الإقفال التام في زمن «كورونا» لم ينظف الهواء!
يزعم الكثيرون يومياً أن الهواء أصبح أكثر نظافة، وفق هذه الادعاءات، إنها منفعة بسيطة لفيروس كورونا وتدابير الإغلاق الاقتصادي العام الذي رافقه، فمن خلال تقليص حركة السيارات على الطرقات، لا يتلوث الهواء اليوم بالقدر نفسه، مما يطرح مثالاً واضحاً عن المنافع التي يُفترض أن نحصدها عبر فرض المزيد من التنظيمات البيئية.لكن وفق مراقبي نوعية الهواء في «وكالة حماية البيئة»، لم تتراجع مستويات الجسيمات الدقيقة 2.5 اليوم، حتى أنها فاقت حديثاً المتوسط المسجّل في آخر خمس سنوات، تتألف هذه الجسيمات من جزيئات أصغر من 2.5 ميكرون وتشمل مصادر طبيعية مثل الدخان أو ملح البحر، فضلاً عن مصادر تلوث بشرية مثل الاحتراق.لا تركّز التقارير التي تشمل نتائج واعدة على الجسيمات الدقيقة، بل على ثاني أكسيد النيتروجين الذي يرتبط بالقيادة. هي تنشر صوراً التقطتها الأقمار الاصطناعية لإثبات تراجع مستويات ثاني أكسيد النيتروجين كدليل على تحسّن نوعية الهواء، لكن لا يمكن اعتبار هذه الصور طريقة موثوقاً بها لاحتساب مستويات هذا العنصر الملوّث خلال فترة الإقفال التام.
تتعدد العوامل التي تؤثر مع مرور الوقت على نوعية الهواء، لذا لا يكفي أن نحلل الوضع خلال شهر أو شهرين أو نُركّز على عامل واحد دون سواه لاستخلاص استنتاجات صحيحة، قد يعتبر البعض أن زيادة تلوث الهواء على المدى القصير لا تثبت شيئاً، لكنّ هذه الملاحظة لم تمنع الناشطين السياسيين من إطلاق ادعاءات مفادها أن الهواء أصبح أكثر نظافة، مع أنها معلومة خاطئة، حتى أنهم زعموا أن تراجع حركة السيارات أعطت هذه النتيجة الإيجابية، ويجب أن تأخذ الجهود العلمية جميع العوامل بالاعتبار، فهي مسألة ضرورية لثلاثة أسباب: أولاً، شكّل الإقفال الاقتصادي العام تجربة طبيعية مؤلمة لكن مفيدة لاختبار المنافع المحتملة للتنظيمات المرتبطة بنوعية الهواء مستقبلاً، فإذا وعدت أي سياسة بتقليص الجسيمات الدقيقة 2.5 بمعدلات تفوق ما نشهده في الوقت الراهن، في ظل تراجع جذري لحركة السيارات، فيجب أن نشكك بفاعلية تلك السياسة حتماً.ثانياً، يذكّرنا هذا الوضع بأن السياسيين والناشطين لا يراجعون دوماً البيانات الحقيقية رغم تكرارهم كلمة «علم» بطريقة عشوائية في تصريحاتهم، أو ربما ينتقون البيانات التي تفيدهم ويتجاهلون في المقابل الأفكار التي تعارض خطاباتهم. يفترض الناس أنهم يستطيعون استعمال المنطق، لكن يهدف المسار العلمي في الأساس إلى تحديد الحالات التي يتعارض فيها الواقع مع الفرضيات المألوفة، يعني العلم التدقيق بالبيانات، لا سيما حين تتعارض مع أكثر الفرضيات شيوعاً.أخيراً، تعترف معظم الجهات التي تتكلم عن تحسّن نوعية الهواء اليوم بأن تعطيل الاقتصاد ليس نهجاً إيجابياً، فلا بد من تقييم التداعيات الاقتصادية المؤلمة للسياسة البيئية لضمان ازدهار المجتمعات ولحماية البيئة أيضاً، ويجب أن يُنفَق كل دولار مرتبط بالحفاظ على البيئة بطريقة حكيمة لحصد أكبر المنافع البيئية لأن الانهيار الاقتصادي الأخير أثبت للجميع أن تلك المبالغ لن تكون متاحة في جميع الظروف.خلال العقود الخمسة الأخيرة، تحسنت نوعية الهواء بطريقة جذرية في الولايات المتحدة، وتتعلق هذه المنفعة جزئياً بالتنظيمات الحكومية المستجدة، ويجب أن تتابع جميع الجهات المعنية مساعيها لتقليص أثر تلوث الهواء، لكنّ مفعول الإقفال التام الضئيل على الجسيمات الدقيقة يُذكّرنا بأن الهواء نظيف جداً وبات أفضل مما كان عليه في الماضي، وأن زيادة التنظيمات المكلفة لن تعطي إلا منافع محدودة على الأرجح، ولتحديد أفضل الطرق التي تضمن إحراز تقدم إضافي في هذا الإطار، يجب أن نراجع البيانات المتاحة بدقة بدل أن ترتكز جهودنا على فرضيات مُضلِّلة.* «تود مايرز »