أكد عدد من الخبراء الاقتصاديين أن قانون الدين العام يعتبر ضرورة اقتصادية في ظل هذه الظروف ولمواجهة أزمة السيولة، ولكن بمجموعة من الضوابط التي على الحكومة أن تبدأ بها فوراً، تتعلق بالشفافية وتحديد أوجه الصرف وتوجيهه إلى الإنفاق الاستثماري، مع إعادة النظر في إنفاق الميزانية العامة للدولة، وتفادياً لأي مشكلات قد تصدر مستقبلاً من تخفيض التصنيف الائتماني وتخفيض سعر الدينار.

جاء ذلك خلال ندوة التحديات الاقتصادية ومستقبل وطن التي أقامتها الجمعية الاقتصادية الكويتية في 18 الجاري بمشاركة أكثر من 160 شخصية اقتصادية، وأدارها المبادر والإعلامي عبدالله بوفتين الذي أشار في مقدمتها إلى أن ترشيد الإنفاق الحكومي وتقليل الاعتماد على النفط والبحث عن بدائل لعجز الميزانية أمور تمثل أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه مستقبل هذا الوطن في الفترة المقبلة، مؤكداً أن الحل المطروح على الطاولة هو "الدين العام"، ولكن عند طرح الموضوع انقسم الشارع بين مؤيد ومعارض ولا تفاصيل من الجانب الحكومي حتى الآن.

Ad

تحديات كبيرة

من جانبه، أشار رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية مهند الصانع إلى وجود تحديات كبيرة واجهت الكويت أخيراً تتمثل في انخفاض الإيرادات النفطية وتآكل الاحتياطيات المالية وعدم القدرة على إيجاد بدائل للدخل، الأمر الذي سيعمل على تخفيض التصنيف الائتماني لدولة الكويت، وهو ما حدث في الفترة الأخيرة بالفعل، "وعلينا عدم الانتظار حتى لا تحدث أخطار أخرى ومنها تخفيض سعر صرف الدينار".

وأفاد الصانع بأن الإدارة الحكومية السابقة لم تتمكن خلال السنوات الثلاث الماضية من وضع الحجة وإقناع مجلس الامة لتمرير مشروع قانون الدين العام المنتهي صلاحيته عام 2017، ولم تعطه الأولوية القصوى وفوتت على نفسها فرصة ثمينة تمكنها من تمرير القانون، خصوصا مع وجود ملاحظات سابقة لديوان المحاسبة بعدم وجود دراسة فنية متخصصة للمشروع والتي استندت اليها الجمعية الاقتصادية في بياناتها السابقة، إلى أن "وقعنا في المحظور في ظروف وتحديات اقتصادية صعبة".

وقال: نظرا للمتغيرات الاقتصادية والتحديات التي تواجه الوضع المالي وعدم توافر البدائل التمويلية، يعتبر مشروع قانون الدين العام اقتصاديا أمراً ضرورياً جداً لمواجهة مشكلة السيولة وعدم السحب من الاحتياطيات، ولكن يجب ان تكون هناك مجموعة من المرتكزات قبل التوجه الى هذا الحق، وعلى الإدارة الحكومية عدم تفويت الفرصة الثالثة، وهي كالتالي:

1- تحصيل مستحقات الدولة من الأرباح المحتجزة في المؤسسات.

2- خطة طويلة الأجل للتعامل مع العجوزات المالية وترشيد الإنفاق وتقليل المصروفات.

3- ربط الاقتراض بنسبة الناتج المحلي ولا تتعدى ٥٠ في المئة لتحقيق الأمان المالي.

4- توجيه الاقتراض للإنفاق الاستثماري.

5- خطة سداد واضحة.

‎وعما يتعلق بتقييم تطبيق الحزمة الاقتصادية، قال الصانع: "نحن الآن في الشهر الثالث ويمكننا القول ان التعامل الحكومي والتشريعي بخلاف دور البنك المركزي مع الأزمة دون مستوى الطموح"،

‎مشيراً إلى عدم صرف أي دعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة حتى الآن مما ينذر بنتائج قاسية بشأنها.

‎وذكر أن الحل ليس بتقديم تمويل ميسر فقط من خلال البنوك، بل يجب أن يتعداه ليكون حلا شاملا ومتكاملا حتى تستفيد منه قطاعات عديدة تستحق الدعم، ليشمل تنظيم العلاقة ما بين أرباب العمل والعاملين بتلك المشروعات خلال هذه الفترة الاستثنائية مع وضع آلية لضمان حقوق الموظف الكويتي لتحقيق العدالة بينه وبين نظيره المواطن في القطاع العام، كما يجب تقديم معادلة تشريعية قانونية لأزمة الإيجارات تضمن عدم إخلاء العين المستأجرة وتقسيط الإيجارات حتى لا يتم إرهاق المحاكم بآلاف القضايا، وتخفيض رسوم الكهرباء والماء على ملاك العقار الذين ساهموا بتخفيض الأجرة على المستأجرين.

