المعاناة الخليجية مع «كورونا» قد تطول
المسؤولية المشتركة للدولة والمجتمع«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» صدق الله العظيم.
معاناة دول الخليج مع تداعيات جائحة كورونا، الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ستطول وتستمر مادامت الظروف السكنية (غير الصحية) للعمالة الوافدة على حالها بدون تغيير، فالملايين من هذه العمالة وعائلاتها يعيشون في مساكن مكتظة وأحياء تفيض بالبشر، العشرات يجمعهم سكن واحد ومطابخ وحمامات مشتركة، ولا سبيل لتطبيق الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي عليهم.حكوماتنا اليوم في وضع عصيب أمام تراكمات العمالة الوافدة وعائلاتها التي استقرت وتكاثرت وازدحمت بها معظم مناطق العواصم الخليجية: هي لا تستطيع تطبيق الإجراءات الصحية عليهم وتخفيف أعدادهم ونقلهم إلى أماكن أخرى، فذلك يتطلب موارد هائلة، يصعب توفيرها في ظل الاقتصاد المأزوم، كما أنها غير قادرة على ترحيلهم! هؤلاء يشكلون الكتلة الأعظم من السكان، وتكدسهم في الأحياء بيئة خصبة لتفشي الوباء، وصعوبة تغيير أوضاعهم المعيشية معناها ببساطة أن الإصابات ستتزايد، ومعاناتنا ستطول! من المسؤول؟ نلوم حكوماتنا وكلنا مسؤولون!مسؤولية الدولة: معاناة الدول الخليجية في ظل أزمة كورونا، تكمن في الخلل الإنتاجي الخليجي والنظام الاقتصادي المرتبط به، كون دول الخليج اعتمدت في مشاريعها التنموية، وبشكل رئيس ومتزايد على استقدام عمالة وافدة رخيصة، متدنية الرواتب والتعليم والمهارات، تفتقد الوعي الصحي والمسلك الحضاري، بدلاً من الاعتماد على قوة عمل مواطنيها وتدريبهم وتشجيعهم بالرواتب المغرية والامتيازات للانخراط في سوق العمل الخاص، كما القطاع العام.مسؤولية القطاع الخاص: شركات القطاع الخاص الخليجي (القطاع غير النفطي)، تتحمل جانباً كبيراً من مسؤولية معاناتنا مع كورونا، بسبب سياسة إطلاق العنان لهذه الشركات، بجلب الملايين من العمالة الوافدة الرخيصة، عبر نظام الكفالة، وتركهم بدون رقابة حازمة على تطبيق قوانين العمل المتعلقة بتأمين حقوق هذه العمالة: من أجور عادلة، وتأمين طبي، وسكن معيشي صحي، سمح باستغلال هذه العمالة، إضافة إلى أن هذه الشركات لا تدفع ضريبة للدولة، ولا توفر وظائف للمواطنين. المحصلة: هذه السياسات التنموية، والخلل الملازم لنمطها الإنتاجي، أفرزت هذه المعاناة، وأوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم، من شكوى وتذمر، وقلق من تفشي الجائحة، وتصاعد معدلات الإصابات، وصعوبة احتوائها، وطول أمد استمرارها، إضافة إلى تعريض السمعة الدولية لدول الخليج لتهم استغلال العمالة الوافدة، لافتقاد الحزم في تفعيل القوانين المتعلقة بحقوقهم، وتطبيق العقوبات على الاتجار بالفيز والإقامات. ما الدروس المستفادة، وما العمل؟الاقتصاد العالمي بعد مرحلة كورونا سيشهد تغييرات كبيرة، وعلى حكوماتنا الاستعداد لها برؤية تنموية مغايرة، ومن حقنا كمواطنين على دولنا، العيش في بيئة صحية آمنة، وحياة ذات «جودة عالية»، لكن هذه الرؤية بحاجة إلى إرادة سياسية حازمة، وتتطلب: أولا: ضرورة مراجعة الرؤى التنموية الرسمية، وإعادة النظر في نمط النمو الإنتاجي المهيمن بعد (8) عقود، رسخ الاعتمادية والارتهان على عاملين خارجيين «غير مستدامين» سوق النفط الخارجي المعرض لتقلب الأسعار وانخفاض الطلب الحاصل اليوم، وقوة العمل الوافدة المشكلة عبئاً على الخدمات والمرافق.ثانيا: تبني نمط نمو إنتاجي يعتمد الإنتاجية والتكنولوجيا العالية وتنوع أنشطة الإنتاج، بحيث يتم التحول من النموذج الحالي الذي يقوم على الإنتاجية المتدنية، وقوة العمل العددية الوافدة، والمورد الآحادي.ثالثاً: تغيير نظام الكفالة الحالي، بتقنين أعداد العمالة الوافدة، ليكون نظاماً مركزياً تابعاً للدولة لا الأفراد ولا الشركات.رابعاً: معالجة وضعية القطاع الخاص، بتشديد رقابة الدولة على تطبيق قوانين العمل، كتوفير مقومات الصحة والسلامة في بيئة العمل والسكن. القطاع الخاص الخليجي عالة على الدولة والمجتمع، فيستنزف الموارد، ولا يدفع الضرائب، ويزيد التحويلات للخارج، ولا يوظف المواطنين.خامساً: تعزيز قوة العمل للمواطنين، والاستثمار في تعليمهم وتدريبهم، ذلك هو الاستثمار الأبقى، ولأنك لن تبني تنمية مستدامة إلا بجهود أبنائك... للتعمق والتفصيل أدعو القرّاء للاطلاع على العمل الفذ، المتعوب عليه بحق (تصدير الثروة واغتراب الإنسان) عمر هشام الشهابي، دراسات الوحدة العربية 2018.* كاتب قطري