صورة لها تاريخ : عَريب ثم قَطَن ثم جِيدان تعاقبوا على حكم حِمير بعد زهير بن أيمن بن الهَميْسَع
في حديثنا عن ملوك حمير، الذين تحدث عنهم نشوان الحميري في قصيدته الرائعة قبل أكثر من ثمانية قرون، وصلنا إلى الملك زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن قحطان. وقد تسلّم حكم مملكة حمير بعد زهير ابنه عَرِيب، ومن بعد عريب ابنه قَطَن، ومن بعد قطن ابنه جيدان. يقول نشوان في قصيدته:أين الهَمَيْسَعُ ثم أيمن بعـــــدَه
وزُهيرُ مُلكٍ زاهرٍ وضّاحِفي عصره هلَكت ثمودُ بناقةٍ لَقِيَتْ بها ترَحاً من الأتراحِوعَرِيبُ أو قَطَنٌ وجِيدانٌ معاً أضحوا كأنهمُ نوى وضّاحِوقد ورد في بعض الروايات التاريخية أنه عندما بلغ عريب من العمر شيئاً كثيراً أوصى أبناءه، وهم صناجة وجيادة وأبرهة وقطن، بالكرم والإكثار من النسل وبالعدل في الحكم، قائلاً إن الكرم متصل بالسؤدد، والعدد متصل بالعز، والعدل متصل بالطاعة. ثم أوصى بالحكم لابنه قطن، وطلب من بقية الأبناء السمع والطاعة لأخيهم قطن. وفعلاً تولى قطن الحكم وسار على نهج والده عريب، والتزم بوصيته وكان ساعده الأيمن الأزد بن الغوث، الذي كان أميناً ومخلصاً له. وساعد الأزد في إدارة المملكة ابنه مازن، الذي وصل في انتصاراته إلى الشّحْر وعُمان وتوطن فيهما. ومن بعد مازن تملَّك عُمانَ الجُلندى بن المكبر بن مسعود. يقول أحد المؤرخين إنه لما تولى قطن الحكم أظهر العدل وأكرم الناس، وحكم بالعدل بين شعبه وقمع السفيه وأَمَّن السبيل وأحسن إلى الغريب وتواصل مع ملوك الأعاجم. وعندما دنت المنية من قطن خاطب ابنه جيدان بهذه الأبيات:أُوصّيك يا جيدانُ فاحفظ وصيّتي ولا نُصح أولى من نصيحة والدِتَفقّدْ بني الأعمام وارْيِش نِبالَهم فهنّ خبيّاتٌ لإحدى الشدائدِولا ترفعنْ بعضاً على البعض إثرةً فتُلفيهمُ ما بين طاغٍ وحاقدِوأُمّ جميع الناس بالعدل لا تَدَعْ لهم فيه شكوى مشتكٍ نحو حاسدِوأمّنْ سبيل الناس واقْمع سفيههم ولا تكُ في وصل الملوك بزاهدِهذه كانت وصية قطن لابنه جيدان، الذي تولى الحكم بعد أبيه، والتزم جيدان بالوصية وسار على نفس المنهج، ولكنه تخلى عن الحكم لابنه الغوث، وتبع "ذا القرنين" لمعرفته بفضله ورغبته في المسير معه، طبقاً لإحدى الروايات. أما الغوث فقد كان ملكاً عظيماً، واستمر مدة طويلة، ويقول بعض المؤرخين إن الغوث كان من أحسن الملوك سيرة وأكثرهم حرصاً على الالتزام بوصايا أجداده. وتزوج الغوث ابنة ذي القرنين، وتدعى "أم البنين"، وأنجب منها "وائل"، الذي سنتحدث عنه في مقال قادم إن شاء الله تعالى.