• فنانة تشكيلية وشاعرة وقاصة وكاتبة، أين أنتِ في هذه الرحلة؟ وماذا أخذت منك؟ وماذا أعطتك؟- هي رحلة عُمر، بدأتها، وما زلت أمشي فيها مشي السلحفاة، أنتظر من نفسي إنجازات أكثر، وتنتظر مني نفسي تعمقاً والتزاماً أكبر. أخذت مني هذه الرحلة الحياة الاجتماعية بصخبها، وضجيجها، وفيضها، الصحبة، واللهو، والأشياء البسيطة التي من شأنها أن تعطي لوناً آخر للحياة، كالتسلية، وحضور المناسبات، والاحتفالات، وإضاعة الوقت في التواجد بالازدحام البشري الجميل، إذ إنني غالباً ما أكون مشغولة، لا وقت لدي حتى للمناسبات الاجتماعية، والتواصل الحقيقي. أما ما أعطتني إياه، فربما هويتي و"أنا" التي أعرفها كما هي، الكائن المشغول بمراقبة التفاصيل، وتسجيلها، والذي فقد التواصل الحقيقي مع العالم الخارجي.
• هل استطاعت أعمالك أن تجيب عن أسئلتك العصيبة؟ وأيهما أقرب لرؤاك؛ الكلمة أم الشعر أم الريشة؟- مخطئ من ظن أن الكتابة أو الفن من شأنه الإجابة عن الأسئلة. ربما كان يطرح أسئلة أكثر مما يجيب. هناك كم لانهائي من الأسئلة القلقة التي تولد مع كل نص تقرأه، فكيف لهذا النص أن يجيب عن أسئلة كاتبه؟! إنها معضلة الغوص في التفاصيل، وانتهاك حرمة الممكن، والكلام ذاته ينطبق على اللوحة، إذ إن مهمتها في رأيي إثارة الأسئلة المشاغبة أم أيهما أقرب، فلا أستطيع الإجابة بشكل مطلق. اعتقدت في وقت ما أن القصة أقرب، ثم أثناء انشغالي بالرواية، ونظراً لحالة الانفصال الجميلة عن الواقع التي تسببت بها كتابة الرواية اعتقدتها أقرب.الشعر جعلني أخرج مكنوناتي بطريقة استثنائية، وأنا الإنسانة الكتوم التي لا تستطيع أن تخرج ما في داخلها بسهولة، ثم وأنا أرسم رأيت نفسي أعبث باللون دون حدود، ولا قيود، ولا قواعد، لا جر، ولا نصب، ولا ضم، لأترك لأصابعي حُرية هدم كل شيء، أو حرية بنائه مرة أخرى، التجريب بمنتهى الحرية، والانفلات من كل شيء، وكل قاعدة، وفي الآخر توصلت إلى أن كل نوع له متعته، وأنني أكون أقرب ما يمكن عندما أكون متورطة به، لكنها حالة مؤقتة، وسيحتل نوع آخر مكانه في الأفضلية عندما تتغيَّر أداة التعبير.
السياسة والثقافة
• ماذا عن المؤثرات التي ساهمت في توجيهك وساعدتك في تكوين تصور خاص بك عن الكون والإنسان والحب والوطن؟ - أظن أن الركائز الأولى أتت من الطفولة، حيث تربيت في بيت به أحاديث السياسة والثقافة أكثر من أي شيء، ورباني أب شاعر، وسياسي، وصحافي، وهو الشاعر محمود ياسين، رحمه الله. أستطيع بكل فخر أن أتحدى العالم أن يجد في بلادنا العربية رجلاً بنزاهته، وثقافته، وعلمه، ووطنيته، واستعداده المذهل لأن يدفع ثمن مبادئه، حتى في سبيل غيره، وأم قوية الشخصية على قدر كبير من الثقافة، والوطنية، خرجتْ في تظاهرات، وكانت بطلة سورية في رمي القرص. بيتنا كان فيه من الكتب ما يوازي ربما ما في مكتبة عامة، والقراءة ممارسة يومية. اعتاد أبي، رحمه الله، أن يطلب مني قراءة كتب بعينها، وتلخيصها. أظنه لم يكن مهتماً فعلاً بالتلخيص، لكنه كان حريصاً على جعلي أستفيد من قراءتي للحد الأقصى. في ظل عائلة كهذه أظن أن المفاهيم العامة، كالوطن، والانتماء، والاحترام، وتقبل الاختلاف بطريقة حضارية، وغيرها من القيم، تتكون بطريقة أعتبرها صحيحة، بعيدة عن الأنانية، والتمركز حول الذات، مفاهيم تجعلك قادرة على تحري الجمال، وفهم الآخر، واحترام الحيوات الأخرى على اختلافها.داخل الإنسان
• تعيشين في هولندا، إلى أي مدى أثرت الغربة فيما تكتبينه؟ وماذا حققت لك من إضافات وانعطافات؟ - لا أعرف إلى أي مدى تأثر قلمي بالغربة، لكن بالتأكيد يستطيع أي قارئ متابع أن ينتبه إلى تغير اللغة، والمفردات التي استخدمها، اللغة تترجم الإحساس، وما يعتمل في داخل الإنسان إلى مشهد بصري، بحيث يكون في متناول شريحة من الناس فهمه وقراءته، ودون لغة لا سبيل لإظهار تلك التداعيات، ما يعتمل في أعماقنا يتكون جزئيا مما نراه، ونسمعه، ونحسه، يومياً. لابد إذن من علاقة وثيقة بين جديد ما كتبت، وتطور اللغة لدي، بجمال هولندا، وهدوئها، واستقرارها، لكنني لا أستطيع تحديد التغيرات بشكل واضح بأي حال.