كان رمضان هذا العام مختلفاً، فقد أمضيناه في المنزل دون خروج تحت ظل الحظر الكلي، حيث كان الناس في أمس الحاجة لمتابعة محتوى مثرٍ وجميل يأخذهم إلى عالم آخر– ولو مؤقتاً- كي ينسوا همومهم، لكن للأسف، فإن أغلب المسلسلات الرمضانية لم ترتقِ إلى المستوى المطلوب، فعلى الرغم من استخدام أحدث تقنيات التصوير، فإن المحتوى مازال نفسه؛ خاوياً ركيكاً يعاد اجتراره كل عام من تهريج وإسفاف إلى عنصرية مقيتة تتمثل بالسخرية والاستهزاء بالفئات المستضعفة، كل ذلك تحت اسم «الكوميديا» ولكننا لا نجد فيه ما يضحك أو يسلي، هذا ناهيك عن برامج المقالب السامجة التي تحاكي الجانب المريض لبعض المشاهدين الذين يستمتعون بمشاهدة الرعب على ملامح المشاهير- وإن كان المقلب بأكمله مقلباً!– أي تم تمثيله وإعلام الشخصية بما سيحدث لها مسبقاً.كذلك تعاني أغلب المسلسلات التاريخية من عدم الدقة في البحث العلمي ووجود العديد من المغالطات التاريخية، فينتهي بنا المطاف بمسلسل «وهمي»؛ فهو ليس سرداً تاريخياً دقيقاً ولا هو «فانتازيا» صرفة، مما يربك المشاهد، وقد تكون لبعض المسلسلات أبعاد سياسية أو تطبيعية، إلا أننا لا نود التشكيك في نية العاملين عليها.
أيضاً فإن أغلب المسلسلات تعيد اجترار تلك الصورة النمطية للمرأة بدور عاجز وحصرها بدور الضحية المغلوب على أمرها وتعزيز الصورة النمطية «للجمال» المصنع في ذهن المشاهد، وذلك عن طريق المبالغة في المكياج وعمليات التجميل. قد يقول قائل إن هذه المسلسلات بشخصياتها إنما تعكس الواقع فحسب، وهنا أقول إن دور الإعلام الحقيقي هو الحوار مع المشاهد وإعادة تشكيل قناعاته بعيداً عن الوعظ المباشر، فقد يكون وجود شخصية إيجابية فاعلة إلهاماً للمشاهدين بدلاً من تأرجح أدوار البطولة ما بين دور الضحية العاجزة أو المستهزئ السلبي. من الجيد تطور ذائقة المشاهد وقدرته على الانتقاد، فهو الآن يملك ما بين يديه القدرة على مشاهدة روائع السينما من الأفلام والمسلسلات العالمية ذات الجودة الممتازة، وذلك بفضل منصات المشاهدة الرقمية كـNetflix وغيرها، لكن المشكلة تقع حينما يصبح المشاهد جلاداً أقسى وأشد من مقص الرقابة، فيكون غارقاً في سلبيته على منصات التواصل الاجتماعي، وهنا أيضاً يأتي دور الرقابة، الذي يُفترض أن تقدم لائحة واضحة بما يجوز أو لا يجوز عرضه بدلاً من كون الممنوعات ضمنية أو عُرفية، وعدم الاستجابة للضغط الشعبي إن كان العمل لا يمس لائحة الممنوعات تلك.هنالك العديد من المخرجين والممثلين الشباب ذوي المهارات والمواهب المصقولة، وهم قادرون على صنع محتوى جميل ومميز، نرى إبداعهم في العديد من الأفلام القصيرة والدعايات، كذلك بدأت المسلسلات بإخراج الجيل الجديد لترى النور، وأفضل مثال على ذلك هو مسلسل «تقدير الاحتياج»، الذي لامس الحياة اليومية للموظف الكويتي بقالب مرح وحبكة ممتعة وتمثيل واقعي متميز دون المبالغات المعهودة. وفي عصر الإنترنت أصبح الفضاء مفتوحاً للجميع لنشر محتواه على مختلف المنصات الرقمية، إلا أن عدم وجود تمويل لهذه الأعمال الشبابية ما زال مشكلة قائمة، وهو الأمر المستهجن تحت ظل تمويل العديد من الأعمال الرديئة وضخ ميزانيات هوليوودية ضخمة فيها دون نتيجة تذكر، نتمنى من القنوات الثقة بجيل الشباب والتحلي بروح المغامرة وإعطاء هؤلاء فرصة، فقد سئمنا من الوجوه المكررة والتناول السطحي.* «تحتاج ثلاثة أشياء لصنع فيلم جيد: السيناريو، والسيناريو، والسيناريو». (ألفريد هيتشكوك)
مقالات - اضافات
تلفاز
05-06-2020