مع اتخاذ مؤشر العنف والنهب في مختلف الولايات الأميركية أشكالاً غير مسبوقة ومنافسة الاحتجاجات العرقية المستمرة منذ 6 أيام التظاهرات التاريخية للحقوق المدنية وحرب فيتنام، كثف الرئيس دونالد ترامب ضغوطه على مختلف الصعد من أجل إعادة النظام واستعادة الهدوء، خصوصاً مع وصول المواجهات إلى البيت الأبيض.وفي حين عبأت وزارة الدفاع 5 آلاف عنصر وجهزت ألفين آخرين احتياطياً، جرى نشر قوات الحرس الوطني في 15 ولاية أميركية وواشنطن العاصمة مع حلول الظلام في المدن الكبرى التي لا تزال تترنح بسبب ست ليال من العنف والدمار خلفتها الاحتجاجات على مقتل المواطن الأسود جورج فلويد خنقاً أثناء احتجازه من الشرطي الأبيض ديريك شوفين في منيابوليس بولاية مينسيوتا.
وقدم ترامب "التهاني للحرس الوطني على عمله الرائع فور وصوله إلى مينيابوليس" مهد الحركة الاحتجاجية، مؤكداً أنه "يجب الاستعانة بهم في ولايات أخرى قبل فوات الأوان".وبعد انتشار تسجيل مصور في فيلادلفيا لشباب يحطمون عدداً من سيارات الشرطة وينهبون متجراً، كتب ترامب، في تغريدة أمس الأول، "القانون والنظام في فيلادلفيا، الآن! إنهم ينهبون المحال التجارية. استدعوا حرسنا الوطني العظيم". ونشر إثر ذلك عدداً من التغريدات ضد خصومه السياسيين، وألقى باللوم على الجماعات اليسارية.وفي خضم حملة رئاسية استقطابية والأوامر الصارمة بالبقاء في المنزل خلال جائحة فيروس كورونا الذي خلف ملايين العاطلين عن العمل، استغل ترامب رفض النخبة السياسية تداعيات خروج التظاهرات عن مسارها السلمي وتهديدها للأمن، واتهم في معرض تغريداته المتعددة المسؤولين المنتخبين المحليين بالتساهل، داعياً حكام الولايات ورؤساء البلديات للتعامل بشكل أكثر صرامة لاستعادة النظام وفرض الأمن.وفي وقت سابق، شدد ترامب على أن الحكومة الاتحادية ستدخل وتفعل ما يجب القيام به، مشيراً إلى أن الجيش جاهز وبإمكانه التدخل سريعاً واستخدام القوة غير المحدودة لمواجهة الاحتجاجات ضد الشرطة وإلقاء القبض على مسيري الشغب "اليساريين الراديكاليين" وفي مقدمتهم عناصر حركة "أنتيفا" المناهضة للفاشية، التي اتهمها بتأجيج الكراهية ونشر الفوضى وقرر إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية المحلية.ولاحقاً، اعتبر مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين أن إدارة ترامب لن تستعين بسلطتها الاتحادية لتعزيز الحرس الوطني في الوقت الحالي، مشيراً إلى أنه "إذا استلزم الأمر، فإن هناك قوات عسكرية إضافية يمكن إرسالها إذا كان حكام الولايات ورؤساء البلديات بحاجة إليها وخرجت الأوضاع عن سيطرتهم".
