حصل ما كان في الحسبان، واشتعلت شوارع بيروت مساء أمس الأول مذهبياً "بفعل فاعل". وبدل أن تشكِّل تظاهرات 6/6 منصة ضغط على الحكومة، التي انفرد فريق سياسي واحد بتشكيلها، لتحسين معيشة اللبنانيين، تم حرفها في محاولة تخويف كادت تعيد عقارب الساعة إلى حقبات الفتنة الأهلية وخطوط التماس الانقسامية. وتصاعدت لوهلة أخطار إشعال فتنة طائفية على نحو جدي وبالغ الخطورة، حيث شهدت محاور طبعت في الذاكرة الجماعية اللبنانية صورة الحرب الأهلية اشتباكات بين مناصري "الثنائي الشيعي" ومكونات أخرى، أبرزها "السنة" و"المسيحيون". وأتت تطورات أمس مع عودة المتظاهرين اللبنانيين إلى الشارع، احتجاجاً على أداء السُّلطات العاجزة عن وضع حدٍّ للانهيار الاقتصادي المتسارع، وبعد تخفيف السُّلطات مطلع الأسبوع الماضي قيود الإغلاق العام التي فرضتها منذ منتصف مارس الماضي لمكافحة وباء كورونا، وأدت إلى تراجع وتيرة التحركات المناوئة لها منذ بدء التحركات في 17 أكتوبر الماضي. وبرزت مؤشرات خلال الأيام الماضية تنذر باستخدام شارع في مواجهة شارع، والتهويل بتحرك شارع للدفاع عن "المقاومة" في مواجهة رفع مجموعة من المتظاهرين في ساحة "الشهداء" مطلب تنفيذ القرار 1559 ونزع سلاح "حزب الله".

Ad

«عين الرمانة ـــ الشياح»

وتحوَّلت الأنظار من وسط بيروت إلى ضواحي المدينة، وتحديدا عين الرمانة – الشياح، حين حاول أنصار "حزب الله" وحركة "أمل" اقتحام منطقة عين الرمانة (أغلبية مسيحية)، لأسباب غير معروفة، مطلقين عبارات طائفية، فحصل تراشق بالحجارة مع شبان الحي، الذين يتبع معظمهم حزب "القوات اللبنانية"، ما أدى إلى سقوط جرحى من الطرفين، كما سجل إطلاق رشقات نارية من الجيش، في محاولة منه لتهدئة الأمور. وعملت القيادات السياسية في المنطقتين على احتواء الأحداث المتسارعة لحساسية المنطقة، خصوصا أن الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل 1975 انطلقت من هناك عبر ما يُعرف بـ"بوسطة عين الرمانة".

«كورنيش المزرعة»

واستكمالا لمشهد الفتنة المتنقلة بين مناطق بيروت، وما إن هدأت الأمور في ضواحي بيروت، حتى انتشرت فيديوهات بوسائل التواصل الاجتماعي يطلق خلالها أنصار "حزب الله" وحركة "أمل" إساءات لفظية بحق السيدة عائشة (زوجة نبي الإسلام)، خلال مواجهات ساحة الشهداء، ولم يكتفِ جمهور "الثنائي الشيعي" بإطلاق شعاره الطائفي "شيعة شيعة"، لكنه وجَّه الشتائم لرموز سياسية ودينية. هذه المقاطع المصوَّرة أحدثت غضبا عارما في الشارع، وخرجت تظاهرات في بيروت والبقاع وإقليم الخروب، لتنتهي الأمور بإشكال مسلح بين أنصار "الثنائي الشيعي" وتيار "المستقبل" على كورنيش المزرعة (المنطقة الفاصلة بين الطرق الجديدة ذات الغالبية السنية، وبربور ذات الغالبية الشيعية) وامتدت إلى المدينة الرياضية وقصقص وشاتيلا. وأقدم مناصرو "المستقبل" على إحراق صور للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، كما داس بعضهم على أعلام الحزب، مرددين هتافات مناوئة تصفه بـ"الإرهابي".

عون

وأكد رئيس الجمهورية ميشال عون، أن "التعرض لأي رمز ديني ولأي طائفة لبنانية هو تعرض للعائلة اللبنانية، وقوتنا ستظل في وحدتنا الوطنية"، مناشداً "الحكماء الذين عايشوا أحداث 1975-1976 وَأد الفتنة الناجمة عن المساس بمقدساتنا الدينية والروحية والمعنوية".

وقال في بيان، أمس، إن "ما جرى ليل السبت جرس إنذار، وليس بالشتائم والاعتداءات نحقق عيشاً كريماً، إذ لا نصرة لأحد على الآخر بالقوة أو العنف معاً"، مضيفاً: "علينا أن نضع خلافاتنا السياسية جانباً، ونسارع إلى العمل معاً من أجل استنهاض وطننا من عمق الأزمات المتتالية عليه". وأشار إلى أنه "من حق شبابنا علينا أن نمنحهم حياة كريمة، لا أن ندفعهم إلى التقاتل وسفك الدماء وازدراء المقدسات".

بري

كما علَّق رئيس مجلس النواب نبيه بري على أحداث أمس الأول، قائلاً: "هي الفتنة مجددا تطل برأسها لاغتيال الوطن ووحدته الوطنية، واستهداف سلمه الأهلي. هي أشد من القتل، ملعون مَن يوقظها، فحذار الوقوع في اتونها، فهي لن تبقي ولن تذر ولن ينجو منها مدبروها وممولوها!".

واعتبر بري، في بيان، أمس، أن "كل فعل من أي جهة أتى يستهدف وحدة اللبنانيين وأمنهم واستقرارهم وعيشهم الواحد هو فعل إسرائيلي، وأن أي صوت يروج للفتنة بين أبناء الوطن الواحد وأبناء الدين الواحد هو صوت عبري، ولو نطق بلغة الضاد".

الحريري

من جهته، نبَّه رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري، أمس الأول، من "مغبة الانجرار وراء تصرفات يمكن أن تهدد السلم الأهلي، وتفسح المجال أمام الجهلة لإشعال الفتنة". وقال: "ندائي إلى جميع الأهل والأحبة في كل المناطق، أن نأخذ بدعوة دار الفتوى وتحذير جمهور المسلمين من الوقوع في فخ الفتنة المذهبية. لعن الله الفتنة ومَن يوقظها".

كما قال "حزب الله"، في بيان، أمس الأول، إن "ما صدر من إساءات وهتافات من بعض الأشخاص مرفوض ومستنكر، ولا يعبِّر إطلاقاً عن القيم الأخلاقية والدينية لعامة المؤمنين والمسلمين". وختم: "نحذر بشدة من مسببي الفتن والمستفيدين منها، وكل أولئك الذين يروجون للفتنة ويدعون لها، ونرفض بشكل تام كل ما يمكن أن يؤدي إلى الفرقة والاختلاف والتوتر المذهبي والطائفي والديني".