بعد تسع سنوات من الحرب الأهلية، يواجه الرئيس السوري بشار الأسد مجموعة من التحديات الكبيرة، التي قد تحدد مصيره وقدرته على تعزيز قبضته على السلطة، وهي الانشقاق داخل عائلته، وانهيار الاقتصاد وتزايد التوترات مع حليفه الرئيسي روسيا، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست".

ونجح الأسد في استعادة السيطرة على أغلب أجزاء سورية من يد المعارضة، ولم يتبق سوى عدة مدن في شمال وشرق البلاد، ولم يعد هناك من ينافس الأسد وعائلته على السلطة، لكن الخلافات بدأت تظهر داخل البيت الواحد.

Ad

وقد يدفع الاقتصاد المتدهور السوريين إلى الفقر على نحو غير مسبوق في التاريخ الحديث، لأن الوضع في روسيا وإيران لا يسمح لهما بضخ مليارات الدولارات التي تحتاجها سورية لإعادة البناء، كما يواصل الأسد رفض الإصلاحات السياسية التي قد تفتح الأبواب أمام التمويل الغربي والخليجي.

وترى الصحيفة الأميركية أن هناك بوادر تمرد جديد يلوح في الأفق داخل المناطق التي استعادت الحكومة السيطرة عليها، خصوصاً في محافظة درعا الجنوبية.

وقالت لينا الخطيب من مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن، إن الأسد قد يكون أكثر عرضة للخطر الآن من أي وقت في السنوات التسع الماضية من الحرب، وأضافت: "لقد أصبح الأسد يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني والروسي. ليست لديه الموارد المحلية، وليست لديه شرعية دولية، وليست لديه القوة العسكرية التي كان يملكها قبل النزاع"، مؤكدة أن صندوق أدواته أصبح فارغاً.

وفقاً للصحيفة، يعتبر الخلاف العلني بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف مجرد عرض من أعراض المشاكل العميقة، فقد لجأ مخلوف إلى "فيسبوك" للشكوى من محاولات الدولة مصادرة أصوله، بعد ما أصبح غير قادر على التواصل مع الرئيس مباشرة.

وفي سلسلة من التصريحات التي تنطوي على تهديدات متزايدة، أوضح مخلوف أنه لن يعطي دمشق طواعية أكثر من 600 مليون دولار، تقول الحكومة، إنه مدين بالمبلغ لمصلحة الضرائب.

وألمح مخلوف إلى قدرته على إحداث دمار في الاقتصاد من خلال سيطرته على شبكة من الشركات التي توظف الآلاف من السوريين وتضم شبكة "سيرياتل" القوية للهواتف المحمولة، أكبر شركة في البلاد.

وذكر في أحدث مقطع فيديو نُشر الأسبوع الماضي: "لم أستسلم أثناء الحرب، هل تعتقد أنني سأستسلم في ظل هذه الظروف؟ يبدو أنك لا تعرفني".

مخلوف ليس وحده في هذا المأزق فالحكومة تعمل على إجبار رجال الأعمال السوريين الذين استفادوا من الحرب على دعم اقتصاد الدولة المتعثر.

تدهور الاقتصاد

من ناحيته، يقول داني مكي، صحافي سوري ومحلل سياسي: "السؤال الأكبر ما الذي يحدث للاقتصاد على المدى الطويل، إنه حقاً سباق مع الزمن بالنسبة للأسد لإيجاد مخرج، فلا يقتصر الأمر على بقاء النظام، بل على البلد بأكمله"، مشيراً إلى فقدان العملة السورية أكثر من نصف قيمتها في الشهر الماضي، وتضاعف أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والسكر في الشهر الماضي، مما يعرض سورية لخطر الوقوع في المجاعة، بحسب تقرير لبرنامج الغذاء العالمي، يوم الأربعاء الماضي.

ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، تعتبر المشكلة الأكبر للأسد هي الاقتصاد الذي دمرته الحرب، والعقوبات الأميركية والأوروبية، التي تهدف للضغط عليه، وتمنع أي نوع من الاستثمار أو تمويل إعادة الإعمار .

كما أنه اعتباراً من يونيو المقبل ستدخل العقوبات الأميركية الجديدة الصارمة حيز التنفيذ بموجب قانون يُعرف باسم قانون "قيصر" يستهدف أي فرد أو كيان في العالم يقدم الدعم للنظام السوري.

توتر العلاقات مع روسيا

إضافة إلى كل هذه الضغوط، تشهد علاقة الأسد مع موسكو توترات متزايدة، فقد انتقدت العديد من المقالات الأخيرة في وسائل الإعلام الروسية نظامه بسبب تعنته وفساده، مما أثار تكهنات بأن دعم روسيا لرئاسته قد يتضاءل.

ويقول فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية ومقره موسكو: "بالطبع الأسد يعتمد على الدعم الروسي، لكن روسيا تعتمد عليه سياسياً أيضاً، وهي لا تستطيع أن تتخلى عنه دون أن تتعرض لضرر سياسي كبير".

لكن نيكولاي سوركوف، الأستاذ في قسم الدراسات الشرقية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، يعتقد أن موسكو تشعر بالإحباط من رفض النظام الموافقة على الإصلاحات السياسية. وقال: "حتى لو فازت الحكومة عسكرياً، سيكون هناك خطر كبير من استئناف التمرد طالما لم تتم تلبية المظالم الرئيسية للسكان".

تمرد من نوع آخر

وتقدم الاضطرابات في محافظة درعا الجنوبية، وهي أول محافظة سورية ثارت ضد الحكومة عام 2011، دليلاً على هذا الخطر، فقد تم إرسال القوات الحكومية إلى المحافظة لقمع دوامة من عمليات الخطف والاغتيالات والكمائن التي أودت بحياة العشرات من القوات الحكومية في الأشهر الأخيرة.

وأفاد عبدو جباسيني، الباحث في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، بأن من يقف وراء العنف ليس واضحاً، لكن يبدو أن تمرداً جديداً في طور التكوين.

أزمات مماثلة

لكن في المقابل، يدعو البعض إلى عدم الرهان على الخلاف بين الأسد ومخلوف. وتشير الكاتبة علا الرفاعي في مقال بعنوان "عدم الإفراط في التفكير في الخلاف بين الأسد ومخلوف"، إلى أزمة مماثلة وقعت قبل ما يقارب من أربعة عقود، بين الرئيس السابق حافظ الأسد وشقيقه الأصغر رفعت الذي الذي كان قائداً لـ "قوى الأمن الداخلي" و"سرايا الدفاع" شبه العسكرية.

ووفقاً لوزير الدفاع السابق مصطفى طلاس، انتهت المواجهة بين الشقيقين عندما تدخلت والدتهما، ناعسة شاليش، دعماً لحافظ وبقي النظام راسخاً.

وتلفت الرفاعي إلى مواجهة مماثلة بين بشار الأسد وصهره آصف شوكت الذي قتل في ظروف ما زالت غامضة خلال اجتماع بمقر الأمن القومي في وسط دمشق في 2012.

وترى أنه في ضوء الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها سورية، تدرك كل من أسرة الأسد ومخلوف بأن عليهما تسوية خلافهما من أجل منع حدوث انهيار كامل. لذلك، فإن المفاوضات جارية بالفعل بشكل مناوشات علنية وتحركات أخرى.