«أم كارون»
كنت ولا أزال أعشق المسلسلات العربية ذات الطابع الفنتازي أو التاريخي، لكن ولأكثر من 15 سنة لم أتابع أي مسلسل عربي بشكل عام أو حتى كويتي بشكل خاص، والأسباب تعود لتغيير الأولويات وضيق الوقت الذي لطالما يصبح أثمن شيء لدى الإنسان، ولأسباب أخرى، وفي الواقع آخرها فرض الحظر الكلي، حيث قررت في هذا العام خلال شهر رمضان المبارك أن أتابع مسلسل "أم هارون" الذي أشغل الناس جميعاﹰ حتى قبل عرضه على الشاشة، وأشدد الحرص على التوضيح بأن الرأي المطروح هو من وجهة نظري الشخصية كمشاهد! فلا ناقة! لي بالانتقاد الفني ولا جمل... ولا حتى بعير!في يوم عرض الحلقة الأولى من "أم هارون" وقبل أن يعرض المسلسل، كسب المسلسل شهرة غير مسبوقة، ذلك لما يمثل موضوع اليهود في الكويت أو الخليج من أمر حساس ونقطة مفصلية في التاريخ الحديث المعاصر، وذلك رغم نشر عدد من الكتب والروايات في هذا الموضوع في السنوات الأخيرة. ومن متابعتي للمسلسل، كما فعل الكثيرون في الكويت، استشففت نبذ الصهيونية وكيف كانت لتلك الحركة الملعونة من وُبُل على المجتمع المصور في العمل الدرامي، بل كيف كانت نظرة اليهود انقسامية لها، فقد كانت زوجة الحاخام تنتقد الصهيونية في كل حلقة تقريباﹰ وأفعال زوج ابنتها الذي جسد دوره الفنان نواف نجم بتمكن وﺇتقان، وكيف كان مخدوعا بتلك الحركة في بادئ الأمر، والتي جعلته يخسر أسرته الصغيرة. حتى حين ذهب ﺇلى فلسطين المحتلة ليأخذ منزلا من أصحابه، أصبح ناقماﹰ نادماﹰ على فعلته ولا يطيق العيش فيه.
ولست أتطرق هنا عن مسألة التطبيع والتعايش مع اليهود وما يصبو أو يرنو إليه مؤلفو العمل، فلست أنا شخصيا ممن يقتحم ويتكلم في النوايا الخفية أو المؤامرة الشعبوية التي تهدف ﺇلى تخفيف حدة النظرة ﺇلى وجود اليهود بيننا، فالمشكلة كانت في أن الاهتمام بالمسلسل اختلطت فيه أنباء كورونا حتى أصبح في الواقع "أم كارون" هو الاسم الأنسب للمسلسل من واقع الظروف الاستثنائية. فقد انشغل الشعب مع أنباء مسلسل، بلا شك هو يوثق حقبة مهمة وحقيقية في تاريخ الشعوب في إطار قصة اجتماعية درامية، ولكن لم ينشغلوا في التكاتف والتعاون في مواجهة وباء حل على البلاد، لم ينشغل الناس (على الأقل) بالحد الكافي بفعالية مؤسسات القطاع العام وكيفية ﺇنقاذها للمجتمع الكويتي من جشع رأس مالي شاهدناه في تراص المتسوقين على الأسواق السلعية، رامين خلفهم توصيات الصحة العامة. ففي اليوم الذي سبق الحظر الكلي بالكويت، ذهبت شخصيا ﺇلى مستوصف المنطقة، لأرى السوق المحاذي له أشبه بمرتع لكورونا ﺇن صح التعبير، وهنا أتساءل ﺇن كان المنظمون على دراية بتوصيات وقرارات وزارة الصحة أم لا، أم أن الدرهم والدينار أهم من صحة هؤلاء المتراصين على كيس الخبز أو أسطوانة غاز؟ قبل الختام تجب الإشادة والثناء على أداء الفنان عبدالمحسن النمر الذي تقمص دور الحاخام بحبه لجمع المال وعمله بالتجارة، وكيف فقد لب عقله حين سرقت أمواله ذات يوم، فقد مثل لي هذا "الحاخام" في طمعه وجشعه، شكل بعض التجار في السوق، وإن اختلف معهم بالزلوف! كان الدرهم والدينار نصب عينه، في حين كان كل أهل "الفريج" يتكاتفون ويتعاونون في التصدي للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية بشكل متشارك وتعاوني جميل، فقد كشف مسلسل "أم كارون" جشع التاجر في ظل أزمة أو مشكلة، داخل العالم الافتراضي للمسلسل أو عالمنا الذي حل به كورونا.