عندما قرأت نجاة سيناريو «7 أيام في الجنة» للكاتب علي الزرقاني، وجدت أن شخصية «كروان» تختلف عن أدوارها السابقة، واختبار صعب لقدراتها التمثيلية، وتحمل أصداءً من حكاية «السندريلا» الشهيرة، وطلبت من المنتج رمسيس نجيب لقاء المؤلف والمخرج، وعقدت معهما جلسات مطوَّلة، واقتنعت أخيراً بدخول هذه التجربة، واهتمت بكل التفاصيل المتعلقة بإكسسوارات وثياب شخصية الفتاة الفقيرة.وتدور أحداث الفيلم في إطار من الكوميديا الغنائية حول فتاة فقيرة تُدعى كروان تعيش مع خالها أمين (أمين الهنيدي) في الإسكندرية، ويبيعان الفل للمصطافين، ويشاهدهما الصحافي شكري (عادل إمام)، الذي يرغب في صياغة ريبورتاج، فيتفق مع أمين وكروان على أن يسافرا معه إلى القاهرة ليعيشا سبعة أيام حياة الأثرياء، ويدعيان أنها هدى ابنة أحمد الطمبشاوي المليونير المصري العائد من البرازيل، وتتوالى الأحداث عبر مفارقات كوميدية، ويتخللها بعض الأغنيات لنجاة.
وعن اختيار المنتج رمسيس نجيب للمخرج فطين عبدالوهاب، قال إن فطين مخرج متميز في اللون الكوميدي، ويهتم جيدا بأداء الممثلين، وهذا ما فعله في فيلم «الزوجة 13» مع رشدي أباظة وشادية، وجعل أداءهما يتناغم مع المفارقات الكوميدية في الفيلم، واستطاع أن يقدم نجاة ذات الطابع الهادئ في دور فتاة بسيطة، تدور مع خالها في الشوارع، وهو من أنجح أدوارها على الشاشة. ودارت في كواليس «7 أيام في الجنة» حالة من الالتزام بين فريق العمل، وكان المنتج يحضر إلى الاستديو في ساعة مبكرة، ويذلل العقبات الطارئة، ويغادره بعد انتهاء التصوير، بينما عقد المخرج فطين عبدالوهاب جلسات خاصة مع بطلة الفيلم، واستطاع أن يجعل أداء نجاة مقنعاً للجمهور، ومتناغماً مع الطابع الكوميدي للفيلم، وحقق ذلك الشريط السينمائي نجاحاً كبيراً في دور العرض، وظلت الأغاني التي شدت بها نجاة، تذاع في المحطات الإذاعية، ويطلبها منها جمهور حفلاتها فترة طويلة، لا سيما «مرسال الهوى» و»دوارين في الشوارع» التي تحمل أصداء الأغنيات الفيروزية، وتقول كلماتها:
دوارين في الشوارع دوارين في الحاراتيا شباكهم ياللي ضايع من عيني سلاماتسلامات سلامات والله والله سلامات…يا أهل الهوى ندهتونا لحيكموأهو جينا لحيكم إزيكمإزيكم يا أهل الهوى ياللي سبتونا في الهوىلفّينا الطرقات وسألنا العماراتوعايزة في حي حبيبي أباتقالوا السلام بالأياديقلت أنا بعيني عايزة أسلم عليكوأضحك لكم بعينيأنا يا حبيبي… أنا يا حبيبيمشيت الليل والأيامدمعي في عيني وأقوليا ليل يا ليل...وخرجت نجاة من تجربة «7 أيام في الجنة» أكثر تألقاً وحضوراً على الشاشة وساحة الغناء، وأقنعت الجمهور بأدائها كممثلة، وتسابق المنتجون لطرق بابها، ومعهم سيناريوهات جديدة، واستقرت عام 1971 على بطولة فيلم «ابنتي العزيزة»، سيناريو محمد أبويوسف وإخراج حلمي رفلة، وشاركها البطولة رشدي أباظة وعمر خورشيد وزوزو شكيب وحسن مصطفى وإبراهيم سعفان وماجدة صالح.ودارت أحداث الفيلم في إطار اجتماعي، حيث يقرر شريف (رشدي أباظة) أن يتبنى نجوى (نجاة) بعد أن سمع صوتها، وأعجب به، وللمصادفة تجمع الصداقة بينها وبين ابنة شقيق شريف (عمر خورشيد)، وعن طريقها تعرف هوية شريف الحقيقية، وتتوالى مواقف كوميدية يتخللها بعض الأغنيات والاستعراضات. وتوافرت للفيلم عناصر النجاح، وحقق إيرادات عالية لدى عرضه في دور السينما، وقدمت نجاة أغنيتين للشاعر مرسي جميل عزيز «دوبنا يا حبايبنا»، ألحان محمد عبدالوهاب، و»أمّا براوة» تلحين محمد الموجي، وأغنيتين للشاعر محمد حمزة «ليلة من الليالي» و»يا حبايبي الحلوين» ولحّنهما بليغ حمدي.
