رغم اضطراب أوروبا بسبب انتشار الوباء، يقال إن روسيا اعترضت طائرة تابعة لسلاح البحرية الأميركية فوق البحر الأبيض المتوسط في 19 أبريل، أصدرت الحكومتان الأميركية والروسية بيانات متضاربة حول تلك الحادثة، فأعلنت واشنطن أن الروس حلّقوا بطريقة «غير آمنة وغير احترافية» عند اعتراض طائرة البحرية الأميركية، أما الروس فأنكروا هذا الادعاء وزعموا أنهم كانوا يرافقون تلك الطائرة بكل بساطة.يصعب التوفيق بين تفسير موسكو وسلوك الروس في حادثة منفصلة جرت قبل أسبوع واحد فقط، حين حاولت طائرة روسية القيام بمناورة عالية السرعة على مسافة قريبة من طائرة أميركية أخرى، قد لا تشكّل تلك المناورات الجوية بحد ذاتها مؤشراً تحذيرياً على حصول اعتداء عسكري وشيك، لكنها تثبت أن عدائية روسيا تجاه حلف الناتو والغرب لم تتراجع بعد انتشار فيروس «كوفيد- 19».
لم تدخل البلدان بعد في مرحلة التعافي الاقتصادي من الفيروس، لذا لا يزال الوقت مبكراً لتوقع مدى تغيّر حلف الناتو نتيجة انتشار الوباء، لكن قد تحاول روسيا استغلال تداعيات الأزمة على أعضاء الناتو لإضعاف الحلف والغرب. تكبدت الأنظمة الاقتصادية في أوروبا الغربية خسائر كتلك التي يسببها الكساد الاقتصادي لأن الفيروس انعكس على وضع العمال والصناعات، ولا ننسى حصيلة الوفيات التي وصلت إلى مئات آلاف الضحايا، ولا شك أن الأثر التراكمي لهذه الظروف سيغيّر النفسية الوطنية بشكلٍ دائم.كما حصل خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة والاستفتاء بشأن خطة «بريكست»، تحاول موسكو أن تشكك بأهمية الاتحاد الأوروبي والناتو، ستزيد خطورة هذه الحملات مستقبلاً لأن شعوب البلدان التي سجلت حصيلة وفيات عالية بسبب الفيروس، على غرار إسبانيا وإيطاليا، ستبقى ضعيفة جداً فيما تحاول استيعاب خسائرها الصادمة.قد تصبح الولايات المتحدة بدورها هدفاً أولياً في ظل تصاعد عدد الإصابات والوفيات فيها، إذ سبق أن اعتبر مصدر إعلامي مؤيد للكرملين أن الفيروس سلاح بيولوجي طوّرته الولايات المتحدة ونشرته القوات الأميركية الخاصة في الصين.وبما أن 2020 سيشهد انتخابات أميركية رئاسية، يزيد احتمال أن تستهدف روسيا الولايات المتحدة بحملات التضليل، فيما يتحمّل الأميركيون الشكوك ومشاعر الارتباك المرافقة لاضطراب الاقتصاد وأسلوب الحياة عموماً، ويتجهون في الوقت نفسه إلى إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب أو اختيار مرشّح آخر في نوفمبر المقبل.تشتق هذه الحملات المتزايدة على الأرجح من رغبة موسكو في إلهاء الجميع عن رد الحكومة الروسية الشائب على الوباء. في البداية، استطاعت روسيا أن تتلاعب بأرقام الإصابات والوفيات المؤكدة، فبقيت منخفضة طوال أسابيع مقارنةً بأرقام بلدان مثل إسبانيا وإيطاليا، وبدت الأعداد متدنية جداً في روسيا خلال المرحلة الأولى لدرجة أن المجتمع الدولي اشتبه في أن الحكومة الروسية تخفي الأرقام الحقيقية، لكن نفت منظمة الصحة العالمية والكرملين هذه الادعاءات.قد يبدأ بوتين قريباً البحث عن أي عوامل يستطيع استغلالها، فوفق استطلاع رأي روسي في 29 أبريل تبيّن أن أقل من %30 من المشاركين اعتبروا رئيسهم شخصية جديرة بالثقة، وهي أدنى نسبة تأييد يسجّلها منذ 14 سنة. تُعتبر هذه النسبة متدنية، لكن كان تراجع شعبية بوتين متوقعاً: بدأ الاقتصاد الروسي يتباطأ قبل انتشار الوباء، وبقي تعامل حكومته مع الفيروس باهتاً بعد قرار السلطات في المراحل الأولى إغلاق الحدود الروسية مع الصين وإجراء الفحوصات في المطارات، ومنذ ذلك الحين، نفض بوتين يديه من هذه المسألة ونقل معظم مسؤوليات احتواء الوباء إلى حكام المناطق.من الواضح أن هذه الخطة لم تكن كافية بنظر الكثيرين، وإذا خسر الروس ثقتهم بمؤسساتهم في ظل هذه الظروف المضطربة، فستبرز الحاجة إلى وضع استراتيجيات موثوق بها، وقبل انحسار الفيروس، قد تسعى حكومة بوتين إلى استرجاع جزء من مصداقيتها عبر تكثيف حملات استهداف الضحايا الاعتياديين.* «سارة وايت*»
مقالات
روسيا تستغل فيروس كورونا لإضعاف «الناتو»
20-05-2020