تعلقت نجاة بالسينما منذ طفولتها، وظهرت في فيلم «هدية» للمخرج محمود ذوالفقار، و«الكل يغني» للمخرج عزالدين ذوالفقار عام 1947، وانطلقت كنجمة متألقة على الشاشة وتأرجحت موهبتها بين التمثيل والغناء، ولكن إخفاق تجاربها السينمائية الأولى أصابها بالخوف الشديد من التمثيل في الأفلام الكوميدية، لقناعتها أن تركيبتها النفسية تميل إلى التراجيديا، وشملتها انتقادات حادة على أدائها التمثيلي في فيلمي «محسوب العائلة» 1950 و«بنت البلد» 1954.ولم تكن نجاة حالة استثنائية بين مطربات الأربعينيات والخمسينيات، لاسيما أن مكانهن الطبيعي في الحفلات الغنائية واستديوهات تسجيل الأغاني، ومعظمهن كانت تجاربهن كممثلات ليست بحجم موهبتهن في الغناء، باستثناء بعضهن مثل المطربة شادية، التي تعد تجربتها في الأداء التمثيلي على قدر كبير من الاحترافية، حتى أنها ظهرت في بعض أفلامها كممثلة فقط، منها فيلم «الطريق» 1964 للمخرج حسام الدين مصطفى، و«الهارب» 1974 للمخرج كمال الشيخ.
وربما رغبت نجاة أن تصل إلى تلك الاحترافية كممثلة، حتى أنها كانت تقسو على نفسها، وترجع إخفاقها لعدم قدرتها على الأداء المطلوب. واعتبر النقاد أن نجاة ظلمت في أفلامها الأولى، لأن المخرجين تعاملوا معها كمطربة صغيرة تجيد الغناء، حتى أن الصحف الفنية في عام 1958، وجهت انتقادات للمخرج أحمد بدرخان لأنه لم يدرب بطلته على التمثيل، وربما أنقذ هذا الشريط السينمائي، نجاح الأغنيات التي قدمتها نجاة مثل «أما غريبة» للشاعر مرسي جميل عزيز وألحان كمال الطويل، و«عيد ميلادك» للشاعر أحمد رامي وألحان رياض السنباطي.
10 أفلام فقط
وفي هذا الفيلم، ظهرت نجاة كفتاة ناضجة وليست طفلة صغيرة، وشاركت في بطولة «غريبة» أمام أحمد مظهر وأحمد رمزي وعماد حمدي، وجسدت شخصية «منى» الابنة الوحيدة لأب حريص على عدم الزواج إكراماً لها، وبعدما طلَّق أمها التي تزوجت من رجل مرموق، سافرت الفتاة لتعيش مع أمها، وانتهز والدها الفرصة ليتزوج من امرأة أخرى، إلى آخر الأحداث.ورغم سعادة نجاة بهذا الفيلم، فإنه لم يحقق نجاحاً جماهيرياً، ولكن نجاح الأغنيات فاق كل التوقعات، لاسيما لحن «أما غريبة»، حتى أن جمهور الحفلات كان يطلبه منها تحديداً، ولكن مؤشرات إيرادات «غريبة» باعدت بين المطربة الرقيقة ودخول «البلاتوه السينمائي» حتى أنها هددت باعتزال التمثيل، إذا لم تثبت أنها ممثلة جيدة.ورغم ازدحام المشهد السينمائي بالكثير من المطربات ونجمات التمثيل، ظلت نجاة مصدر اهتمام لصناع الأفلام من منتجين ومخرجين وكتاب سيناريو، ولكن «رهاب التمثيل» جعل ظهورها على الشاشة أقل بكثير من زميلاتها المطربات، وبينما مثلت شادية أكثر من 110 أفلام، فإن رصيد نجاة لا يتجاوز عشرة أفلام.عقدة السينما
وتحدثت نجاة عن تجارب أفلامها الأولى، وقالت في حوار أجرته معها مجلة «الجيل» في عددها الصادر يوم 4 أبريل 1957: «عندي عقدة من السينما، فقد فشلت في أول فيلم قمت فيه بدور البطولة، وهو (بنت البلد) ولم يكن الدور مناسباً لشخصيتي، فقد كان من النوع الكوميدي، وكان بطله إسماعيل ياسين، وأنا بطبيعتي أميل إلى تمثيل التراجيديا، وصوتي نفسه فيه رنة حزن، وكنت أتصنع وأبالغ في تقديم المواقف المضحكة، ولهذا فشلت، ونتج عن فشلي أنني أصبحت أخشى الوقوف أمام الكاميرا مع أنني لا أشعر بذرة من الخوف وأنا أواجه آلاف المستمعين على المسرح».وتابعت: «معظم المنتجين والمخرجين الذين طلبوا مني العمل في السينما، فعلوا ذلك لأنني مطربة ناجحة، لا لأنني ممثلة موهوبة، وأنا لا أحب أن أقدم للناس تمثيلاً هزيلاً تُحشر فيه مجموعة من الأغنيات من الممكن أن أقدمها لهم في الإذاعة، أنا أريد إذا مثلت أن يكون مستوى تمثيلي في نفس مستوى غنائي، وأن يكون الغناء عنصراً أصيلاً في الفيلم، وأن تكون القصة جديدة محبوكة، وأن يتركني المخرج أتحرك في بساطة وبلا مبالغة أو تمثيل».«الشموع السوداء»
