الصين تفسد أي اتفاق في غرب البلقان!
بدأ الحوار بين كوسوفو وصربيا منذ عام 2011 وهو مستمر بوتيرة متقطعة، بتشجيعٍ من الاتحاد الأوروبي، يشكّل هذا الحوار سلسلة من المفاوضات التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين، أبدت إدارة ترامب اهتمامها بذلك الحوار وشاركت فيه بطريقة فاعلة وعيّنت ريتشارد غرينيل كمبعوث خاص لها إلى المفاوضات في أكتوبر الماضي.تُعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أنشط اللاعبين في هذه العملية من خارج غرب البلقان، أما الصين، فهي غائبة عنها بالكامل، إنه وضع مفاجئ لأن الصين أصبحت في السنوات الأخيرة من أهم اللاعبين الخارجيين في غرب البلقان، قامت بكين باستثمارات كبرى في هذه المنطقة كجزءٍ من "مبادرة الحزام والطريق".في عام 2009، أعلن رئيس صربيا السابق بوريس تاديتش أن الصين تشكّل "رابع ركيزة" للسياسة الخارجية الصربية، إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا.
زادت قوة العلاقات الصربية الصينية منذ ذلك الحين، واتّضح هذا التقارب حديثاً عبر الضجة التي أحدثها العاملون الصينيون والمساعدات الطبية الصينية عند وصولهم إلى بلغراد لمساعدة صربيا على التعامل مع وباء "كوفيد-19"، ثم وُضِعت لوحة إعلانات في وسط بلغراد وحملت صورة الرئيس الصيني شي جين بينغ مع عبارة "شكراً أخي شي" باللغتين الصربية والصينية.ترسّخت العلاقة الصينية الصربية أيضاً بفضل سياسة مشتركة مبنية على عدم الاعتراف باستقلال كوسوفو، ومن وجهة نظر صربيا، لا تزال كوسوفو واحدة من محافظاتها، لكن في عام 2008، أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا، وجاء هذا الإعلان بعد عشر سنوات على انتهاء حروب يوغوسلافيا، وقد ارتكبت القوات الصربية خلالها أعمالاً وحشية ضد ألبان كوسوفو. لم تعترف صربيا باستقلال كوسوفو لأنها لم ترغب في خسارة أراضيها، كما أنها تنكر جرائم الحرب المرتكبة على يد القوات الصربية خلال حروب يوغوسلافيا والدور الأساسي الذي تؤديه معركة كوسوفو (1389) في الخرافات القومية الصربية. ثمة دافعان وراء عدم اعتراف الصين باستقلال كوسوفو، هذه السياسة قد تمنع الصين من الاستثمار في كوسوفو، لكن يبدو أن بكين تعتبر هذه المقايضة مهمة للتقرب من الحكومة الصربية، كذلك تخشى الصين أن يصبح اعترافها باستقلال كوسوفو سابقة في الأراضي التي تعتبرها جزءاً منها، على غرار تايوان.من حسن حظ الصين، تمكنت سياسة عدم الاعتراف باستقلال كوسوفو من تحقيق هدفين على مستوى السياسة الخارجية، فتقربت من أهم حليف لها في غرب البلقان ودافعت في الوقت نفسه عن سيادة أراضيها بالاتكال على عملائها، لكن قد يؤدي أي اتفاق يتم التفاوض عليه بنجاح بين كوسوفو وصربيا إلى تصادم هذه المصالح المتناسقة.أطلق الاتحاد الأوروبي هذه المفاوضات في المقام الأول لتطبيق سياسة الاعتراف المتبادل بين البلدين، بما أن صربيا مرشحة للانتساب إلى الاتحاد وأصبحت كوسوفو مرشحة محتملة أيضاً، لا يمكن أن يصبح أي بلد عضواً في الاتحاد الأوروبي من دون أن يعترف بسيادة جميع الدول الأعضاء الأخرى، وإذا نجحت المفاوضات بين كوسوفو وصربيا وحققت هدفها الأصلي، فستعترف صربيا في نهاية المطاف بكوسوفو كدولة سيّدة ومستقلة.ستكون هذه النتيجة كفيلة بتعقيد استراتيجية الصين في البلقان وقد تجبرها على تقييم تداعيات سياستها في كوسوفو بطريقة غير مسبوقة، وإذا حصل ذلك وأصرّت الصين على عدم الاعتراف باستقلال كوسوفو، فستجازف بتهميش أهم شريكة لها في هذه المنطقة المحورية وإضعاف طموحاتها الجيوستراتيجية، لكن إذا غيّرت سياستها واعترفت بكوسوفو، فقد تزيد جرأة المعسكر الذي يحمل مشاعر معادية لبكين ومؤيدة للاستقلال في أماكن مثل تايوان.من وجهة نظر الصين، تتعلق أفضل نتيجة بانهيار الحوار بين كوسوفو وصربيا واستمرار وضع المراوحة.* «أوستن دوهلر »