يدور في مجتمع الأعمال خلال الأيام القليلة الماضية حديث واسع عما يعرف بـ «عودة الأنشطة» بعد انتهاء الموعد المحدد لحظر التجول الشامل نهاية الشهر الجاري ما لم يتم تجديده وفقاً لظروف انتشار فيروس كورونا في الكويت.وتبدو عملية فتح الاقتصاد في العديد من الدول أصعب حتى من قرار الإغلاق، لا في الكويت فقط بل في العديد من دول العالم، إذ يحتاج متخذ القرار إلى مجموعة من الأرقام والإحصاءات والأسئلة حول مدى درجة السيطرة على انتشار الفيروس، وإلى أي حد يمكن أن يؤدي قرار الفتح إلى حدوث موجة ثانية من المرض، وهل يمكن للاقتصاد أن يستمر مغلقاً كاملاً أو جزئياً مدة طويلة؟ وما الأولويات التي يجب أن يشملها قرار تخفيف قيود الإغلاق؟ وهل الأولوية صحة المجتمع أم أرباح شركاته؟ أم يمكن العمل كي لا تتعارض صحة الناس مع مصالحها؟
كانتونات مكتظة
في الكويت ورغم مرور أكثر من شهرين على فرض الحظر الجزئي للتجول و10 أيام على الحظر الكلي الشامل لا نزال في حالة عدم يقين بشأن ما إذا كنا قد وصلنا ذروة تفشي الفيروس أم لا... ولا حتى مدى توفر مستلزمات الوقاية البسيطة كالكمامات في الأسواق، والأهم من ذلك درجة اليقين بالسيطرة على بؤر التفشي في مناطق العمالة المتكدسة، وأبرزها جليب الشيوخ والمهبولة، اللتان خضعتا لإغلاق تام منذ نحو شهرين في دولة تشهد فاضحاً في التركيبة السكانية، وتشبه في موضوع عمالتها المتكدسة دولة أخرى هي سنغافورة التي قدمت نموذجاً طبياً ووقائياً عالي المهنية في التصدي لانتشار الفيروس، ولكن حدثت الموجة الثانية فيها بسبب وجود كانتونات سكانية مكتظة للعمالة الوافدة من الهند وبنغلادش أدت إلى انتشار المرض مجدداً، وبأرقام تتجاوز يومياً ألف حالة لدولة عدد سكانها نحو 6 ملايين نسمة.مصاعب العودة
ولعل الحديث عن الموجة الثانية من انتشار الفيروس يدعو لدرجة معينة من التروي قبل التسرع في فتح الانشطة او الاقتصاد ومعرفة اولويات العودة مجددا للحياة الطبيعية، فرغم قيود التباعد الاجتماعي والاشتراطات الصحية الصارمة قررت السلطات الفرنسية إغلاق بعض المدارس بعد أقل من أسبوع من فتحها، إثر ظهور نحو 70 حالة إصابة بكورونا فيها، حيث عرضت العودة بعض الأطفال لخطر العدوى، كما اخضعت الصين سكان مدينة ووهان - بؤرة تفشي الفيروس البالغ عددهم نحو 11 مليونا هذا الاسبوع ـــ حاليا لفحص جماعي للفيروس خوفا من حدوث موجة ثانية للوباء بعد رصد حالات جديدة بعد عودة الحياة إلى طبيعتها منذ أسابيع.مخالفو الإقامة
وبالعودة للكويت، فأي حديث عن عودة الاعمال لا معنى له قبل تفكيك بؤر انتشار الفيروس في مناطق العمالة الهامشية والتي فشلت اجهزة الدولة في حملتها لإجلاء مخالفي الاقامة منهم دون غرامات اذ تقدم فقط نحو 21 ألف مخالف من اصل 167 ألفاً أي حوالي 12.5 في المئة من اجمالي المخالفين، وهم الفئة الاكثر فقراً مقارنة حتى بنظرائهم من العمالة الهامشية، ويعيشون ضمن ادنى مستويات الظروف الصحية والمعيشية وهم يعتبرون بؤرة انتشار متنقلة للمرض في حال فتح الانشطة مجددا. لذلك على الدولة وبالتعاون مع الشركات العمل على إعادة تأهيل هذه العمالة في مراكز ايواء مؤقتة مع الاعتراف بأن المعالجة المثالية لتراخٍ سنوات طويلة هي امر ربما لا يحقق كل اهدافه خصوصا في الوقت الذي يتطلب اتخاذ قرار سريع.المنظومة الصحية
كذلك من المهم قبل الحديث عن عودة الانشطة رفع استعداد المنظومة الصحية لتستوعب أي تصاعد محتمل في اعداد الاصابات بعد عودة الانشطة خصوصا بين كبار السن وأصحاب الامراض المزمنة، لانه من المتوقع حدوث تراخ او انفلات في التعامل مع الوضع الجديد بعد عودة العمل مما سيترتب عليه ربما موجة ثانية من الانتشار او على الاقل ارتفاع لعدد الاصابات مجددا وهذا يمكن ان يزيد الارهاق على الفرق الطبية التي تعاني اصلا الضغط خلال ثلاثة اشهر ماضية.أولويات العودة
من المهم أيضا معرفة أولويات عودة الأنشطة، فلا يمكن مساواة تشغيل بنك او شركة كبيرة مع عودة افتتاح مجمعات أو مطاعم بل تقسيم مختلف الأنشطة وفق قرارات السلطات الصحة إلى مستويات من المخاطر المرتفعة إلى المنخفضة والتمييز بين الضرورية وغير الضرورية منها، ضمن إطار ومدد زمنية تتوخى فيها الأولوية لصحة المجتمع والاهتمام بمصالحه الضرورية، فضلاً عن فرض قواعد التباعد الجسدي في أي منشأة بأعداد محدودة من العاملين والتشجيع على تقديم الخدمات الإلكترونية للعملاء، إلى جانب التعامل بجدية في الفترة المقبلة مع أكثر أولوية تم اهمالها وهي التعليم عن بعد خصوصا مع قرب موعد عودة المدارس، إذ لم تفلح منظومة التعليم التي تستنزف حوالي ملياري دينار كويتي سنويا في تقديم ساعة واحدة من التعليم الالكتروني لطلاب المدارس والجامعات مع ان ملف التعليم هو أهم ما يجب العمل عليه في الفترة القادمة.