وفي عام 1962، وجدت نجاة ضالتها في فيلم «الشموع السوداء»، الذي يعد من أنضج تجاربها السينمائية، وفيلمها الثاني مع المخرج عزالدين ذوالفقار بعد 15 عاماً على «الكل يغني»، ودخلت إلى قلوب الجماهير بدور مغاير لأفلامها الأولى، وباتت أكثر نضجاً في مواجهة الكاميرا، وبدا تعبيرها بانفعالات هادئة من دون مبالغة، بخلاف تناغم عناصر الفيلم، لتحقق أول نجاح جماهيري كممثلة، وجاءت الأغنيات في سياق دراما الأحداث، مما جعل هذا الشريط السينمائي من أهم كلاسيكيات السينما المصرية.ودارت في كواليس «الشموع السوداء» لقاءات طويلة بين ذوالفقار وأبطال الفيلم، لاسيما أن نجاة قرأت السيناريو، واقتنعت بدورها، وقالت للمخرج إنها تتمنى أن يكون هذا الفيلم بداية سينمائية جديدة لها، مما جعله يشعر بمسؤولية مضاعفة، لا سيما أنه كان تحت تأثير نجاح فيلمه السابق «شارع الحب» 1958 بطولة عبدالحليم حافظ، فقام بتدريبها على أداء الدور، وكيف تتكلم وتتحرك بطبيعية أمام الكاميرا.وأراد ذوالفقار أن يحقِّق الجماهيرية للفيلم، فأسند دور البطولة أمام نجاة لنجم الكرة في الستينيات صالح سليم، واستطاع الأخير بملامحه الجادة، أن يجسد دور الشاعر الذي فقد بصره، إثر صدمة عاطفية أفقدته الرغبة في الحياة، وتحاول ممرضته «إيمان» أن تساعده على تجاوز أزمته النفسية.القاهرة في الليل
واشتهر المخرج محمد سالم في الستينيات بلقب «مخرج المنوعات»، فهو مؤسس فرقة ثلاثي أضواء المسرح «سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد»، واستطاع أن يقنع كوكبة من نجوم الغناء بالمشاركة في فيلمه الأول «منتهى الفرح» عام 1963، وظهر في هذا الشريط السينمائي الموسيقار محمد عبدالوهاب والموسيقار فريد الأطرش، والمطرب المغربي عبدالوهاب الدوكالي، والمطربات صباح وشادية وفايزة أحمد ومها صبري، ومن نجوم السينما حسن يوسف ومحمد رضا وأمين الهنيدي. وفي العام ذاته، قدَّم سالم فيلمه الثاني «القاهرة في الليل» وظهرت نجاة مع فايزة أحمد ومها صبري ونجوى فؤاد ونادية لطفي وفؤاد المهندس، ودارت فكرة الفيلم حول رغبة ثلاثي أضواء المسرح «الضيف وسمير وجورج» في مقابلة الشحرورة صباح، لكن انشغالها يجعلها تؤجل المقابلة، وفي أثناء وجودهم بمبنى التلفزيون يقومون بالعديد من المغامرات الكوميدية، ويقابلون المطربات شادية ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ومها صبري، خلال أداء كل منهن لفقرتها الفنية. وبدت تجربة «القاهرة في الليل» بمنزلة نزهة سينمائية لنجاة، لاسيما أنها تظهر بشخصيتها الحقيقية، ولا تحتاج إلى «بروفات»، ويحسب للمخرج محمد سالم أنه استطاع أن يقنع هؤلاء النجوم للظهور في فيلميه، ولم يعتمد على الدراما، بل مجموعة من الأغنيات والاستعراضات، تتخللها مشاهد تمثيلية بسيطة، ووقتها كانت تجربة جديدة على السينما المصرية، مما أسهم في النجاح الجماهيري أثناء عرضهما في دور السينما.شاطئ المرح
