تناولنا في المقالات الماضية عدداً من ملوك حمير، بدءاً من يعرب (أبو العرب)، ويشجب وحمير وسبأ وعريب وقطن وغيرهم، ولا أستطيع أن أسترسل كثيراً في شرح التفاصيل التي وقعت في فتراتهم، كما لا أستطيع أن أتحدث عن جميع الملوك الذين ينتمون إلى حمير، لكثرتهم وطول فترة الحكم التي استمروا يحكمون خلالها، لكنني لا أستطيع أيضاً أن أغفل أو أتجاهل اثنين من الملوك الحميريين، الذين تركوا أثراً كبيراً في تاريخ العرب والعالم، ولم أكتب عنهما قبلا. لذلك فإنني قررت في مقال اليوم أن أكتب عنهما باختصار، وهما الحارث الرائش وإفريقيس بن أبرهة. أما الحارث الرائش فإنه، حسب معظم الروايات، أبو"التبابعة" الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة "ق": "وأصحاب الأيكة وقوم تُبَّع كلٌّ كذّب الرسل فَحَق وَعيد". هؤلاء التبابعة هم ملوك من حمير، إلا أن ملكهم اتسع ليشمل كل الجزيرة العربية، وبعض الأقاليم والمناطق خارجها فلقبوا بهذا اللقب. وأولهم هو الحارث الرائش بن شدد بن قيس بن صيفي بن حمير الأصغر، يقول نشوان الحميري فيه ما يلي:والحارث الملك المُسمى رائشا
إذ راش من قحطان كلّ جناحِوحباهمُ بغنائمَ الفرس التيفاضت على الجندي والفلاحِوغزا الأعاجم فاستباح بلادهمملكٌ حِماه كان غير مباحِركب السفين إلى بلاد الهند فيلَجَجٍ يسير بها على الألواحِهذا الملك الحميري هو أول من غزا من العرب بلاد فارس، وبلاد الهند، وبلاد الترك، بعد أن سيطر سيطرة محكمة على كل مناطق الجزيرة العربية وما حولها. يقول نشوان إن الحارث لقب بالرائش لكثرة ما غنم من غزوه فارس والهند وبلاد الترك، وانه أغدق المال على قومه ولم يبخل عليهم. يقول الطبري في تاريخه الشهير قبل أكثر من ألف عام، إن حِمير بلغت الصين، وتركت بها قوما هم بها إلى وقته وهو عام 310 هجري. الملك الثاني الذي أود أن أشير اليه قبل اختتام هذه المقالات السريعة عن تاريخ ملوك حمير هو إفريقيس بن أبرهة بن الحارث الرائش. هذا الملك هو الذي اتجه في توسعاته إلى أقصى إفريقيا، وأكمل ما بدأه أبوه أبرهة ذو الأذعار، ولذلك نسبت القارة الإفريقية إلى اسمه. يقول نشوان:واخوه افريقيس وارثُ حكمهحتفُ العدو وجابرُ المُمتاحِملكٌ بنى في الغرب افريقيةنُسبت إليه بأوضح الايضاحِوأحلّ فيها قومه فتملكواما حولها من بلدةٍ ونواحِتقول الروايات التاريخية إن إفريقيس انتهى في غزوه إلى طنجة من أرض المغرب، وأمر ببناء مدينة أسكن فيها قومه، وهم أهل كتامة، وعهامة، وزناتة، ولواتة، وصنهاجة، وهذه إلى اليوم قبائل كبيرة في المغرب من حمير القحطانية. ولابد أن نشير أيضاً إلى أن من ملوك التتابعة الملكة بلقيس (وهي شرحبيل بنت الهدهاد) التي ذكرها الله تعالى في سياق قصة سليمان عليه السلام، وقصة إسلامها وثقها القرآن الكريم، كما وردت تفاصيلها أيضا في التوراة والإنجيل.
أخر كلام
وثيقة لها تاريخ : الحارث الرائش أول من غزا «فارس» والهند... و«إفريقيس» نسبة إلى إفريقيا
05-06-2020