على وقع هجوم هو الأول من نوعه في محيط السفارة الأميركية منذ تولي رئيس الحكومة العراقية الجديد مصطفى الكاظمي مهام منصبه، أطلقت البحرية الأميركية تنبيهاً لنظيرتها الإيرانية، دون ذكرها مباشرة، بالبقاء بعيداً 100 متر عن سفنها الحربية، وإلا ربما "تفسر على أنها تهديد، وتواجه إجراءات دفاعية قانونية".وقالت القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، التي تتولى قيادة مهمة حماية الملاحة في الخليج "سنتينال" ومقرها البحرين، في بيان مساء أمس الأول، إن الهدف من الإشعار "تعزيز السلامة وتقليل الغموض والحد من مخاطر سوء التقدير".
ورغم أن مسؤول أميركي ذكر، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن الإشعار الجديد ليس تغييراً في قواعد الاشتباك الخاصة بالجيش الأميركي، لكن الإنذار يأتي في حين تلوح بوادر احتكاك بحري آخر في منطقة الكاريبي بين واشنطن وطهران على خلفية إرسال الأخيرة شحنة بنزين على متن ناقلة إيرانية لمساعدة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو غير المعترف به من الغرب للتغلب على أزمة نقص حادة بالمحروقات تشهدها البلاد.ويأتي الإشعار في أعقاب حادث وقع في أبريل الماضي حيث اقتربت 11 سفينة إيرانية من سفن البحرية وقوات خفر السواحل الأميركية في الخليج لمسافة تسعة أمتار، وهو ما وصفه الجيش الأميركي بالسلوك "الخطير والاستفزازي".وعقب الحادث وجهه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديداً لطهران وأصدر تعليمات للبحرية الأميركية بإطلاق النار وتدمير أي سفن إيرانية تتحرش بسفنها.
رد إيراني
وبعد التحذير الأميركي، أكدت الجمهورية الإسلامية أن البحرية الإيرانية ستواصل مهامها الاعتيادية في الخليج وخليج عمان وفقاً للمبادئ كما كان الوضع في الماضي. وشدد وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي على أن أي تعرض أميركي لناقلات النفط الإيرانية "لن يبقى دون رد".وقال حاتمي، في تصريحات أمس: "إن الرد على أي استفزازات أميركية بحرية سيكون صارماً وحاسماً".صاروخ العراق
جاء ذلك، غداة سقوط أول صاروخ على السفارة الأميركية في بغداد في عهد رئيس الحكومة الجديد مصطفى الكاظمي. وألمحت كتائب "حزب الله العراق" التي انفردت برفض الكاظمي إلى مسؤوليتها عن الصاروخ بنشرها صوراً على محطتها في تلغرام لعناصر مسلحة، مع تعليق أن السلاح هو اللغة الوحيدة مع الاحتلال في إشارة إلى الوجود الأميركي.خفض التوتر
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت أمس، تقريراً تحدثت فيه عن تخفيف إيران نهجها تجاه الولايات المتحدة، وانتقالها من سياسة الاستفزاز إلى سياسة تعاون محدود، في خطوة تعكس محاولة لتجنب المواجهة المباشرة مع واشنطن التي يقول الإيرانيون، إنها قد تفيد الرئيس دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر المقبل.وأشار التقرير إلى أن التحول يتضح في العراق، حيث دعمت طهران مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الموالي لأميركا وأمرت ميليشياتها الوكيلة بوقف هجماتها الصاروخية على القوات الأميركية.وفي حين أن الأميركيين يرفضون الإقرار علانية بأي تغيير في الموقف الإيراني، فقد ردوا بهدوء بطرق متواضعة وغير مباشرة مثل منح الحكومة العراقية إعفاء أطول من الإعفاء المعتاد كي تتمكن من شراء الغاز الإيراني، مما يمنح طهران أموالاً تشتد الحاجة إليها.ويمثل كل هذا انفراجاً أولياً، حتى لو لم يستمر أو أدى إلى إنهاء الأعمال العدائية بين طهران وواشنطن، لكنه خفض بالفعل درجة سخونة العلاقة، مما قلل من خطر الصراع المفتوح.ويقول محللون، إن التحول الإيراني، يبدو تكتيكياً، مشيرين إلى أن البلاد لا تزال تعارض بشدة طلب ترامب إعادة التفاوض على الاتفاق النووي وأنها لم تتراجع عن هدفها المتمثل في إخراج القوات الأميركية من الشرق الأوسط. وعلناً، لا يزال كلا البلدين متورطين في الحرب الكلامية.في أبريل، جاء إسماعيل قآني، الذي حل محل سليماني، إلى بغداد برسالة واضحة. وصرح لكبار القادة السياسيين العراقيين بأن طهران كانت منزعجة من الفوضى الاقتصادية في العراق وأن ذلك سيصبح عبئاً على بلاده وهو ما لا يمكن الاستمرار فيه.وبالإضافة إلى العراق، تواصلت إيران مع الولايات المتحدة في أبريل لفتح مفاوضات لتبادل الأسرى، وعرضت الإفراج عن جندي مخضرم تابع للبحرية الأميركية تحتجزه مقابل طبيب إيراني أميركي محتجز في واشنطن.يشير دبلوماسيون ومسؤولون ومحللون إلى مجموعة من أسباب التغيير، بما في ذلك الخوف من الحرب مع الولايات المتحدة. وأشاروا إلى أن الجمهورية الإسلامية تجاوزت حدود قدرتها بسبب مكافحة وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية واضطرابات داخلية وتحتاج إلى تقليص أنشطتها.الجدير بالذكر أن "الجريدة" ذكرت في تقريرين سابقين، نقلاً عن مصادر إيرانية مطلعة، أن المرشد الإيراني علي خامنئي وافق على تخفيف حدة التوتر مع واشنطن من خلال مبدأ "خطوة خطوة"، وأن موافقة طهران على تمرير الكاظمي قابلتها واشنطن بسحب تعزيزات من السعودية كانت استقدمتها بعد اغتيال سليماني.أوضحت المصادر في تقرير نشرته "الجريدة" في عددها يوم الجمعة الماضي أن قائد "فيلق القدس" إسماعيل قآني اعتمد تكتيكات جديدة مختلفة عن سلفه أربكت الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية خصوصاً في العراق، إذ رفضت فصائل موالية لطهران التقييد بتوجيهاته.إشتباك حدودي
إلى ذلك، أعلن "الحرس الثوري" اﻹيراني أن قواته دخلت في اشتباك مسلح مع مجموعة كردية مسلحة مكونة من ثمانية أفراد في مريوان بمحافظة كردستان الحدودية مع العراق وقتلت "اثنين منهم وأصابت أربعة آخرين".وقبل أسبوعين، قُتل عقيد وضابطان خلال اشتباك بين قوات "الحرس" وأعضاء جماعة مسلحة مجهولة الهوية، في ديواندرة غربي البلاد، فيما ذكر مراسل "الجريدة" نقلاً عن مصادر مطلعة أن "الحرس الثوري" يحضر لشن هجوم على مواقع كردية داخل كردستان العراق قريباً رداً على اغتيال العقيد.