وبعد مرور أربع سنوات، عرض المخرج حسام الدين مصطفى على نجاة التمثيل في فيلم «شاطئ المرح»، أمام حسن يوسف وعبدالمنعم مدبولي ويوسف فخرالدين وثلاثي أضواء المسرح وميمي شكيب وعدلي كاسب، وفي البداية تخوفت من المشاركة في تجربة كوميدية، خصوصاً أن شخصية «نورا» تختلف تماماً عن «إيمان» في «الشموع السوداء”.وتدور أحداث الفيلم حول الفتاة «نورا» التي تقوم برحلة إلى مدينة الإسماعيلية (شمال شرقي القاهرة) مع صديقاتها، ويُكلف والدها منصور الشاب حسام ابن أحد أصدقائه بمراقبة ابنته نورا، وتحدث بعض المفارقات الكوميدية، وتقع نورا في حب حسام، ويبادلها نفس المشاعر، إلا أنها تعلم بمهمته، وأن ما بينهما كان وظيفة يؤديها بأمانة، فتوافق على خطبتها لشاب عاطل انتقاماً من حسام، ولكنها لم تستطع أن تقاوم مشاعرها، في الوقت ذاته لا يكف حسام عن محاولاته في إقناعها بحبه الصادق فيعود الوصال والوفاق بينهما.واستطاع المخرج أن يقنعها بالمشاركة في «شاطئ المرح»، وبذل جهداً في تدريبها على الأداء بين كوكبة من نجوم الكوميديا، وقدّمت ثلاث أغنيات من تأليف الشاعر حسين السيد وألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب»، هي: «آه لو تعرف» و«القريب منك بعيد» و«ع اليادي»، مما أسهم في نجاح الفيلم، وارتفاع رصيد الأغاني التي شدت بها من ألحان موسيقار الأجيال.وشهدت كواليس «شاطئ المرح» تقارباً ملحوظاً بين المخرج حسام الدين مصطفى وبطلة الفيلم، وانتهت بزواجهما عدة أشهر، وكانت الزيجة الأخيرة لنجاة، وبعدها كرّست اهتمامها بابنها «وليد» ونشاطها الفني، وكان تألقها خلال عقد الستينيات، رافداً لنجاحات لاحقة، وظلت تبحث دوماً عن القصائد والألحان الجيدة، والدخول في مغامرات فنية غير مسبوقة.مكتشف النجوم
وكانت نجاة على موعد مع مكتشف النجوم المنتج رمسيس نجيب، ووقتها أراد أن يكرّر نجاح فيلم «الزوجة 13»، الذي قام ببطولته رشدي أباظة وشادية وشويكار وعبدالمنعم إبراهيم وحسن فايق، وطلب من المخرج فطين عبدالوهاب البحث عن سيناريو لفيلم جديد، ورشح نجاة لبطولته مع حسن يوسف وأمين الهنيدي وعادل إمام ويوسف فخرالدين.وحمل «7 أيام في الجنة» الكثير من المفاجآت، فقد أعلن رمسيس نجيب دعوته الأخوين رحباني لتلحين أغنية لنجاة، وكانت «دوارين في الشوارع» أول تعاون فني بينهم، والمفاجأة الثانية تلحين الموسيقار محمد عبدالوهاب أغنية «إلا أنت» و«مرسال الهوى» تأليف الشاعر حسين السيد، والثالثة «ليلة من الليالي» من ألحان بليع حمدي، ورغم أن الفيلم أبيض وأسود، تم عمل فصل كامل بالألوان لأغنية «مرسال الهوى».في عيد ميلاد مخرج «الشموع»... حضر عبدالحليم وغابت نجاة
عندما بدأ تصوير فيلم «الشموع السوداء» نشرت المجلات الفنية، آنذاك، صورة للمطرب عبدالحليم حافظ أثناء زيارته استديو تصوير الفيلم، والاحتفال مع فريق العمل بعيد ميلاد المخرج عزالدين ذوالفقار، وأحضر العندليب معه تورتة مرسوم عليها مجسم لصالح سليم يسدد الكرة، وصورة لنجاة وهي تغني، والمفارقة أن بطلي الفيلم لا يظهران في الصورة، بينما تواجد الفنان فؤاد المهندس وملك الجمل وصلاح سرحان.ولا تزال الصورة تثير التساؤلات حول غياب نجاة عن حفل عيد ميلاد المخرج، وهل كان حضور العندليب سببا لاختفائها، وقيل إن بطلة «الشموع السوداء» كانت الوحيدة التي تمثل وتغني في الفيلم، وبذلك يتوزع وقتها بين تصوير المشاهد وتسجيل الأغنيات، ولاحقاً نشبت الأزمة الشهيرة بين نجاة وحليم لغناء الأخير «لا تكذبي» من دون استئذانها، ورفضت اعتذاره، وظلت العلاقة بينهما متوترة، ولا تخلو من مناوشات وتعليقات العندليب، ولم تتحقق رغبته في أن يجمعهما عمل سينمائي مشترك.مقطع من أغنية «إلا إنتَ»إلا إنتفيها إيه الدنيا ديه... إلا إنت؟كل غالي يهون عليّ... إلا إنتوابتساماتي وآهاتي منك إنت...واللي حبيته في حياتي هو إنتفيها إيه الدنيا إلا إنت؟***طول مانتَ جنبي روحي وقلبيفي دنيا تانية ملهاش وجودوإن غبت عني... أحس إني لا ليا دنيا ولا وجودإيه حياتي كلها من غيرك إنت؟ذكرياتي فيها إيه حلو إلا إنت؟البقية في الحلقة المقبلة