فوضى وحظر
وفي الوقت الذي تكافح فيه الولايات المتحدة لاحتواء الاحتجاجات الفوضوية على التمييز العرقي وأساليب الشرطة، فرضت السلطات حظر التجول على عشرات المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وهو أكبر عدد منذ عام 1968 في أعقاب اغتيال مارتن لوثر كينغ الابن، الذي حدث أيضا خلال حملة انتخابات رئاسية ووسط اضطرابات المظاهرات المناهضة للحرب.ولليوم السادس على التوالي، دارت مواجهات في أكثر من عشرين مدينة وشهدت ولاية كاليفورنيا أعمال نهب واخترقت شاحنة مسيرات في منيابوليس واشتبك متظاهرون مع الشرطة في بوسطن وواشنطن العاصمة.وبعد ظهر أمس الأول، اخترقت شاحنة حشداً على الطريق السريع 35 في منيابوليس المغلق أمام حركة المرور. وسحب المتظاهرون السائق وضربوه قبل أن تحتجزه شرطة.وانتشرت عمليات السطو والسرقة في وسط مدينة واشنطن وكذلك في لوس أنجلس وأماكن أخرى حيث استغلت بعض العصابات الاحتجاجات وحولتها إلى عمليات عنف منظمة. واقتحم المتظاهرون فرعاً لبنك "كابيتال بنك"، وشوهدت صناديق مجوهرات فارغة على الرصيف خارج متجر "ميرفيس داياموندز".وفي لوس أنجلس، جرت عمليات نهب كبيرة للمتاجر والمحال في مدينة سانتا مونيكا السياحية الشهيرة، قامت بها عصابات مستغلة الوضع الأمني جراء الاحتجاجات.وأعلنت عمدة شيكاغو لوري لايتفوت أن الحظر الليلي سيظل سارياً "حتى إشعار آخر" وأصدرت أوامرها إلى جنود الحرس الوطني بالمساعدة في إخماد الاضطرابات، مؤكدة أن مثيري أعمال العنف يجب أن "يخجلوا من أنفسهم".وبينما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق حشود تجمّعت خارج البيت الأبيض وهم يهتفون ويشعلون النيران ويحملون لافتات احتجاجيّة، دعا قادة محليون المواطنين للتعبير عن غضبهم بشكل بناء.وزار المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن أمس الأول موقعاً يحتج فيه مناهضون للعنصرية، في ولاية ديلاوير، قائلاً إن الولايات المتحدة "تتألم". وكتب بايدن في تويتر "نحن أمة تتألم الآن، ولكن يجب ألا نسمح لهذا الألم بتدميرنا".وعلى غرار عدة مدن بينها لوس انجليس وهيوستون وشيكاغو وأتلانتا، أعلن رئيس بلديّة العاصمة موريل باوزر فرض حظر التجوّل في واشنطن إثر خروج التظاهرات قرب البيت الأبيض، مؤكداً أنه أمر بنشر الحرس الوطني في المدينة لدعم الشرطة.إلى ذلك، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ما لا يقل عن 5 أشخاص لقوا مصرعهم في الاحتجاجات أغلبهم في مدينتي ديترويت وإنديانابوليس، مبينة أن قوات الأمن أوقفت حتى الآن أكثر من 4400 متظاهر.وقال المتحدث باسم شرطة إنديانابوليس مايكل هيويت إن سبب هذه الوفيات لم يتضح بعد، مضيفاً: "ما من سبيل لربط هذه الوفيات، في الوقت الحالي، بأي نوع من الاحتجاجات أو أي شيء، نحن لا نعرف ما إذا كانت حوادث منفصلة".من جهة ثانية، أعلنت عمدة مدينة أتلانتا كيشا لانس بوتومز فصل ضابطي شرطة ظهرا بمقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يقتربان من سيارة طلاب جامعيين ويحطمون نافذة سائقها ويضربونهم قبل اجتذابهم بعنف منها مساء يوم السبت، واصفة هذا الأمر بأنه "مزعج جدا واستخدام غير مقبول على الإطلاق مفرط للقوة". وفي نيويورك اعتقلت الشرطة 350 شخصاً بينهم ابنة رئيس البلدية بيل دي بلاسيو البالغة من العمر 25 عاماً، وأصيب 30 شرطياً بجروح في اشتباكات. وفي الساحل الغربي، وقعت اشتباكات في بورتلاند بولاية أوريغون حيث أظهرت لقطات تلفزيونية حرائق صغيرة مستعرة فيما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على متظاهرين أطلقوا ألعاباً نارية.