قرأ مؤلف كتاب "عالم إدارة الأعمال" يوسف مالك جليدان كتباً ودراساتٍ مستفيضة عن التّسويق والنشاطات التجاريَّة وإدارة الأعمال، وهي في معظمها كتب أكاديميّة غزيرة بالمعلومات القيّمة، لكنّها لا توضّح طرائق تطبيقها، ولا تشكّل حلقات وصل مع الخبرات المكتسبة من أرض الواقع، لذلك حرص ألّا يكون عمله مجرّد سرد لمعلومات أكاديميّة، إنّما تطبيق مفيد للجميع.وتناول المؤلّف في كتابه كلّ ما يتعلّق بالميدان التّجاريّ من تساؤلات بأسلوب شيّق وطرح غنيّ بالمعلومات والتفاصيل الممتعة، ورتّب فصوله بخطوات تدريجيَّة، مستخدماً الكثير من القصص الواقعيَّة، والأمثلة التّصويريَّة لتطبيق المفاهيم بصورة عمليَّة وتقريبها من ذهن القارئ.
ثمّة أمر مهم ينبغي أن ينتبه إليه كلّ طموح، وهو أنّ هناك طرائق صحيحة ومعينة لإنجاز أيّ عمل بنجاح، ومن دون هدر للوقت وإيجاد الطريقة المثلى والتعرّف إليها يتطلّب الخبرة المعرفة والممارسة المدعومة بالتّجارب والدروس والعِبَر، وكلّها تتضمَّن قصص النّجاح والفشل معاً.وإنّ التّصميم والعزيمة لا يكفيان، بل على كلّ منّا أن يعرف الوسائل والمنهجيات السليمة التي بها يحقّق بها أهدافه، وفي الكثير من الأحيان لا يُحقّق النّجاح بسرعة، ولكن بالإمكان اختصار الطريق، وتبديد أسباب الفشل بالتعلّم من تجارب الغير التي تتلخّص في المعارف والمبادئ التي أدت إلى إنجاح أعمالهم التّجاريّة.كما ان الصعوبات والعراقيل التي تواجهنا وتهدم روح المثابرة والعزيمة لدينا كثيرة، خصوصاً الرهبة من البَدء بمشروع جديد والتّفكير باحتمالات الخسارة، لكنّ هذه المعوقات ستظلّ موجودة اليوم وغداً وإلى الأبد، ولا سبيل إلى تخطّيها والتغلّب عليها إلّا من خلال مواجهتها مباشرة بالمعارف الضرورية ومعرفة الممارسات التطبيقيّة الصحيحة النابعة من تجارب الواقع.وكثيرة هي الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن كلّ مَن يريد البَدء بمشروع أو نشاط تجاريّ مثل: كيف أُقرّر المجال التّجاريّ الذي سأعمل فيه؟ كيف أُصبح مختلفاً عن المنافسين؟ ما الخطوات التي يجب أن أُقدم عليها لكي أحوّل أفكاري إلى واقع تجاريّ؟ كيف أعد خطّة الأعمال أو التّسويق لمشروعي التّجاريّ؟ وغيرها من الأسئلة التي يجيب عنها هذا الكتاب بأسلوب عمليّ واضح.