ودعا الصانع إلى ضرورة أن تقوم الحكومة بالإفراج عن المبالغ المحتجزة لديها للموردين والمتعاملين معها من الشركات الكويتية، وذلك بعد أن وصلت تلك المبالغ إلى أكثر من مليار دينار، لاسيما أن الدورة المستندية هي السبب وراء ذلك التعطيل لهذه المبالغ التي من شأنها أن تنعش الاقتصاد المحلي فيما لو أعيد تدويرها مرة أخرى.

وأكد ان الهدف الأساسي اليوم هو المحافظة على دور القطاع الخاص والعاملين فيه بكل شرائحه من المتناهية الصغر الى الكبيرة، وتنمية مساهمته في الناتج المحلي، والعمل على مضاعفته بدلًا من تقليل دوره.

وأكد رئيس قسم الاقتصاد في جريدة "الجريدة" محمد البغلي أن ما يُوجّه للشركات يجب أن يكون بقدر حاجة الاقتصاد والمنفعة التي تعود على الدولة.

وقال البغلي، "إنه لا بد من وجود خطة لتحفيز الاقتصاد، على أن يتم فرز الشركات وتحديد المستحق منها، وألا يتم توجيه التحفيز لغير المستحقين، خصوصاً أن بعض الشركات، ومنها في المشروعات الصغيرة، تمثل في حقيقتها عبئاً على الاقتصاد لأنها لا توفر فرصاً للعمالة الوطنية، بل تغرق السوق بعمالة غير ضرورية".

وعن قانون الدين العام، أوضح أن الدين العام موجود في جميع أنحاء العالم، ويتم اللجوء إليه من الدول للصرف على تحفيز الاقتصاد والمشاريع وتهيئة المناخ الاستثماري فيها، لافتاً إلى أن هناك دولاً استهانت بالدين العام وصرفته على أوجه غير صحيحة، كاليونان وفنزويلا ولبنان، مما أدى إلى نتائج مدمرة في هذه الدول، وهذا يستوجب أن تعلن الحكومة خطة صارمة موازية لقانون الدين العام تضمن حوكمة الأداء والإنفاق عبر مجموعة محددات هي: 1- أن يتواكب القانون مع إصدار الحكومة تعهداً صريحاً وبرنامجاً حكومياً لإنفاق مليارات الدين العام والإعلان عنه بشكل شهري أو ربع سنوي (برامج إفصاح زمنية).

2- الأفضل من توريد الأرباح المحتجزة أن تستدين الحكومة من الجهات المستقلة مثل مؤسسة البترول الكويتية، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، التي تتوافر لديها سيولة ثم تتوجه إلى البنوك المحلية، كي تقلل من حزمة المخاطر.

3- الأخذ بعين الاعتبار إعادة النظر في إنفاق الميزانية العامة للدولة والتخلي عن أوجه الهدر الصريحة في الميزانية.

4 - احتساب حصة من أرباح الاستثمارات السيادية للدولة ضمن الإيرادات العامة، حتى ولو كانت لفترة زمنية تتعلق بفترات سداد الدين العام.

وأكد البغلي وجود هدر صارخ في الميزانية يمكن القضاء عليه بسهولة، ويقدر بـ 1.4 مليار دينار يتم صرفها تحت مسمى بنود خاصة ومكافآت وأنشطة مختلفة ومؤتمرات ومهمات رسمية وعلاج بالخارج وتأمين للمتقاعدين في دول أصلاً توفر العلاج المجاني لمواطنيها!

وقال إن فيروس كورونا "كشف لنا مجموعة من أخطاء الفترة الماضية، مثل اختلالات التركيبة السكانية، وعدم تنمية المخزون الغذائي، والانفلات في استنزاف الاحتياطي العام، وضعف البنية التحتية في التكنولوجيا، وهو ما تبين في تعطل التعليم، وعدم وجود خطط للتعليم عن بعد، وغيرها من الاختلالات والدروس التي يجب علينا التعلم منها".