معركة سينمائية
أدركت نجاة ذروة تألقها الفني خلال فترة السبعينيات، واستأثرت مع عبدالحليم حافظ بألحان محمد عبدالوهاب، وتصدرا قائمة الأغاني التي لحّنها لآخرين، فلم تحظ وردة الجزائرية بعد عودتها إلى القاهرة، سوى بلحنين لموسيقار الأجيال؛ أولهما «لولا الملامة» كلمات الشاعر مرسي جميل عزيز، و«في يوم وليلة» للشاعر حسين السيد، لكن المنافسة ظلت دائرة بين «خليفة أم كلثوم» ومطربات جيلها، مثل شادية وفايزة أحمد، والأخيرة قصرت غناءها على ألحان زوجها الموسيقار محمد سلطان، وكفّت عن التعاون مع ملحنين آخرين. وفي ذلك الوقت خاضت نجاة معركة سينمائية مع المنتج عدلي المولد المحامي، حين وافقت على بطولة «صوت الحب» مع المخرج حلمي رفلة في ثاني لقاء بينهما، لكن الفيلم ذهب إلى المطربة وردة الجزائرية، ومعه بعض الأغنيات التي لحّنها بليغ حمدي، بينما تبقت لها أغنية «نسي» و»سكة العاشقين»، وغنتهما في إحدى حفلاتها قبل عرض الفيلم عام 1973.وكانت تجربة المطربة المتألقة مع المنتج رمسيس نجيب مغايرة تماما مع منتج «صوت الحب»، فالأول أراد أن يحقق نجاحاً جماهيرياً مهما كانت تكلفة الفيلم، في حين اعترض المولد على طلب نجاة أن تغني لحناً جديداً لعبدالوهاب، وقال إنه لا يستطيع أن يدفع أجر موسيقار الأجيال، وحينها سجلت نجاة الأغنيات التي لحّنها بليغ حمدي، وثار المنتج لأن هناك عقداً يمنع المطربة من شدوها بأغنيات الفيلم قبل عرضه، وأعاد بليغ تسجيل ألحانه بصوت وردة الجزائرية، ومنها «اشتروني» و«طب وأنا مالي» و«العيون السود”.واشتعلت أزمة جديدة بين نجاة والمولد حول «أفيشات» حفلاتها الغنائية، واقتران اسمها بلقب «صوت الحب»، معتبراً أنها حالة سطو على عنوان فيلمه، واضطر منظمو حفلات نجاة إلى استبداله بألقاب أخرى، منها «قيثارة الغناء»، وفي ذلك الوقت تراجع لقب «الصغيرة»، واعتبرت المطربة أنه لم يعد مناسباً للمرحلة العمرية، وحينها كانت في منتصف الثلاثينيات من عمرها.أغنية سكّة العاشقين
آه يا ندمآه يا ألمشفت كلامهم ودّانا فينآه يا عيني عليك وعليّسهرانة تبكي علينا العينعيني عليك ويا عيني عليّشفت كلامهم ودانا فينآه يا عيني عليك وعليّسهرانة تبكي علينا العينعيني عليك ويا عيني عليّطويلة، طويلة يا سكّة العاشقين آه يا عينيطويلة، طويلة على العاشق طويلة يا عينآه يا ألم آه يا ندمعجيبة، عجيبة يا دنيا عجيبةلما تخاصمي واحد ولا تصالحي واحد عجيبةعجيبة، عجيبة يا دنيالما تخاصمي واحد ولا تصالحي واحد عجيبةوغريبة لما بتلفّ الأيام…جفت الدموع
كادت عاصفة «صوت الحب» تعيد أزمات نجاة مع بعض أفلامها السابقة، لكن المخرج حلمي رفلة أقنعها ببطولة فيلم «جفت الدموع» عام 1975 عن قصة للأديب يوسف السباعي، والتقت للمرة الأولى النجم محمود ياسين، وشارك في البطولة النجوم يوسف شعبان ومحمود المليجي وعبدالمنعم إبراهيم، وليلى حمادة وشريفة ماهر وإبراهيم سعفان.وتدور أحداث الفيلم في إطار رومانسي، حول قصة حب بين المطربة المشهورة هدى (نجاة) وسامي كرم رئيس تحرير إحدى المجلات (محمود ياسين) ويقف الجميع ضد علاقتهما، فهو متزوج وربّ أسرة، ويقترب موعد انتخابات نقابة الصحافيين، ويستغل منافسه هذه العلاقة للتشهير به، وتخلل السياق الدرامي للفيلم بعض الأغنيات بصوت نجاة، منها قصيدة الشاعر نزار قباني «إلى رجل» من ديوان قصائد متوحشة، ولحّنها محمد عبدالوهاب، واشتهرت القصيدة بعنوان «متى ستعرف كم أهواك» وتقول أبياتها: متى ستعرف كم أهواك يا أملاأبيع من أجله الدنيا وما فيهالو تطلبُ البحر في عينيك أسكبهأو تطلب الشمس في كفيك أهديهاأنا أحبك فوق الغيم أكتبهاوللعصافير والأشجار أحكيهاواعتبر النقاد أن لقاء نجاة بقصائد نزار وألحان