اختيار النّشاط
ويستهل المؤلّف أبواب كتابه بالعوامل المهمة التي يجب التفكير فيها عند اختيار النّشاط التّجاريّ، فيشرح كيفية تصنيف الأسواق وتجزيئها، وكيف تستهدف بالسلع المناسبة ليتداولها البائعون والمشترون في مكان جغرافيّ معيَّن أو في المحلّات التّجاريّة أو في البورصة أو على الإنترنت، فإذا أردت مثلاً مزاولة نشاطك التجاريّ في سوق السيّارات فينبغي عليك أن تعرف أن سوق السيّارات ينقسم إلى أقسام رئيسية مختلفة، مثل السيّارات الرياضيَّة، والسيّارات الاعتيادية، وسيّارات الاستكشاف، الفخمة منها وغيرها الكثير، ومن ثمّ تختار أن تتخصَّص في الفئة التي تريدها أو أن تعمل فيها.البحث عن فكرة فريدة تكون سبّاقاً فيها لكي تنفرد في أسواق اليوم المكتظة بالمتنافسين وتستحوذ على أرباح طائلة، نعم، لقد فعل ذلك الكثير من المستثمرين حول العالم، والأمثلة عديدة فهناك مثلاً قصّة المنتَج Vitamin water ويعني بكل بساطة ماء الفيتامينات الذي أنتجه شاب عادي يعمل في مصنع للألمنيوم اسمه داريوس بيكوف، فقد أحسّ ذات يوم أنّه مرهق وفي بداية نزلة برد، فما كان منه إلّا أن يفعل كما يفعل مئات الآلاف من الناس، أي شرب الماء المذاب فيه فيتامين ج. حرّك هذا الموضوع عقل داريوس فتساءل لماذا لا يطوّر الماء العادي بإضافة الفيتامينات إليه؟ ولماذا لا يغيّر طعمه بإضافة القليل من نكهة الفاكهة المنعشة؟ وهكذا ولدت فكرة هذا المنتَج في عام 1996، وجعل يطوّرها بالتعاون مع شركة لتعبئة المرطبات وطرحها في الأسواق.شيئاً فشيئاً بدأت منتجات داريوس تلقى رواجاً واسعاً بين المستهلكين، وأصبحت شركته من أهم الشركات إلى أن اشترتها منه شركة كوكاكولا بصفقة قدّرت قيمتها 4 مليارات دولار نقداً.ولتنتقل إلى قصّة ابتكار آخر حدث في المملكة العربيّة السعودية، حيث القهوة العربيَّة رائجة بشكل كبير، وعادةً يشتريها النّاس من المتاجر، حيث يطحن البائع البنّ أمام الزبائن في المتجر، ثمّ يُغلى في البيت مدّة معيّنة ويُضاف إليه الهال والقرنفل والزنجبيل بحسب الرغبة، ولم يكُن في الأسواق أجهزة تحضير القهوة العربيّة المختلفة، كما تفعل شركة "نستلة" وغيرها.ومن هنا وردت الفكرة على خاطر لطيفة الطويل، وأرادت تبسيط صنع القهوة على المستهلكين بكلّ خلطاتها، فقامت بكلّ الأبحاث الضروريَّة لتصميم جهاز دعته "يتوق" كأول دُلّة كهربائيَّة لتحضير القهوة العربيَّة بمختلف المذاقات، وجهَّزت 4 خلطات بالمقادير الصحيحة، وعبّأتها بمغلّفات حديثة تحفظ جودتها مدّة طويلة.ونجحت ماركة "يتوق" نجاحاً باهراً في اختراق سوق آلات القهوة، حيث انعدام منافسيها، فانفردت بإيرادات ماليَّة باهرة.إنّ دخولك إلى عالم التجارة يقتضي، قبل أيّ أمر، معرفة الأسواق والمستهلكين والمنافسين، فامتلاك المعلومات والبيانات الكافية هو الخطوة الأُولى في أيّ مشروع، سواء أكان صغيراً أم كبيراً، لأنّ تحليل هذه المعلومات يعطيك استنتاجات مهمة تنير طريقك وتشدُّك نحو النّجاح.وإنّ زبائنك هم الذين سيستهلكون المادَّةَ التي تتاجر بها، فعليك إذاً التعرُّف إلى صفاتهم أيّ إلى جنسهم، وإلى أيّ شريحة اجتماعيَّة ينتمون، وإلى حاجاتهم ثمّ تنطلق إلى مواصفاتهم العمريَّة، وإذا كانوا ذكوراً أم إناثاً، وإلى تطلّعاتهم وأهدافهم، وما العوامل الجاذبة التي ترغّبهم في شراء المنتَج.كما قرأ المؤلّف كثيراً من كتب التّسويق وإدارة الأعمال، وهي في معظمها كتب أكاديمية قيمة غزيرة بالمعلومات ولكنّها لا توضح طرائق تطبيقها، أمّا فصول كتابه التي تتناول مختلف الميادين في النّشاطات التّجاريَّة فهي بمنزلة استعراض عمليّ لسنوات خبرته في هذا المجال، وهذا ما يميّزه عن سائر كتب إدارة الأعمال.