وأوضح أن الكويت راكمت خلال عشر سنوات فوائض مالية كبيرة تصل إلى 100 مليار دينار في الفترة بين عامي 2003 و2013، لكنها لم تحسن استغلال هذه الأموال في تنمية الاقتصاد، وهو ما بدا واضحاً خلال الفترة الماضية وتحديداً منذ عام 2014 الذي ظهر فيه العجز المالي، مما استنفد أغلب سيولة صندوق الاحتياطي العام، والذي كان في عام 2014 بحدود 60 مليار دينار، وهو الآن 17 ملياراً أي تم صرف 43 ملياراً خلال هذه السنوات القليلة على سداد عجز الموازنة وسداد المصروفات التي تتم خارجها.

وأوضح البغلي "أننا نحتاج في الفترة المقبلة إلى إجراءات سريعة دفاعية لتوفير السيولة لمجابهة الأزمة، لكن لدينا حاجة أكبر لإصلاح اقتصادي شامل يشمل تعظيم الايرادات غير النفطية وتعديل التركيبة السكانية وتشجيع الشباب الكويتيين على العمل في القطاع الخاص، ورفع نسبة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي.

أزمة سيولة

من ناحيته، أكد المستشار لدى شركة "استثمار مصرفي" محمد الجوعان، ضرورة الإسراع في إقرار قانون الدين العام، "فالوضع أصبح لا يحتمل الانتظار مع وجود أزمة سيولة حكومية باتت تهدد صندوق الاحتياطي العام.

وأضاف الجوعان، أنه "من المؤسف أن تتحول مشكلة اقتصادية إلى خلاف سياسي وقانوني، وهو أمر خطير، فالحكومة إذا لم تقترض لتمويل العجز، فهي أمام خيارين كلاهما مر الأول: عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، والثاني التوجه نحو تسييل احتياطياتها.

ورأى "أننا أمام فرصة تاريخية لن تتكرر وعلينا اغتنامها" موضحاً أن الأسعار المتدنية للفائدة تجعل من الوقت الحالي هو الأنسب للاقتراض، وأن توجه الحكومة نحو السحب من الصناديق السيادية يجعلها تخسر نحو 5 في المئة عوائد الاستثمار لتلك الاحتياطيات، وذلك مقارنة بكلفة الاقتراض الحالية 1.5 في المئة.

وأشار إلى أن بورصة الكويت مقبلة على إنجاز تاريخي بإدراجها ضمن مؤشر الأسواق الناشئة، وهذه الخلافات من شأنها زعزعة الثقة في المستثمرين الأجانب الذين ضخوا خلال الفترة الماضية أكثر من مليار دينار في البورصة، داعياً وزير المالية براك الشيتان إلى ضرورة الخروج للعلن والحديث عن المشكلات التي تواجه الميزانية العامة وأهم الإصلاحات المزمع اتخاذها لإصلاح الخلل بها وذلك بدلاً من البحث عن بطولات قصيرة المدى مع احدى الجهات التابعة له.

وعن موضوع الأرباح المحتجزة، عقَّب الجوعان أنه "دائماً ما نتكلم عن أن الدولة عندها مشكلة في الإدارة، وما يفعله وزير المالية هو أحد أوجهها!".

وأضاف: "يُفترض من السيد الوزير أن تكون قراراته مبنية على خطوات مؤسسية تعكس مصداقية الدولة وشفافيتها، لا وقت الآن لمناورات سياسية ليس فيها أي أبعاد اقتصادية، ولا مجال للتفرد بالقرار أيضاً تحت ظل الحوكمة!".

ولفت إلى أن تجريد "البترول" من مواردها المالية (استثمارات توفر سيولة وأرباحا) التي تُموّل بها العمليات والمشاريع النفطية، سيؤدي إلى إفلاس المؤسسة!

وقال الجوعان إن استغلال أرباح النفط لن يكون إلا لدفع الرواتب لمدة عام دون أي فائدة على الدولة في حال استمرت الأزمة، مشيرا إلى أن سحب الأرباح يهدد القطاع الخاص والموردين والمقاولين، ويهدم فرص العمل للشباب الكويتي. "للأسف، الكويت دولة أحادية الدخل، أي أن النفط يمثل 92 في المئة من إيرادات الدولة، فكيف لوزير ماليتها العبث بهذا الكيان بصورة غير مهنية وسط استغراب وزير النفط إعلامياً؟!".

وذكر الجوعان أن ما جعل الدولة في مركز مالي متين وتصنيف ائتماني عالٍ اليوم، هو ما قامت به مؤسسة البترول، بالمساهمة في تكوين احتياطي أجيال قادمة واحتياطي عام، جراء تحويلات فاقت 340 مليار. وتابع: "صحيح أنه من الضروري قانونياً تحويل الأرباح المحتجزة إلى الاحتياطي العام، وهو التزام حكومي وجرت العادة على ذلك، إلا أنه من الواجب أيضاً التقيد بالجدول الزمني المتفق عليه، والمُقر من مجلس الأمة، وعدم وضع المؤسسة تحت ضغوط مالية رهيبة".

وأكد أن المطالبات الشعبية التي تُطرب الاذان، منفعتها قصيرة المدى على المواطن والاقتصاد، ولها أضرار على المدى الطويل، والإصلاحات الاقتصادية وإن قست على المدى المتوسط، لكنها حتما تضمن الاستدامة للدولة وماليتها.

وعن الحزمة التحفيزية، ذكر الجوعان أن ما تم إعلانه من محافظ بنك المركزي، خطة مالية لتنشيط الاقتصاد في الوقت الراهن، وليست حزمة قوانين اقتصادية للنهوض بالاقتصاد وإصلاحه بشكل كُلي، فلا أحد يعلم مدى تأثير الأزمة على الاقتصاد ككل، وهذا ما ذكره المحافظ أيضا، فالتريث مطلوب، ليتم دراسة أثر الأزمة، حتى تتضح الصورة أكثر.

وأضاف: "لكن الخطة المطروحة لتنشيط الاقتصاد جيدة، لأنها تتضمَّن أولاً قرار تمويل الشركة من عدمه عند البنوك، وليس الحكومة، وإثبات الضرر على الشركة الناتج من الأزمة ثانيا. كذلك القروض تمول من موارد البنوك وصندوق المشاريع الصغيرة، والدولة تتحمَّل 80 في المئة من الفوائد على القروض. فالبنوك متمرسة في قرارات التمويل وتحمُّل المخاطر، على عكس الحكومة. فإذا كان القرار عند الحكومة، فسيتم قبول جميع الشركات، بغض النظر عن أدائها قبل الأزمة. أما البنوك، فسياسة التدقيق وإدارة المخاطر أفضل بكثير من الحكومة، واتخاذ القرار يكون على أسس صحيحة".

‏وأوضح أن إعطاء البنوك القرار النهائي للتمويل يقلل نسبة المنتفعين الوهميين، نتيجة أي مساعدة حكومية، لأن البرامج الحكومية شمولية بطبيعتها، فمن كان فعلا متضررا بسبب الأزمة ويستحق التمويل فسيتم تمويله، ومَن كان متعثرا قبل الأزمة فلا يستحق هذا التمويل، وهو ما يقلل الهدر شبه المؤكد من أموال الدولة.

‏وتابع الجوعان: "لا نستطيع أن نساوي بين مَن كان يسير في الطريق الصحيح قبل الأزمة وتضرر بسبب القرارات الحكومية من إغلاق الأسواق والمطاعم والمقاهي، ومَن كان أصلا متعثرا ومتجها للخسارة من دون وقوع الأزمة. وبما أن القرار عند البنوك، فلا أحد يستطيع أن يتعذر بفساد إداري حكومي أو سوء إدارة الحكومة بتمويل الشركات، فالبنوك أكثر كفاءة ولها خبرة أكثر في هذا المجال. قد يكون أفضل قرار من (المركزي) أن تكون عملية التمويل من موارد البنوك من غير أي ضمانات حكومية، فهذا القرار يمنع التهاون من البنوك، بسبب الخطر الأخلاقي.

‏ورأى أن هذا الأمر يجعل البنوك تتحرَّى الدقة أكثر في دراسة التمويل ومخاطرة، لأنها وحدها تتحمَّل الخسارة، وبالتالي يُمنح فقط مَن يستحق التمويل فعلا.

‏وقال إن الهدف من القرض هو إنعاش المشاريع من أزمة السيولة، وليس الهدف الربح الآن، فقط تنشيط الاقتصاد بالوقت الحالي، لحين انتهاء الأزمة. ويبقى فقط التطبيق وضرورة الشفافية من البنوك في الممارسة، واليوم على البنوك دور مهم، وهو أن تكون واضحة مع العملاء في جميع الأحوال، وأن تشارك السوق بأعداد الشركات المقبولة، وأيضا المرفوضة.

وأضاف أن كل القرارات المتخذة تحفيزية لجميع الأطراف - تحفيز البنوك عن طريق تحرير الأموال، ومنح قروض ميسَّرة الفوائد مدفوعة عن العميل، وأيضا تحفز العميل لسداد الدين بشكل سريع - وكل هذا بأقل ضرر للمال العام، ويتم تنشيط الاقتصاد بشكل سريع لتعود الحياة كما كانت بشكل أسرع.