لحظة انخلاع العقل من الدوغمائيات
التفكير خارج الصندوق هو الحكمة في أنقى صورها، هو الخير كل الخير، يقول الحكيم جلَّ في علاه "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ".إنه الصندوق المصنوع من الدوغمائيات (الاعتقادية التسليمية) الناعسة في العقل الظاهر والباطن، ما أوحشه من صندوق، إنه أحيانا يكون أوحش من التابوت، إذ يورث موتا ودمارا ناهيك عن أنه يجذِّر الأوهام والأخطاء التي تشل العقل وتوقعه في حيرة فيتوه في منعرجات اَلتَّهَيُّؤَات والدوغمائيات المُهلكة للعلم والحياة. فإذا توطَّنت الدوغمائيات والتوهمات في الواقع، وأصبحت في حضانة وحماية مؤسسات وقوانين وأوضاع وسلطات كان الأمر أوحش وأشرس ربما لا يفيد معه إلا الجوائح والانتقام الإلهي المدمر.
كل هذه المعاني مجتمعة هَجَمَتني حين قرأت مقال الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح الذي صاغه في ظل جائحة كورونا التي لم تُخمِد جذوة حماسته للمشروع، بل زادتها اتقاداً، ويذكرني ذلك باهتمام نابليون أثناء أضخم حملاته التي قادته لروسيا بتخطيط الإنارة في شوارع باريس. فهذا الرجل لا شك أنه عقليا ونفسيا خارج الصندوق بامتلائه بالإيمان بما يستهدفه من مشروع تحدث في مقابلات تلفزيونية عن أدق تفاصيله باقتدار، ذلك المشروع الذي يصعد بالكويت إلى مصاف الدول المتقدمة، والأهم نشاطه أطال الله في عمره ومساعيه التي لم تُبطِئ بها ظروفه وصحته.إنه تجسيد لرؤية صاحب السمو، حفظه الله ورعاه، للكويت سنة ٢٠٣٥ المشروع الذي يحقق تنويع مصادر الدخل فهو يحتضن الميناء الدولي الضخم وخطوط الاتصال والنقل عبر سكك القطارات التي تربط دول الخليج، وتمتد الى إيران والعراق وتركيا ومنها إلى دول أوروبا، ويشتبك عبر زراعة المراكز المالية وإقامة المشاريع التجارية، والترفيهية، والإسكانية، والثقافية، والتعليمية، والطبية مع احتياجات دول ذات كثافة سكانية عالية في إيران والعراق ليقدم لهم أرقى الخدمات في هذه المجالات وفق أحدث الخبرات العالمية، فتحل المصالح محل العداوات... مع بيئة مؤسسية وإدارية وقانونية مستقلة ومتحررة من البيروقراطية ومغرية للاستثمار وجاذبة للمستثمرين، فضلاً عن توفير ٤٠٠ ألف وظيفة وتهيئة ظروف العيش والسكن في هذه المنطقة للمستثمرين والعاملين المؤهلين، مما يعني نفي العمالة غير المنتجة وتوفير الحماية من قبل دول العالم التي ستستثمر وتوطِّن مواطنيها المميزين وأموالها ومصالحها في هذه المنطقة، فتتوافر معه ضمانات الاستقرار الدائم والحماية الصلبة للكويت.لا شك أن الشيخ ناصر صباح الأحمد عجن مصيره بهذا الحلم، بل عجن مصير الكويت به، إذ إن النفط إلى زوال، وها هي الأسعار تتهاوى وتصل إلى مستويات لا تغطي إيراداتها باب الرواتب والدعوم التي تحتل ما نسبته ٧٥٪ من حجم الموازنة، إنه، أطال الله عمره، يقرع الأجراس، ولكن لمن تقرع الأجراس؟