثيابه من المصبغة، وحتى القيام بالحجز في المطاعم نيابة عنه.

وكما جرت العادة، كان ترامب مباشراً أكثر في الدفاع عن وزير خارجيته، فقال إنه "رجل لامع، مكلف بمناقشة الحرب والسلام، وربما كان منشغلاً. ربما كان يفاوض زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون حول مسألة الأسلحة النووية، لذا قال لو سمحت، هل يمكن أن تنزه كلبي؟ هل يزعجك ذلك؟".

تحقيق حساس

ومع تزايد سرد الوقائع التي يحقق بشأنها لينيك، الذي يُفترض أن يتمتع بالاستقلالية، لمراقبة تدخل السلطة التنفيذية في وزارة خارجية أول قوة في العالم، قال بومبيو، لصحيفة "واشنطن بوست": "لن أردّ على أي من هذه الادعاءات التي لا أساس لها".

وأكد بومبيو أنه لم يكن على علم بأن تحقيقاً من هذا النوع يستهدفه، قائلاً: "بكل بساطة من غير الممكن أن يكون هذا عملاً انتقامياً، لأني لم أكن على علم بالتحقيق"، متهماً فقط لينيك بأنه "يقوّض" مهمة وزارة الخارجية، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

واعتبرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أنه "ينبغي على الرئيس وقف هذه العادة باتخاذ تدابير مضادة والانتقام من موظفين يعملون لمصلحة سلامة الأميركيين".

وبحسب النائب الديمقراطي إيليوت انجيل، فإن المفتش العام كان على وشك استكمال تحقيق حساس سياسياً يتعلق بإطلاق بومبيو لعملية طوارئ قبل عام سمحت بتجاوز الرئاسة للكونغرس لبيع أسلحة لإحدى دول المنطقة. وندد النواب الديمقراطيون آنذاك بـ"استغلال للسلطة" من جانب ترامب.

وعلى ضوء المعلومات الجديدة، كتبت بيلوسي لترامب، أمس الأول، رسالة أعربت فيها عن "استيائها" من الأمر وطلبت تبرير إقالة المفتش "بالتفصيل".

لكن المعلومات التي تُكشف تسيء إلى صورة وزير الخارجية البالغ 56 عاماً، والذي يرغب في تسليط الضوء على قربه من الأميركيين المعتدلين.

ولا يكفّ بومبيو، الذي يُظهر إرثاً متواضعاً نسبياً مقارنة بعدد كبير من أصحاب الملايين في إدارة ترامب، عن التحدث عن جذوره في كانساس، الولاية الريفية في الغرب الأوسط وهي دائرته الانتخابية.

وتعرّض الوزير لبعض الانتقادات منذ مطلع 2019، لاصطحابه زوجته سوزان بومبيو معه في عدد كبير من رحلاته، في حين لا تمارس أية مهمة رسمية، مرغماً بذلك موظفين حكوميين وعناصر أمن على الاهتمام بها. لكن هذا الجدل لم يتوسّع.

وإذ حافظ المسؤول الكبير في الحكومة الأميركية على ثقة ترامب، إلا أنه فقد ثقة عدد كبير من الموظفين في وزارته، الذين أُصيبوا بصدمة، لعدم دفاعه عن دبلوماسيين وُجهت إليهم إهانات من جانب أوساط ترامب وحتى ترامب نفسه.

أوباما وبايدن

إلى ذلك، أعلن وزير العدل الأميركي بيل بار، أمس الأول، أنّه لا يعتزم في الوقت الراهن إطلاق أيّ ملاحقات بحقّ الرئيس السابق أو نائبه بسبب دورهما في فتح تحقيق بقضية احتمال حصول تواطؤ بين روسيا والحملة الانتخابية لترامب في 2016، مثيراً بذلك سخط رئيسه الذي "فوجئ" بالموقف.

وقال بار، خلال مؤتمر صحافي، إنّ التحقيق الذي فتح في آخر أيام الإدارة السابقة بشأن احتمال حصول تواطؤ بين موسكو والحملة الانتخابية للملياردير الجمهوري، خلال الانتخابات الرئاسية في 2016، شكّل "ظلماً خطيراً" و"لم يكن له أي أساس".

لكنّ الوزير لفت إلى أنّه "مهما كان مستوى تورّط" أوباما وبايدن في فتح هذا التحقيق "فأنا لا أعتقد، بناء على المعلومات المتوافرة لديّ اليوم" أنّهما معرّضان لخطر مواجهة ملاحقات جنائية.

وهذا التحقيق الذي قضّ مضاجع الرئيس الجمهوري طيلة أكثر من عامين انتهى إلى عدم وجود أدلّة كافية على حصول تواطؤ بين موسكو وحملة ترامب الذي لم ينفكّ يوماً يتّهم خصومه الديمقراطيين بتجريد حملة ضدّه بتعاون من مسؤولين في مكتب التحقيقات الفدرالي مناهضين له.

وفي الأيام القليلة الماضية، عاد ترامب لمهاجمة سلفه بسبب هذا التحقيق، متحدّثاً عما وصفه بـ"أوباما غيت"، ومطالباً بمثوله أمام مجلس الشيوخ لمساءلته في هذه القضية. كما طالب ترامب بمحاسبة نائبه بايدن، الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية ضدّه في 3 نوفمبر.

لكنّ وزير العدل الأميركي أعرب عن أسفه لواقع أنّ النظام القضائي في الولايات المتحدة استخدم "كسلاح سياسي" في السنوات الأخيرة، متعهّداً وضع حدّ لهذه "الحلقة المفرغة".

وقال بار، الذي يعتبر أحد أشدّ مؤيّدي ترامب، إنّ "أي تحقيق قد يفتح في المستقبل بحقّ أيّ مرشّح رئاسي يجب أن يحظى بموافقتي".

وسارع الرئيس الأميركي إلى التعبير عن استغرابه لموقف وزير العدل. وقال للصحافيين في البيت الأبيض: "لقد فوجئت لأنّ أوباما وبايدن كانا على اطّلاع بما يجري"، مبدياً أسفه أن يكون القضاء "يكيل بمكيالين". وأضاف: "سواء أكان ذلك جُرماً أم لا، فهو كان بكل الأحوال خطيراً وهناك أناس كثر متورّطون فيه كان يجب أن يدفعوا ثمناً غالياً".