أمامي خمسة أعمال تتناول دراسات مستقبلية تختص بحالة الكويت، على الورق كلام جميل وتشخيص محكم، لو تم الأخذ به ربما لكانت البلاد تجاوزت الكثير من الأزمات التي تعانيها، لكنها استفحلت وتجذرت بحيث صار الحل مكلفا ومعقدا. ظاهرياً يتراءى لك أن العرب عموماً ليسوا بعيدين عن علوم المستقبل ودراساته بدليل بعض المشتغلين من الفقهاء المسلمين في هذا الحقل يسمون أنفسهم "الأرايتيين" أي أن الخطوة الأولى في طريق البحث تبدأ بـ"أرأيت لو حدث كذا"، والحقيقة أننا نعيش حالة فقر ليس بهذا النمط من التفكير بل بالعمل وفق مرئياته.
يحضرني الآن اسم الدكتور عبدالعزيز صقر أحد أبرز المهتمين بعلوم المستقبليات وصاحب مركز متخصص له باع طويل في هذا الشأن وبكتاب "الكويت وتحديات القرن الحادي والعشرين– رؤية استراتيجية"، والصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية، استهدف استشراق المستقبل، وكشف ما يمكن أن يواجه الكويت من تحديات، خلصت الدراسة إلى وضع سبع توصيات: الأولى: ضرورة ضبط العمالة الوافدة بنسبة 1% سنوياً وبما يحقق الإحلال التدريجي مع الاحتفاظ بنحو 50 ألفا فقط كضرورة ملحة. والثانية: حتمية ضبط النمو السكاني للكويتيين وترشيده في إطار سيناريوهين: الأول، ضبط للمستقبل في حال وصل العدد إلى 3.4 ملايين نسمة، والثاني، في حال وصل إلى 2.1 مليون نسمة مقارنة بـ15 مليون المتوقع على ضوء استمرارية معدل النمو الحالي. والتوصية الثالثة: تطوير مصادر بديلة للطاقة.والرابعة: تشجيع الإسكان المتعدد الطوابق.والخامسة: استخدام الآليات السليمة بيئياً أثناء التخلص من النفايات الصلبة.والسادسة: ضبط السلوك الاستهلاكي.والأخيرة: دعم صندوق الأجيال القادمة واستثماره. قبل هذا كان هناك كتاب آخر بعنوان "مجتمع النخبة المترفة... الواقع والوهم" للدكتور عبدالرسول الموسى، والدكتور كيث ماكلاكلن. فكرة الكتاب تقوم على محاولة التعرف على الأسباب التي منعت المجتمع الكويتي من الاستفادة من تجاربه السابقة والقاسية وفي ظروف صعبة للغاية من بناء دولته التي بناها بإمكانات عندما فتح الأبواب وبلا حدود واستعان بقوى عاملة من الخارج. خيبة أمل واجهت الكاتبين من ذلك الاستنتاج مما جعل المجتمع يفقد خصائصه، انتهى بهما الأمر لإطلاق الصرخة الأخيرة "إذا أراد المجتمع أن يأخذ بعين الاعتبار قضية النوعية في العمل والجودة في الإنتاج والتقليل من الاعتماد على القوى العاملة الأجنبية، فعليه أن يتخلص من الحواجز النفسية التي لازمته طويلا، وتحكمت في تعامله مع أفراده على أساس عائلي أو قبلي أو طائفي ويعتمد على ذاته بديلاً عن العمالة الوافدة". في عام 1975 فكرت السيدة نورية السداني في مستقبل وطنها، وترجمت ذلك بصياغة مشروع يدور حول رؤية الكويت في القرن الحادي والعشرين، وعندما أعلن برنامج عمل الحكومة لرؤية 2035 من خلال ما طرحه صاحب السمو أمير البلاد "فلنجعل تنمية الإنسان الكويتي والانفتاح الاقتصادي هو العنوان الرئيس في مرحلتنا"، أنشأت في عام 2010 مجموعة 20/50 للتنمية المجتمعية، وأقامت ورش عمل من أصحاب الاختصاص بالتعاون مع جمعية المهندسين كان من أبرز التوصيات: تخصيص 1% من المشاريع التي بلغت تكاليفها 37 مليار دينار لصندوق الطبقة الوسطى، بهدف تعزيز المكانة الاقتصادية لها، وقيامها بدور الحامية والمدافعة والمعززة لبرامج الحكومة كي نتمكن من انعكاس تلك المبالغ على رفاهية الأسرة الكويتية، والمحافظة على الطبقة الوسطى من الانهيار. إذا ما رجعنا إلى الوراء فسنحظى بمحاولة جريئة استشعرت الحاجة لوجود خطة متكاملة تحاكي المستقبل الواعد أقدم عليها سنة 1952 يعقوب يوسف الحمد، رسم فيها مشروع بناء الدولة، وهو على مقاعد الدراسة، وأصدر دراسته في كتاب تحت عنوان "ماذا نريد من حكومة الكويت"، حذر من الاعتماد على مصدر واحد وهو النفط، ودعا إلى استثمار ما تحصل عليه في مشاريع بعيدة المدى وبوجود حكومة قوية تدير مشاريع الخدمات والأعمال مزودة بالخبراء والفنيين والموظفين المدربين، على أن يكون الشعار هو الاستثمار لا الصرف، شرط أن يتزامن مع مشاريع بناء موانئ جديدة أو طرق ومدن نموذجية. وقبل ظهور توني بلير ومشاريعه أقدم الدكتور سالم الطحيح على محاولة جادة عام 1980 عندما جمع عشرات الأكاديميين وأصحاب الخبرات وذوي الاختصاص لتقديم رؤى ذات طابع استشرافي ونجح في ذلك. الواقع أن هناك "وفرة" بتقديم رؤى لكويت المستقبل، وأحدثها شمولية رؤية 2035 لكن المشكلة تكمن بعدم الأخذ بها وتطبيقها على الأرض والالتزام بها.
مقالات
أين الكويت من دراسات علوم المستقبل؟
31-05-2020