رغم تواصل الاحتجاجات والتظاهرات العرقية على عنف الشرطة، يبدو أن رهان الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ما أسماه «الأغلبية الصامتة»، التي ترفض عادة أي اضطراب، قد يكون مربحاً. فقد أظهر استطلاع أجرته شركة «مورينغ كونسلت» المتخصصة أن
58 في المئة من المقترعين الأميركيين المسجلين للانتخاب يؤيدون نشر القوات الأميركية في المدن، وهو إجراء متشدد، ألقى به ترامب «ككرة نار» إلى أحضان الحكام الديمقراطيين للولايات.وبينما وجد منافسو ترامب الديمقراطيون أنفسهم في وضع معقد إذ عليهم صياغة موقف دقيق بين دعم الاحتجاجات وفي الوقت نفسه رفض العنف والشغب، والأهم عدم الظهور بمظهر المحرض على الشرطة، لجأ ترامب إلى الموقف الأسهل: «لا للاحتجاجات ادفنوا فلويد وأكلموا حياتكم».وبدل أن يبقى في موقف دفاعي، شنّ ترامب سلسلة هجمات على «تويتر» استهدف فيها الولايات التي يحكمها ديمقراطيون خصوصاً نيويورك التي سجلت أعلى نسبة من نهب المتاجر.وكان ترامب جرب أسلوب أن تنأى الحكومة الفدرالية بنفسها عن الولايات وبشكل خاص مع حاكم نيويورك أندرو كومو في بداية تفشي كورونا عندما لامه على توزيع أجهزة التنفس وحمل سلطات الولاية مسؤولية إجراء الفحوصات.وفي استطلاع أجرته شركة «مورينغ كونسلت» المتخصصة بجمع ودراسة البيانات، أيّد 33 في المئة من المقترعين بقوة نشر القوات في المدن، كما أيد 75 في المئة من المحافظين و68 في المئة من كبار السن و60 في المئة من البيض نهج ترامب الحاسم، كذلك 40 في المئة من الليبراليينو37 في المئة من الأميركيين السود و43 في المئة من الشباب تحت 34 عاماً.وأظهر استطلاع أجرته رويترز- إبسوس أن 64 في المئة من البالغين «يتعاطفون مع من يخرجون للتظاهر في الوقت الحالي» مقابل 27 في المئة لا تشعرون بذلك و9 في المئة أنهم غير متأكدين.واتهم ترامب، بشكل غير مباشر «اليسار الراديكالي» والإعلام المتعاطف معه بالتواطؤ مع «الرعاع واللصوص»، متسائلاً: لمَ تقع كل أعمال الشغب في المدن التي يحكمها الديمقراطيون.وكتب ترامب، في تغريدة أمس، «من المثير للشفقة تقليل بعض القنوات وشبكات الإعلام من خطورة وفساد اليسار الراديكالي واللصوص والبلطجية، وأعمال الشغب التي مزقت مدننا. يبدو كما لو أنهم جميعاً يعملون معاً!»، معتبراً أن مدينة نيويورك خرجت عن السيطرة.
تحرك عسكري
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) راث هوفمان أمس عن نقل نحو 1600 من عناصر الجيش إلى العاصمة واشنطن ووضعهم في قواعد عسكرية في منطقة الكابيتول الوطنية، مؤكداً أن القوات «في حالة تأهب قصوى» لكنها «تظل خاضعة لسلطة الباب العاشر ولا تشارك في الدعم الدفاعي لعمليات السلطة المدنية».وقبل تأكيد ترامب أن واشنطن أصبحت أكثر أماناً بنشر تعزيزات عسكرية حول البيت الأبيض، شدد وزير الدفاع مارك إسبر يوم الاثنين الماضي على أن قوات حفظ النظام يجب أن «تسيطر على ساحة المعركة» لإعادة النظام.وبأمر من ترامب، حلقت طائرات هليكوبتر على ارتفاع منخفض بالعاصمة واقتربت من المتظاهرين بشكل مخيف، في حين قرر الحرس الوطني المنشر في معظم الولايات بالتحقيق في الأمر، وفق وكالتي «أسوشيتد برس» وسبوتنيك. ووسط الانقسام الشديد واتخاذ الأزمة منحى سياسياً بشكل متزايد، احتجت رئيسة بلدية واشنطن موريال باوزر على إرسال عسكريين «إلى الشوارع ضد الأميركيين»، وهو موقف عبر عنه أيضاً العديد من الحكام الديمقراطيين.لاحقاً، عارض إسبر، أمس، اللجوء إلى قانون التمرد، الذي هدد ترامب بتفعيله واستدعاء الجيش للسيطرة على الاحتجاجات، مشيراً إلى أن «هناك حملة سياسية كبيرة وسنة انتخابية، لذلك نحاول أن ننأى بأنفسنا عن السياسة، وسنبقى بعيدين عنها، ولا نريد عسكرة الشوارع والمدن والولايات».