على ماذا يراهن نتنياهو؟
ما من شك في أن ما يخطط نتنياهو وحكومته لتنفيذه في بداية شهر يوليو من ضم وتهويد لمعظم أراضي الضفة الغربية، هو أخطر تحد يواجه الشعب الفلسطيني منذ وقوع النكبة قبل اثنين وسبعين عاما.ورغم معرفة نتنياهو الأكيدة لما تمثله هذه المخططات من خرق فج وواضح ووقح للقانون الدولي، وما تعنيه من تكريس لنظام أبارتهايد وتمييز عنصري هو الأسوأ في تاريخ البشرية، فإنه يمعن في تصريحاته التي تؤكد نواياه، ولا يخفي أبدا أهدافه، بما في ذلك تصريحه بأنه سيضم الأرض دون سكانها، مما يعني بالإضافة إلى تكريس منظومة الأبارتهايد، أنه يخطط أيضا لتطهير عرقي جديد.ولا يُعير نتنياهو انتباها للاحتجاجات الدولية والعربية، ولا للرفض الفلسطيني المطلق لمخططاته، وكي نستطيع أن نواجه مخططه لا بد أن نفهم على ماذا يراهن؟
إنه يراهن أولا على الدعم الأميركي المطلق لمخططاته تحت عنوان صفقة القرن، ويراهن على أن يقتصر رد الفعل الدولي، بما في ذلك الأوروبي، على بيانات الإدانة والاستنكار والاحتجاج، دون أن يرتقي إلى مستوى فرض العقوبات السياسية والاقتصادية أو حتى التلويح بها، ويراهن على ضعف الوضع العربي، وانشغال العرب بصراعاتهم الإقليمية، وعلى استعداد أطراف خارجة على القيم العربية والإسلامية والإنسانية، للتطبيع معه، ويراهن على أن غالبية اليهود الإسرائيليين يؤيدون مخططات الضم والتهويد، بمن في ذلك الصهاينة الجالسون داخل حكومته، وأولئك الجالسون خارجها في مقاعد المعارضة. ويراهن على أن وقف التنسيق الأمني والتحلل من الاتفاقيات الذي أعلنته السلطة الفلسطينية سيكون جزئياً، أو مؤقتاً، أو عابراً، ويراهن على أن العالم والعرب والفلسطينيين سيبتلعون جريمة الضم الكبرى، ويتعايشون مع الواقع الجديد، غير أن أكثر ما يراهن عليه نتنياهو هو استمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني، الذي يعطل قدرة الفلسطينيين على وضع وتنفيذ استراتيجية موحدة، بقيادة موحدة، تستطيع أن تغير توازن القوى المختل لمصلحة إسرائيل.ومن المؤكد أن معظم ردود الأفعال العربية والدولية تعتمد إلى حد كبير على شدة رد الفعل الفلسطيني، بما في ذلك فرص فرض العقوبات والمقاطعة على إسرائيل وإلغاء الاتفاقيات معها، بما يردع نتنياهو ويجبره على التراجع، ولا شيء سيؤثر فورا في المحيط العربي والدولي وفي إسرائيل نفسها، مثل لقاء كل القادة الفلسطينيين وإعلانهم إنهاء الانقسام وتشكيل قيادة وطنية موحدة في مواجهة المخطط الإسرائيلي.لم يبق شيء ذو قيمة من الاتفاقيات الإسرائيلية– الفلسطينية السابقة، أو من المراهنة على مفاوضات مع حكومة إسرائيل، ولا توجد في معادلات القوة القائمة حاليا أي فرصة أو فائدة للقاء الرباعية، أو لمؤتمر دولي للسلام، فهذه جميعها أدوات لمرحلة انتهت، وقبرتها صفقة القرن وقرار إسرائيل المباشرة بالضم والتهويد.الوقت ينفد بسرعة، والأمر الذي نملكه بأيدينا ولا يستطيع أحد سلبه منا هو إنهاء الانقسام فورا، وتوحيد كل القوى، وإعلان خطة جماعية لمقاومة مخطط نتنياهو، ومطالبة العرب والعالم بفرض العقوبات والمقاطعة عليه. * د. مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية