سلطة مطلقة
أعتقد أن طبيعتنا كبشر أن نستهوي أن يكون لدينا القدرة على التحكم بالآخرين، نعم قد يتفاوت البشر في هذا الأمر وقد يكون الأمر في درجته الدنيا عند البعض والدرجة الأعلى عند البعض الآخر، إلا أنه يوجد في كل الناس حسبما أعتقد.فعلى سبيل المثال أو النموذج في نطاقه الأبسط فإننا كأشخاص نحب أن نكون المرجع لغيرنا في الأمور التي نفقه بها (رياضة- علوم- موضة- ثقافة- سياسة- هندسة- وأي مجال آخر) هناك لذة بأن يكون لنا رأي يأخذه الناس، بل يلجؤون إليه ويعتنقونه لا لشيء بل لمجرد أننا مختصون في أمر هم لا يفقهون فيه، وأحيانا يكون رأي المختص غير سليم وغير واقعي ولكنه يملك امتيازاً بأنه يحمل شهادة رسمية أو اجتماعية في مجال معين.لنأخذ رجال الدين كمثال أو بعضهم كي نتجنب التعميم، إن حاجة الناس لرجل الدين يفترض أن تقتصر على بعض المسائل الأساسية المتعلقة بعباداتهم وممارسة الشعائر بشكلها السليم إن التبس عليهم أمر ما "وأنا هنا لا أخص ديناً بعينه أو مذهبا بعينه"، إلا أن بعض رجال الدين لا يكتفون بهذا الأمر ويسعون جاهدين إلى أن يكونوا هم أصحاب الرأي الأساسي حتى في الأمور التي لا تعنيهم، وليست ضمن نطاق أو حدود معرفتهم، فيسبغون على مختلف الأمور جانباً دينياً كي لا ينصرف الناس عن مشورتهم والأخذ بكلامهم، والقضية ليست مقتصرة على بعض رجال الدين فحسب بل في مختلف المجالات والتخصصات.
اليوم ومع هذه الجائحة الصحية العالمية توجهت الأنظار للرأي الطبي والصحي حول العالم بشكل كبير وغير مسبوق على الإطلاق، وعلى ما يبدو أن هذه الأهمية التي أولاها العالم للرأي الطبي والصحي جعلت بعض المختصين في هذا المجال يستلذون بمثل هذا الزخم والاهتمام الممنوح لهم، وهم يحاولون قدر المستطاع مد أمد هذا الاهتمام بهم حتى إن لم تكن لنا حاجة به.وهو الأمر الذي ألمسه عالميا ومحلياً أيضاً، فالسلطة المطلقة تستهوي الناس وسيحاول بعضهم عدم التنازل عن هذه السلطة قدر المستطاع، بل قد تقود أيضا لقرارات وإجراءات غير قويمة أو لا مبرر لها بغرض استمرار سلطتهم، والحل هنا يجب أن يكون حازما بألا سلطة مطلقة لأحد، وكل القرارات والإجراءات يتعين أن تدرس من مختلف الجوانب دون أن يكون الرأي لجهة واحدة دون غيرها، وإلا فإن الجائحة لن تنتهِ حتى إن انتهت فعليا.لنعد تقييم ما يجري ولا نقدس رأي أحد حتى لا نقع في خطيئة تسليم الأمور بشكل أعمى لأي سلطة.