كويت ما بعد كورونا مختلفة
لا يختلف اثنان على أن الكويت تعاني منذ سنوات طويلة توارث الحكومات العاجزة لملفات متخمة، دون أن تعالجها معالجة جادة، وتتلهى عنها؛ إما بقضايا هامشية، أو بردود أفعال آنية، أو بإهمال وتفريط واضحين، ولَم تبادر أي حكومة تولَّت المسؤولية في العقود الثلاثة الماضية للسعي المباشر لمعالجتها، أو لتبني خطة زمنية لترتيب معالجة تلك الملفات.ولقد أدى ذلك إلى تفاقم التضخم الذي تحمله هذه الملفات، رغم التحذير المستمر من أطراف عديدة لخطورتها، والآثار الوخيمة التي تترتب عليها يوماً تلو الآخر، ومن أبرز هذه الملفات (غياب خطة طوارئ، واختلال التركيبة السكانية حتى هبطت نسبة الكويتيين إلى الربع مقابل الثلاثة أرباع لغير الكويتيين، وتضخم العمالة الأجنبية في الأجهزة والقطاعات الحكومية وكذلك العمالة الهامشية بتزايد مخيف، وعدم توافر وظائف للكويتيين أو تأخر تعيينهم، وترهل الخدمات الصحية، وتدني التعليم، وإشكالية مقاعد القبول في التعليم الجامعي، وانتشار الفساد والانحراف في طرح المناقصات وفي ترسيتها، وضعف مؤسسية مجلس الوزراء وهشاشة تكوينه، وغياب الإدارة الرشيدة، وتوالي فقدان مؤسسات وأجهزة الدولة قدراتها، ومشكلة الإسكان).وقد كشفت أزمة "كورونا" التخمة والمعاناة الحقيقية والواقعية التي تنطوي عليها تلك الملفات، بل عصفت العديد من تلك الملفات بمقومات الدولة في جوانبها الأمنية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، وفرضت استنفاراً لمعالجات آنية أو تسكينية أو ترقيعية، وهو ما حصل، لكن تلك الملفات بقيت على تخمتها ومخاطرها المتحفزة.
وليس أمامنا كشعب وحكومة مسؤولة غير المُضي بمسارين متوازيين لعلاج الملفات المتخمة، والتعامل مع تداعياتها قبل وأثناء أزمة "كورونا"، حتى يكون ما بعدها "كويت" مختلفة.المسار الأول: ترتيبات واضحة وصارمة في العودة التدريجية - ينبغي أن تكون العودة للدوامات بخطة تفصيلية مُحكمة ومشددة، بالإلزام بالإجراءات الاحتياطية، وتطبيق مدروس للتباعد الاجتماعي، بما فيه الأخذ بخيار العمل عن بُعد (المنزلي) الجزئي أو الكامل لموظفي الأعمال المكتبية.- تطبيق التباعد الاجتماعي والاحتياطات المشددة في الأماكن العامة (أسواق، مساجد، متنزهات، وغيرها).- التخلص من حالة التكدس للعمالة، والتي تشكِّل خطراً صحياً وأمنياً متحفزاً في آن واحد.- حسم وضع التعليم المرحل، والإقرار بصعوبة استئناف العام الدراسي في شهر أغسطس، لاستحالة تنفيذ الإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي في المدارس، واستئناف الدراسة عن بُعد خلال شهري يونيو ويوليو لإنهاء العام الدراسي، وأيضاً التعليم الجامعي. - استئناف العام الدراسي والجامعي أيضاً، بتبني التعليم عن بُعد للعام الجامعي الجديد من سبتمبر إلى يناير (الفصل الأول) مع المراجعة وفق التطورات.- المسار الثاني: التوجه الاستراتيجي- تكويت الوظائف العامة، وخصوصاً القضائية، خلال 18 شهراً، وتوفير وظائف للمواطنين.- تعديل وضع التركيبة السكانية، لتصبح أقل من 1:1 كويتي وغير كويتي.- إحلال العمالة الخليجية الماهرة وغير الماهرة (خصوصاً من البحرين وعُمان واليمن)، ثم من الشام محل العمالة غير المنضبطة.- اختيار وزراء من أصحاب القرار والاستقلالية، من غير الموظفين أو متلقي الأوامر أو هواة الاستعراض، تعزيزاً لمؤسسية مجلس الوزراء والإدارة الرشيدة.- الرقابة الصارمة بكل شفافية وعلانية في طرح وترسية المناقصات والتعاقدات.- عدم التهاون أو التستر على أحوال الفساد وممارساتها، وتخليص الأجهزة الرقابية عليها من الضعف والتردد في فرضها لوجود تدخلات عديدة بعملها.- تطبيق الضريبة على الشركات والمؤسسات التجارية والعقارات التجارية والاستثمارية.