وفي معرض إدانته «عملية قتل جورج فلويد«، أكد إسبر أن «التمييز العنصري ظاهرة موجودة وحقيقية في الولايات المتحدة، ويجب العمل على التخلص منها»، مشدداً على أن «المؤسسة العسكرية ملتزمة بحماية حقوق المواطنين والممتلكات وأدت اليمين على ذلك».وأوضح إسبر، الذي رفض بوضوح عمليات التخريب، أن «قوات الحرس الوطني لم تطلق القنابل المسيلة للدموع أو الرصاص المطاطي على المحتجين». ووجه بالتحقيق في ملابسات التعامل معهم قبل ترجل الرئيس خارج البيت الأبيض برفقته ورئيس الأركان لزيارة كنيسة سانت جون. وبين أنه لم يكن يعرف ماذا كان سيفعله مسبقاً، ولم يكن على علم بخطط أجهزة الشرطة بشأن التعامل مع محتجي البيت الأبيض، نافيا وجود أي رسالة من وراء ذلك.ساحة معركة
وفي وقت كرم ترامب شرطياً سابقاً قتل أثناء مواجهة أعمال نهب في سانت لويس بولاية ميزوري، اتهمه منافسه الديمقراطي للانتخابات الرئاسية جو بايدن أمس الأول، بأنه «قام بتحويل البلاد إلى ساحة معركة مزروعة بالأحقاد القديمة والمخاوف الجديدة» بقصد الفوز بولاية ثانية في الانتخابات المقرّرة في 3 نوفمبر المقبل، واعداً بفعل كل ما بوسعه من أجل «معالجة الجروح العنصرية».واعتبر نائب الرئيس السابق، الذي خاطر لأول مرة الأولى منذ منتصف مارس بالسفر إلى مكان خارج ولايته ديلاوير، إن مقتل المواطن الأسود جورج فلويد اختناقاً تحت ركبة الشرطي الأبيض ديريك شوفين أثناء توقيفه في مينيابوليس قبل أسبوع، كان بمنزلة «صدمة للجميع».وندّد بايدن، في خطاب في فيلادلفيا، باستخدام الشرطة القوة لتفريق «متظاهرين سلميين» أمام البيت الأبيض من أجل السماح لترامب بالانتقال إلى كنيسة مجاورة سيراً بقصد التقاط صورة أمامها لا غير.اليوم التاسع
ولليوم التاسع على التوالي، تواصلت الاحتجاجات والتظاهرات التاريخية ضد العنصرية وعنف الشرطة في الولايات المتحدة من غير أن تتراجع رغم المواجهات وتهديدات ترامب المصمم على إعادة فرض النظام.وفي واشنطن، تظاهر الآلاف وبينهم السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن حتى وقت متأخر من المساء متحدين حظر تجول أعلنته البلدية اعتباراً من الساعة 19.00، فيما أقيمت سواتر معدنية حول البيت الأبيض لمنع أي مواجهة مباشرة مع قوات الأمن في محيطه.وبينما خيّم الهدوء على مركز حركة الغضب في مينيابوليس، تظاهر ما لا يقل عن 60 ألف شخص أمس الأول، بما في ذلك مجموعة على ظهر الخيول، تكريماً لذكرى فلويد في تجمع سلمي في هيوستن، المدينة التي نشأ فيها في ولاية تكساس وحيث سيوارى الثرى الأسبوع المقبل.وفي لوس أنجلس، ركع رئيس بلدية المدينة إريك غارسيتي مع شرطيين على ركبة واحدة، في الوضعية التي ترمز منذ 2016 إلى التنديد بعنف الشرطة ضد الأميركيين الأفارقة، وتذكر بالشرطي الذي قتل فلويد ضاغطاً بركبته على عنقه لنحو تسع دقائق.وفي نيويورك، لم يمنع تعرض العديد من المتاجر الفاخرة على الجادة الخامسة الشهيرة للنهب وحظر التجول الليلي، المتظاهرين من السود والبيض على السواء من الاحتجاج سلمياً.اعتقالات وحقائق
وفي الإجمال، اعتقلت الشرطة الأميركية 9300 شخص على الأقل في الاحتجاجات بجميع الأنحاء، 2700 منهم بحملات جماعية في لوس أنجلس، تلتها نيويورك بنحو 1500، والمئات في دالاس وهيوستن وفيلادلفيا.وفي أول تعليق على التظاهرات والعنف، أكد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، أن «أميركا اليوم في وضع متزلزل وما يحدث في ولاياتها هو كشف للحقائق»، معتبراً أن «ما قام به الشرطي الأميركي يجسد طبيعة نظام يقتل شعبه ولا يعتذر عما يرتكبه من جرائم».وغداة دعمه للاحتجاج السلمي، أدان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أمس تهديد ترامب باستخدام القوة ضد المتظاهرين، محذراً من «سكب الزيت على النار».