عبدالوهاب، انطلاقة مغايرة في مشوار المطربة الرقيقة، وضاعف من حرصها على الانتقاء لأعمالها الأخرى، لا سيما أنها بدأت في دخول مجال «الأغنية الطويلة» الذي كان حكراً على كوكب الشرق أم كلثوم، ورغم أن أغنيات «أيظن» و«ماذا أقول له» و«متى ستعرف كم أهواك» لا يستغرق تسجيلها أكثر من 10 دقائق، فإن نجاة غنتها على خشبة المسرح لأكثر من ساعة، وهي تعيد بعض «الكوبليهات» بناء على طلب الجمهور، واتّسم أداؤها بقدر كبير من الثقة، وزالت عنها رهبة غناء القصائد الطويلة. وفي تلك الفترة، قصرت ألحان عبدالوهاب على أم كلثوم ونجاة، وتباعد لقاؤه مع عبدالحليم حافظ، ولم يقدم له سوى أغنيتين هما «فاتت جنبنا» للشاعر حسين السيد، و«نبتدي منين الحكاية»، وبدت اختيارات العندليب مقاربة لنجاة، وأراد أن يكرّر نجاحها مع قصائد نزار، فغنّى «رسالة من تحت الماء» و«قارئة الفنجان» من ألحان محمد الموجي، وتلاهما بقصيدة أخرى «يا مالكاً قلبي» للشاعر عبدالله الفيصل ولحّنها الموجي.وبلغت نجاة في آخر أفلامها «جفّت الدموع» ذروة نجاحاتها السينمائية، واستقرت على درجة مقنعة من الأداء الطبيعي من دون مبالغات انفعالية، لكّنها ظلت أكثر حضورها وتألقاً كمطربة، وفور انتهاء إطلالتها على الشاشة، تتغنى بأعذب الألحان لكبار الموسيقيين، ومنذ عام 1975 توقفت عن الظهور على شاشة السينما، وبقي مشوارها الفني الأكثر إثارة للجدل.نزار قباني ممثلاً للمرة الأولى مع «القيثارة الحزينة»
توطدت صداقة نجاة بالشاعر نزار قباني، منذ لقائهما الأول في قصيدة «أيظن» واللحن الرائع للموسيقار عبدالوهاب، وفي ذلك الوقت أراد المخرج السيد بدير استغلال النجاح الكبير للثلاثي، وأن يجمعهم في عمل درامي مشترك، ونجح بعد محاولات في إقناع نجاة ونزار ببطولة المسلسل الإذاعي «القيثارة الحزينة»، تأليف الأديب الكبير يوسف السباعي، وأن يضع عبدالوهاب الموسيقى التصويرية. وترقّب الجمهور هذا الحدث الفني، ودخل نزار للمرة الأولى استديو الإذاعة المصرية، ليس بوصفه شاعراً بل ممثلاً، ليجد نفسه أمام مطربته المفضلة، وكوكبة من نجوم التمثيل، منهم كمال الشناوى، وحسين الشربيني، ونعيمة وصفي، ووداد حمدي، وعبدالبديع العربي، وحاول المخرج السيد بدير أن يطوِّع أداء نزار ليتناغم مع الأداء الاحترافي لفريق المسلسل، لكنّ الشاعر غلب عليه الأداء الصوتي الذي اعتاده جمهور ندواته الشعرية.وأذيع مسلسل «القيثارة الحزينة» عام 1967، ودارت أحداثه حول الفتاة الرقيقة «هدى»، التي لعبت دورها نجاة، التي تعيش بمفردها مع والدها الكبير في السن عبدالبديع العربي، وخادمتها وداد حمدي، في فيلا بمدينة الإسكندرية الساحلية، وفي أحد الأيام يسكن بجوارها محام شاب اسمه عصام (كمال الشناوي)، الذي يحاول التقرب إليها، ومعرفة سر حزنها وشرودها طوال الوقت، وبعد طول تردد تحكي له قصتها المتوترة مع خطيبها «عزت»، الذي لا تبادله مشاعر عاطفية، وكيف كانت لتلك القصة يد في معرفتها بالكاتب الكبير صاحب الروايات العاطفية المثيرة «طارق»، الذي قدَّم دوره الشاعر نزار قباني.وعن تلك التجربة الإذاعية، قالت نجاة في مقابلة تلفزيونية، إن المخرج بذل مجهوداً كبيراً في تدريبها ونزار على دوريهما، لكنهما لم يستمعا إلى توجيهاته، وكانا غير موفقين في أدائهما، وأن صديقها الشاعر قرر عدم تكرار تجربة التمثيل مرة أخرى.واعتبر النقاد أن نزار ظل طوال المسلسل يتحدث كأنه يلقي قصيدة، وكان كل مشهد بمنزلة بيت شعر يؤديه بصوته، بينما كانت نجاة صاحبة خبرة طويلة في التمثيل، واستطاعت بإحساسها المرهف وصوتها العذب أن تقنع المستمع بأدائها، لكن «القيثارة الحزينة» لم تطرق باب الدراما الإذاعية مُجدداً.
البقية في الحلقة المقبلة