إذا كانت "الدايلي كورانت-Daily Courant" أول صحيفة ورقية إنكليزية صدرت بتاريخ 11 مارس عام 1702، فإن علاقةً جد وطيدة نشأت بين الإنسان والجريدة، وتعوّد بشرٌ كثيرون حول العالم، على بدء صباح يومهم بقراءة الجريدة الورقية، مما أنشأ ودّاً متجدداً بين الإنسان وعالم الجريدة. وإذا كانت سنن الحياة تأخذ حضورها، دون مراعاة لما سبقها، فإن انسحاب الصحف الورقية على استحياء من العالم، كان بمثابة ملمح واضح خلال السنوات القليلة الماضية. لكن، ومع بدء انتشار جائحة كورونا، وما صاحبها من تعطيل لمختلف نواحي الحياة، كان لابدَّ للجرائد الورقية أن تستريح قليلاً، وأن تأخذ الجريدة الإلكترونية مكانها. وهذا ما كان حول العالم.
إن اضطرار الصحف الورقية إلى الاحتجاب بسبب كورونا، ربما كان فرصة سانحة لكثير من إدارات الصحف حول العالم، لرصد تجربة صدورها الإلكتروني، وبالتالي التوقف أمام قرار الاحتجاب الورقي الكلي، والاستمرار على الصدور الإلكتروني، ولسان حال إدارات الصحف يقول: رب ضارة نافعة.إن مشروع أي جريدة في العالم، وبقدر ما يقدم من خدمة إخبارية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ورياضية وغير ذلك، فإنه في نهاية المطاف مشروع إعلامي تجاري بحسابات متعددة، ولابدَّ له من أن يغطي مصاريف إصداره، وأن يحقق هامش ربح لا بأس به. وإذا ما كان نبض القرن العشرين وتالياً الواحد والعشرين، قد أخذ البشرية إلى ثورة المعلومات والاتصال، وقدم وجهاً جديداً للحياة إلى جانب العالم الافتراضي، فإن أحد أهم مميزات هذا العالم الجديد، هو رسم حياة الإنسان ملتصقاً بجهاز الكمبيوتر، وتالياً التلفون الذكي، وكلاهما، وبفضل محركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعي، بات قادراً على تقديم المادة الخبرية طازجة، في وقتها وأينما كانت، وهذا ما أصاب المادة الخبرية بالجريدة في مقتل، ولسان حالها يردد: منْ يقرأ خبراً تكشّف وصار معروفاً؟ وهذا ما انتقل بالجريدة من مهمة نقل الخبر، إلى مهمة التعليق على الخبر وتحليل الآراء من حوله.إن تجربة انسحاب الصحف الورقية في الكويت، وتعويضها بالإصدار الإلكتروني، تبدو ناجحة برأي مجموعة كبيرة من القراء، حيث ابتعدت بالقارئ عن مخاطرة الإصابة بعدوى كورونا، وعلى المستوى الآخر، قدّمت له مادة خبرية تحليلية جيدة ومهمة، سواء كانت محلية أو عربية أو عالمية، مما أخذ البعض إلى تجربة جديدة بمصاحبة الإصدار الإلكتروني والتعود عليه. ولأن الإنسان أسير لما اعتاد عليه، فإن توقعات منظمة الصحة العالمية، والعديد من الجهات الطبية حول العالم، تشير، إذا كانت متفائلة، إلى عودة الحياة الطبيعة مع نهاية العام، وبداية العالم القادم، وبذا تكون الجرائد الإلكترونية قد أثبتت حضورها، ووطدت علاقتها بقرائها، مما يجعل الاستعداد لعودة الصحيفة الورقية عملية محفوفة بالمخاطر، مع تخوف عدد كبير من القراء من العودة إلى الجريدة الورقية، خشية انتقال عدوى كوفيد-19، خصوصاً مع توافر البديل الناجح والآمن.نعم، جائحة كورونا، أرادت ذلك أو لم ترد، أطلقت رصاصة الرحمة بحق الكثير من الجرائد الورقية حول العالم، وقدّمت لأصحاب الجرائد تجربة عملية مهمة، يستطيعون من خلال إصدار حكمهم، سواء في الاستمرار إلكترونياً أو العودة إلى النسخة الورقية، أو إغلاق الجريدة نهائياً. وكورونا على الجهة الأخرى، أخذت الكثير من القراء، وربما على الرغم من إرادتهم، إلى النسخة الإلكترونية من الجرائد، وتالياً بدأ القارئ يتبين قدرته على مصاحبة الجريدة الإلكترونية وأنها قادرة على إشباع نهمه في متابعة الأخبار وقراءة الزوايا التي يحب لكتّابه المفضلين.العالم يتغير، ومعه يتغيّر كل شيء، ومؤكد أن الجريدة الورقية، ستبقى لسنين حاضرة وفاعلة، لكن الصحيح أيضاً أن جائحة كورونا علقت الجرس ولفتت أنظار الكثيرين، إلى جمال وفاعلية الجريدة الإلكترونية. فهل نقول وداعاً للجريدة الورقية؟
توابل - ثقافات
وداعاً للجريدة الورقية
03-06-2020