في رثاء العزيز د. فيصل الإبراهيم
عرفتك صغيراً تأتي مع والدك إلى ديوان أسرتك الكريمة «ديوان الإبراهيم»، تلقي علينا السلام فرداً فرداً، ثم تجلس في تلك الزاوية تنصت لأحاديث الكبار، وترتسم على محيّاك الابتسامة التي لم تفارقك حتى في أحلك ساعات مرضك.وبعدما كبرت حصلت على بعثة دراسية للمتفوقين، لتلتحق بإحدى أفضل الجامعات في الولايات المتحدة، وهي «جامعة بوردو»، وتخرجت منها كعادتك متفوقاً. وبعد عودتك، تقدمت للعمل معنا في البنك التجاري، وكم كنتُ فرِحاً لاختيارك لنا، على الرغم من أنه كان بإمكانك العمل في أكثر من مكان. سألتني حينها ما هو الأفضل: العمل في الإدارة المالية أم إدارة الاستثمار؟ وبينت لك الفرق بينهما، وأن العمل في الإدارة المالية ربما يتسم بالروتين، لكنه يُعدك لكي تكون سيد نفسك في المستقبل كمحاسب قانوني توقيعه مهم، ومحل ثقة المساهمين والإدارات الحكومية والمستثمرين، ومثلما يقول المثل: «صاحب الحرفة ما يموت جوع».
أما إدارة الاستثمار فهي عالم واسع يتسم بالديناميكية واقتناص الفرص، مما يجعلك دائم الاطلاع على الأحداث الاقتصادية ومتابعاً لمجرياتها وأخبارها، ويتيح لك المجال لدراسة المخاطر وميزانيات الشركات، وهذا يتطلب اتخاذ قرارات صعبة وسريعة، وفي كثير من الأحيان يسبب لك الأرق وتقلب المزاج. لكنك قبلت التحدي واخترت العمل في ادارة الاستثمار، وعملت بمهنية، فاكتسبت احترام ومحبة زملائك وإعجابهم. وأضيف أنك شاركت في فريق كرة القدم في البنك للمنافسة في دوري المصارف. وكان حبك للرياضة، خصوصاً كرة القدم ونادي القادسية، دليلاً على حبك للمنافسة والعمل ضمن الفريق الواحد.طموحك وحبك وشغفك للعلم دفعا بك للعودة إلى مقاعد الدراسة للفوز بدرجة الدكتوراه، حينها طلبت مني كتابة «رسائل ترشيح» للجامعات، وكم سعدت بذلك وكتبتها، وكنت أنهيها بتوصية بأني «أرشح فيصل بقوة، وسيكون حتما إضافة جيدة لبرنامجكم». وفعلا، وبفضل المثابرة والجد والاجتهاد نجحت في نيل شهادة الدكتوراه من جامعة بوردو، حيث كانت رسالتك عن «أثر نصائح ووجهات نظر المستثمرين المؤسسين لمجالس الإدارات والإدارات التنفيذية على أداء الشركات»، فبينت العلاقة الايجابية على قيمة الشركات، في حالة عندما تكون تلك المؤسسات لا ترتبط بعلاقات ذات صلة مع الشركات.عدت فالتحقت بسلك التدريس في جامعة الكويت. لكن لم يمهلك المرض، فأبعدك عنا وعن طلبتك وأنت في بداية العطاء وفي مقتبل الحياة. وعلى الرغم من قصر فترة عملك معهم وتدريسهم، فإن الجميع يذكرك بالخير ويشيد بأسلوب تدريسك وبطيبة خلقك. لقد غمرك أصحابك وزملاؤك وطلبتك ومعارفك بالحب والدعاء لك بعد رحيلك عن هذه الدنيا الفانية، بالمغفرة والرحمة. كيف لا وأنت مثال لشخص جميل أحسنت أسرته الكريمة تربيته. فهذا ما كتبه لي عنك صديقك وزميلك في العمل في البنك التجاري السيد جوول ديسوزا حين أبلغته برحيلك: «كان دائما إيجابيا في تطلعاته حتى في الظروف الصعبة، علاقتنا حميمة، كان بمثابة أخي الصغير، محترم جداً ومؤدب، ذكي وحاذق، وكان كثير المرح والفكاهة». أتفق معه تماماً.كما أذكر حرصك الدائم على الحضور للديوان أيام العطل الجامعية، وأحاديثنا عن موضوع رسالة الدكتوراه أو السوق الأميركي أو رحلاتك المتعددة، ومنها الى جنوب أميركا وحثك لي على زيارتها أو التصوير. لا أخفي عنك فرحتي برؤية وضع إعجابك (اللايك) على تصويري في «إنستغرام»، عندما كنت تتلقى العلاج، فتبعث فيّ الأمل والطمأنينة على صحتك وأنك بخير.ولن أنسي ابتسامتك المعهودة، أو الضحك معنا لنكته عابرة من «الملك»، أو مزحة عمك محمد مع العم بو صالح وكيسه المليء باللوز، والذي يوكلك بتوزيعه علينا بالتساوي، كل شخص سبع حبات، أو عندما كنا ننتظر لعلنا نحصل على فرصة للعب الكوت مع أو ضد فريق «الملك» في ليالي رمضان. لكن شهر رمضان هذا العام كان مختلفاً، فقد غادرتنا إلى مكان أفضل وأجمل بإذنه تعالى، وأنت في مقتبل العمر وبداية العطاء، في ليلة مباركة، وكأنك تقول لنا كم هي الحياة قصيرة قد تختفي بلمح البصر. رحمك الله أخي العزيز د. فيصل وألهم والديك وزوجتك ومحبيك الصبر والسلوان، وأن يحفظ ابنك ابراهيم الصغير، وأن يصبرنا معهم على فراقك، سنشتاق لك ولابتسامتك الجميلة. وسأعمل بتوصيتك «الكويت جميلة... حافظوا عليها».