• إبداعاتك استطاعت أن تشد إليها أنظار القراء والنقاد والدارسين، فهل أنتِ راضية عن المواكبة النقدية لتجربتك الإبداعية بشكل عام؟- أجمل ما يمكن أن يدركه الكاتب من القراءات المختلفة لكتاباته، هو اختلاف التأويل. قد يفاجئ القارئُ، سواء كان ناقداً أم قارئاً، الكاتب، بتأويلٍ لم يره أو يقصده الأخير مطلقاً، أو بتحليل أو رؤية للبطل، أو لحدث لم ينتبه إليه الكاتب فيما كان يرسم تفاصيل نصه بعناية، متحرياً أن يجعله متكاملاً، ومنطقياً، ومقنعاً. أذكر أن شقيقتي سوزان، وهي فنانة تشكيلية، بعد قراءة مسودة الرواية تورطت ببطلها صطوف، وأرادت أن تقوم بتصميم الغلاف برؤيتها، وفاجأتني عندما رسمت البطل بتفاصيل مكملة كما لو أنها شاطرتني خلق تلك الشخصية المأزومة.الحياة الثقافية
• كيف تقرئين الواقع الثقافي السوري الآن؟- الحياة تعيد إنتاج نفسها كل يوم، والفقد في جانبه المظلم يحرم الحياة الثقافية من روافد مهمة على الصعيد الإبداعي، وعلى صعيد المعرفة، والخبرة، والرؤية العميقة التي يكتسبها الإنسان مع مرور السنين، لكنها في جانبها الآخر تظهر أسماء لها وقعها، تستعير مفاهيمها من واقعها، هناك مدرسة جديدة تخرج من رحم الحياة، ثوابتها تبدأ من قيمة الإنسان ذاته، ومفرداتها تنحو نحو الحياة الإلكترونية، ومعانيها، ومعارفها متصلة اتصالاً وثيقاً بكل ما هو جديد، وتفاصيلها اليومية مستمدة من هموم جيل أصغر، جيل عاصر حروباً شرسة، وتهجيراً، وخلافات جذرية بين أفراد العائلة الواحدة أحياناً، وربما سيخرج بإبداع غير متوقع، إن استطاع أن يحافظ على هويته، ولغته العربية، الاستبدال والتغيير هو ديدن الحياة المستمر.عنصر المفاجأة
• بالحديث عن الفنانة التشكيلية لبنى ياسين، ماذا تقولين؟- أعيش مرحلة التجريب، وهذا بالضبط ما يجعل الأمر ممتعاً. كثيراً ما أبدأ اللوحة وفي رأسي خطة ما، وأنتهي واللوحة لا علاقة لها من بعيد ولا من قريب، بما كنت أريد عمله، وهذا يمنحها-لوحتي- عنصر المفاجأة، ويمنحني متعة في سبر أغوار الأشكال، والألوان، والملامح.أيقونة هولندا
• هل تشعرين أنك حصلتِ على القدر الذي تستحقينه من الشهرة؟- من قال إن الشهرة هي الدافع أو الحافز وراء الكتابة والفن؟ بالنسبة لي الشهرة ليست هي المعيار الحقيقي الذي أقيس به مدى نجاحي، أو رضاي عن نفسي، فان غوخ مات مديوناً، ومغموراً، ولم يعلم يومها أنه سيصبح أيقونة تميز هولندا، وأن متحفاً باسمه سيكون مخصصاً لأعماله فقط، وأن قيمة أعماله ستصبح بملايين الدولارات، رغم أنه كان يشتري طعامه بلوحة، ويدفع إيجار بيته بأخرى، وها هو الآن فعلياً أيقونة هولندا، رغم وجود فنانين آخرين لا يقلون عنه أهمية، ورغم أنه مات في السابعة والثلاثين من عمره. المسألة بالنسبة لي أن أستطيع أن أجعل العالم أجمل، وأن أُحدث تغييراً إيجابياً فيما حولي، أن أمضي بعد حين، وقد تركت وردة في البستان.مجموعة مقالات
• على ماذا تشتغلين حاليا؟- أشتغل على أشياء عديدة، منها رواية، ومنها مجموعة مقالات ساخرة أضحت جاهزة للطباعة، تحت عنوان "نزهة الدهشة مع كائنات تعاني النفشة".لبنى ياسين ضمن أهم 100 كاتب في العالم
لبنى ياسين كاتبة صحافية وروائية وفنانة تشكيلية سورية تقيم في هولندا، وهي عضو اتحاد الكُتاب العرب في سورية، وعضو فخري بجمعية الكاتبات المصريات، وكاتبة ضمن أهم 100 كاتب في العالم، وفقاً لمنظمة الصحافة العالمية. فازت بالجائزة الأولى للقصة القصيرة لأدب المهجر في مسابقة الهجرة بهولندا، والتي تقام للأدب المهاجر إلى جانب الأدب الهولندي 2014. وشاركت في "بينالي الصين بكين" 2014- 2015-2017، معرض عالمي للفنون التشكيلية GIAF في كوريا سيئول عام 2013. وشاركت في معرض تشكيلي بفلسطين "كفر قرع" للفن التشكيلي 2013. وشاركت في معرض عالمي للفنون التشكيلية سنوي GIAF في كوريا سيئول 2012.ومن إصداراتها: سيراً على أقدام نازفة، أنثى في قفص، ثقب في صدري- مجموعات قصصية، تراتيل الناي والشغف- مجموعة شعرية، رجل المرايا المهشمة- رواية، شارب زوجتي– مقالات ساخرة، ضد التيار- مجموعة قصصية، ونالت عنها العضوية الفخرية للكاتبات المصريات، وهي المبادرة الأولى للجمعية في إعطاء العضوية لكاتبة غير مصرية.