لا أهمية لاتفاقيات وقف إطلاق النار الأحادية في ميانمار
صدر في ميانمار قرار أحادي الجانب بوقف إطلاق النار عن جيش "تاتماداو" وخليط من الجماعات المسلّحة الإثنية المعروفة باسم "التحالف الشمالي". يُفترض أن تمتد هذه القرارات على أيام كثيرة، فقد أعلنها الفريقان في أوقات مختلفة، لكن تبقى مدة قرارات وقف إطلاق النار المتزامنة (في سبتمبر 2019 ومايو 2020) محدودة وتقتصر على 33 يوماً، لكن حتى خلال فترات وقف إطلاق النار أحادية الجانب، عجز "تاتماداو" و"التحالف الشمالي" عن كبح القتال أو وقفه نهائياً، بل إن المناوشات المتبادلة احتدمت في ولايات "شان" و"تشين" و"راخين".صحيح أن ميانمار تتعامل اليوم مع وباء كورونا العالمي، لكنّ القتال بين "تاتماداو" وجيش "أراكان" في ولايتَي "تشين" و"راخين" مستمر وقد أدى إلى نزوح آلاف الناس حتى الآن، بالإضافة إلى جيش "أراكان"، اشتبك "تاتماداو" مع "اتحاد كارين الوطني" الذي وقّع على الاتفاق الوطني لوقف إطلاق النار في أكتوبر 2015.
بدا وكأن قرارات وقف إطلاق النار الأحادية تهدف إلى إقرار اتفاقيات ثنائية عن طريق المفاوضات، لكن لم تحصل إلا ثلاث محادثات، فبعد الاجتماع الأخير في سبتمبر، تقرّر عقد الاجتماع اللاحق في أكتوبر من السنة الماضية، لكن لم تحصل المحادثات حينها، واجتمعت الأطراف المعنية خلال لقاء غير رسمي في يناير 2020 في ولاية "يونان" الصينية واتفقت على استئناف المحادثات الرسمية في منتصف فبراير، لكن للأسف، لم يُعقَد الاجتماع مجدداً لأن الحكومة الصينية (الوسيطة في المحادثات) اضطرت للتعامل مع انتشار فيروس كورونا.من الواضح إذاً أن وقف إطلاق النار الأحادي يبقى بلا معنى لأنه لم يوقف القتال أو لم يخفف حدّته حتى الآن، بل إنه مجرّد نقطة انطلاق للمفاوضات، وحدها الاتفاقيات الثنائية على وقف إطلاق النار تستطيع منع تصعيد القتال في ولاية "راخين" وسواها، وسيكون التوصل إلى هذا النوع من الاتفاقيات أساسياً لتحقيق السلام. يجب ألا يهدر جيش "تاتماداو" والجماعات المسلّحة الإثنية هذه الفرصة بعد توصّل الطرفين إلى اتفاق مؤلف من سبع نقاط في آخر اجتماع لهما في "كينغتونغ": مناقشة خطوات كبح الصراع المسلّح والتوقيع على اتفاق ثنائي لوقف إطلاق النار، ومعالجة مشكلة النازحين داخلياً، وتحديد قواعد وقف إطلاق النار، وإنشاء مكاتب لضمان التواصل بين الطرفَين وتجنب أي اشتباكات إضافية، وعدم اعتقال العناصر من الفريقَين لبناء ثقة متبادلة، ومناقشة الاتفاق الوطني لوقف إطلاق النار، والتحاور حول وضع آلية لحل الصراع.استعمل جيش "تاتماداو" حديثاً دبلوماسية "كوفيد-19" مع الجماعات المسلّحة الإثنية، فأرسل وفوداً خاصة إلى منظمات مختلفة، فزار اللواء خون ثانت زاو هتو من مكتب القائد الأعلى مركز الحجر الصحي في "جيش استقلال كاتشين" وسلّم 59 حزمة من المعدات الواقية، مثل الأقنعة الجراحية، وكمامات N95، ودروع الوجه، ومعدات شخصية أخرى، ومواد غذائية. من المتوقع أن تؤدي تحركات "تاتماداو" الدبلوماسية الأخيرة إلى بناء الثقة مع مختلف الجماعات، لا سيما "جيش استقلال كاتشين"، حتى أن هذا الجيش، بالتعاون مع "التحالف الشمالي"، يحاول التوصل إلى اتفاق ثنائي لوقف إطلاق النار مع "تاتماداو".من المبرر أن تُركّز جميع الأطراف اليوم على محاربة عدوها المشترك، أي فيروس "كوفيد-19"، لكن يُفترض أن يسعى "تاتماداو" و"التحالف الشمالي" و"جيش استقلال كاتشين" إلى استئناف المحادثات المتباطئة بهدف إقرار اتفاقيات ثنائية لوقف إطلاق النار. كذلك، يجب أن يحددوا إطاراً تجريبياً للمفاوضات العملية والفاعلة.في ظل غياب هذه الجهود المشتركة، سيُهدِر الجميع فرصة قيّمة وسيصبح احتمال التوصل إلى اتفاقيات ثنائية لوقف إطلاق النار بعيد المنال، وفي هذه الحالة، لا مفر من أن ينهار الأمل بتحقيق "سلام أبدي" في عام 2020، وهو الوعد الذي أطلقه القائد العام لجيش "تاتماداو"، الجنرال مين أونغ هلانغ. * جو كومبون