قبل خمسة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية، تواجه الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب اقتراناً استثنائياً لثلاث أزمات كبيرة هي الوباء العالمي، وركود اقتصادي عميق، وحركة مناهضة للعنصرية، تعيد تحديد الرهانات السياسية الكبيرة.وقبيل خضم المواجهة المرتقبة بين ترامب وخصمه الديمقراطي جو بايدن في الثالث من نوفمبر المقبل، عمت المدن الأميركية حركة احتجاجية واسعة ضد اللامساواة والعنصرية وعنف الشرطة، وفي الوقت نفسه، توفي قرابة 110 آلاف أميركي جراء فيروس كورونا المستجدّ وهي أعلى حصيلة وفيات للوباء في العالم، في حين خسر عشرات الملايين وظائفهم بعد اتخاذ قرار وقف العجلة الاقتصادية للحدّ من تفشي المرض.
ومع تضرر الأميركيين السود كثيراً جراء تفشي الوباء، عاود جرح التفاوتات العنصرية نزفه إثر مأساة مينيابوليس، عندما ضغط الشرطي الأبيض ديريك شوفين بركبته على عنق جورج فلويد حتى اختنق وفارق الحياة.ويرى المفكّر كورنيل ويست أن تضافر الأزمات هذا هو "لحظة حقيقة بالنسبة لأميركا".من جهته، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا دانيال غيليون "أنها لحظة صعبة جداً". ويقول، إن هذه الأزمات كانت "فظيعة" بالنسبة للأميركيين من أصول إفريقية الذين يعانون تاريخياً من وصول محدود إلى نظام الصحة وهم أفقر من الأميركيين البيض وغالباً ما يسقطون ضحايا لعنف الشرطة.وأضاف غيليون: "لا أذكر فترة مروا خلالها (السود) بمثل هذه الاضطرابات وبمعاناة من هذا القبيل وصعوبات من هذا النوع".وكان بامكان الرئيس ترامب أن يلعب دور المهدئ. لكنه لم يفعل واتُهم بتأجيج المشاعر عبر خطاب عسكري ودعوات إلى تطبيق "القانون والنظام" ضد "لصوص" و"مثيري شغب".وكان يهدف خروجه المستفز من البيت الأبيض مطلع الأسبوع الماضي لالتقاط صورة حاملاً الكتاب المقدس بيده أمام كنيسة تضررت بسبب التظاهرات، إلى توجيه رسالة لناخبيه التقليديين، (المحافظون والإنجيليون).وقال المرشح الديمقراطي جو بايدن، إن ترامب "غير مؤهل بشكل خطير" لمنصب الرئاسة. ويبدو بايدن الذي غاب أسابيع عدة عن الساحة السياسية بسبب العزل في منزله في ولاية ديلاوير، مصمماً على اغتنام اللحظة.يرى الديمقراطي المحنّك (77 عاماً) فرصة لتقديم نفسه على أنه جامع ورجل صلح قادر على جمع الجناحين التقدمي والمعتدل في حزبه مع استقطاب الناخبين المستقلين الذين ينفرون من ترامب.لكن يعتبر خبراء أنه رغم أجواء الفوضى، لا يزال ترامب في وضع جيّد مؤاتٍ لإعادة انتخابه.وقال دانيال غيليون، "إذا تمكن الرئيس من التحدث في مسألة الأعراق بشكل بناء، إذا كان قادراً على قيادة استئناف (النشاط) في مجالي الصحة والاقتصاد"، فسيظهر أنه رئيس في موقع قوة.غير أن شعبية ترامب شهدت في الفترة الأخيرة تراجعاً في استطلاعات الرأي، خصوصاً في صفوف الناخبين الأساسيين لإعادة انتخابه: المسنون والمسيحيون الإنجيليون.وقد ينفّر تأخره في اتخاذ إجراءات في بداية تفشي الوباء إضافة إلى تهديداته بنشر الجيش مقابل المتظاهرين، جزءاً من أصوات النساء.لكن كل ذلك لا يقدّم لجو بايدن انتصاراً على طبق من فضة. ورأت براون أن بايدن هو "قط بسبع أرواح، لكن ترامب لديه 12" روحاً.وفي اليوم الثاني عشر من التظاهرات التي انطلقت في عدة مدن في الولايات المتحدة، نشر ترامب تغريدة على "تويتر" كتب فيها: "حشد المتظاهرين أقل بكثير مما كان متوقعاً. أشكر الحرس الوطني والخدمة السرية وشرطة المدينة على عملهم الممتاز".وبعد أن كتب في تغريدة سابقة: "القانون والنظام!"، اتهم ترامب شبكة أنباء "سي إن إن" وقناة "MSDNC" وغيرهما من وسائل الإعلام، ببذل قصارى جهدها لاستفزاز المتظاهرين وإلهاب الحشود، مؤكداً أنها لحسن الحظ لديها جمهور صغير جداً".وأمس، جدد ترامب هجومه على الديمقراطيين وتمسكه بالقانون، وكتب مغرداً: «جُو النائم واليسار الراديكالي يريدان إلغاء تمويل الشرطة. أنا أريد أن تنال قوات الأمن رواتب رائعة وجيدة. أنا أريد القانون والنظام».رغم ذلك، أمر ترامب بسحب «الحرس الوطني» من واشنطن، في حين أعلنت نيويورك إلغاء حظر التجول. في المقابل، تعهد بايدن بمحاربة العنصرية والكفاح من أجل إجراء إصلاحات داخل الشرطة، داعياً الكونعرس إلى "اتخاذ إجراءات فورية" لحظر عمليات الخنق، ووقف نقل الأسلحة الحربية إلى قوات الشرطة المحلية، وتحسين الرقابة والمساءلة، ووضع معيار نموذجي لاستخدام الضباط للقوة.وتحدث في مقال بصحيفة "لوس أنجلس تايمز"، عن الحاجة إلى "سياسات محددة وملموسة طال انتظارها لإبطال العنصرية الممنهجة. وقال نائب الرئيس السابق: "إذا تم انتخابي، فإنني ملتزم بإنشاء لجنة مراقبة وطنية للشرطة خلال 100 يوم"، مضيفاً: "نحن بحاجة إلى تطبيق الشرطة المجتمعية الحقيقية والتأكد من أن كل إدارة شرطة تقوم بمراجعة شاملة لمن يجري توظيفهم وتدريبهم. مع قيام الحكومة الاتحادية بتوفير الأدوات والموارد اللازمة لتنفيذ الإصلاحات". وجدد بايدن دعوته للتغيير، وكتب عبر "تويتر": "نحن بحاجة إلى العدالة. وإصلاح حقيقي للشرطة لضمان عدم حدوث ذلك مرة أخرى"، مشيراً إلى أنه "وعد عائلة جورج فلويد بأنه لن يصبح مجرد هاشتاغ آخر".
10 آلاف جندي
إلى ذلك، ذكرت شبكة "سي.بي.إس" أن البيت الأبيض يرغب في نشر نحو 10 آلاف جندي من العاملين في الخدمة للسيطرة على أعمال العنف والنهب في العاصمة واشنطن والولايات أخرى.وقال مسؤول بارز بوزارة الدفاع، إن وزير الدفاع مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان مارك ميلي اللذين رفضا استخدام أي من القوات العاملة قد نقلا على ما يبدو 1600 من الجنود العاملين إلى العاصمة، للرد حال الضرورة. غير أن قوات الحرس الوطني البالغ عددها خمسة آلاف جندي والموجودة بالفعل هناك، لم تحتج لمساعدة، وبدأت القوات العاملة المغادرة ليلة الخميس الماضي.ومع دخول الأسبوع الثاني، شهدت كل الولايات أمس الأول، احتجاجات ضد التمييز العنصري اعتبرها الإعلام الأكبر، وعمت التظاهرات المدن الرئيسية من نيويورك إلى لوس أنجلس، لكن واشنطن احتلت مركز الصدارة مع تدفق الآلاف إلى الشوارع المحيطة بالبيت الأبيض الذي سُيّج بالحديد.وفي يوم مشمش وحار جداً، وضع كثيرون كمامات للوقاية من فيروس كورونا المستجد. ووزع متطوعون زجاجات مياه ولوازم أخرى مع وجود عربات بيع طعام وباعة يروجون أقمصة تحمل شعار "حياة السود مهمة".وفي واشنطن، رحب العديد من المتظاهرين السود بالتنوع العرقي والإتني بين المتظاهرين، معتبرين أن في ذلك تغييراً "منعشاً". راقب عناصر من الجيش التجمّع، وطافت طوّافات في الأجواء بينما رقص بعض المتظاهرين وصاح آخرون "هذه ليست حفلة!".ومنعت العوائق وحراس غير مسلحين متظاهرين من الوصول إلى عتبات نصب لينكولن التذكاري حيث ألقى أيقونة حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ خطابه الشهير "لدي حلم" عام 1963 مطالباً بإنهاء العنصرية في الولايات المتحدة.وخارج الولايات المتحدة، تواصلت تظاهرات التضامن مع احتجاجات أميركا.