مع ظهور وباء كورونا (كوفيدـ19) غابت أصوات الباعة التي كانت تناديك "بدينار... بدينار" بين بسطة وأخرى فور دخولك إلى سوق الحراج ببواباته المتعددة ومساحاته المترامية الأطراف في منطقة الري، إثر توقف حركة البيع والشراء استجابة لرسائل "الزموا بيوتكم"، وباتت تصفر فيه الرياح وحيدة على وقع ذكريات أجوائه السابقة."الجريدة" جالت على أبواب أسواق الحراج، التي كانت تستقبل روادها "الجمعة" أكثر الأيام إقبالاً عليها، إذ كانت تبدأ مساء الأربعاء تجهيز بسطاتها ليوم الازدحام، لكن ذلك كله تحول إلى أطلال خاوية، وأصبحت أشبه بأسواق أشباح، اختفى الباعة والمشترون، وأغلقت أبوابها بسلاسل حديد وأقفال اعتراها الصدأ، وليس في أروقتها إلا أصوات رياح وحركة رمال خفيفة.
أطلال حزينة
تحول سوق الحراج إلى أطلال حزينة بالنسبة لآلاف العمالة الذين كان يمثل لهم باب رزق، ويسعد به من يأتونه طمعاً بشراء أغراض بأثمان زهيدة، إضافة إلى من يأتون لغرض التجول لرؤية حركة البيع المتنوعة بين آلات وأدوات منزلية، ومعدات كهربائية، وملابس، وأحذية، وثلاجات وشاشات تلفزيون" إلى غير ذلك من أغراض يبحث عنها أصحاب الرواتب الضعيفة، وسط ارتفاع الأسعار وهروب البعض من هموم الأقساط والقروض. سوق الحراج لم يكن مقصداً للبائع والمشتري فقط، بل أيضاً للباحثين عن أشياء أصبحت نادرة أو من الماضي، ومن الصعوبة رؤيتها اليوم إلا في "الحراج"، فهو مثال مصغر للتجارة التي يتبادلها العالم وفق سياسة "العرض والطلب" لكن فيروس "كورونا" جاء فأغلق أبوابه ووضع أصحابه في عزلة وحوّل بضائعه إلى بالية بانتظار الفرج.وعلى الرغم من عودة الحياة الى بعض الأسواق القريبة من سوق "الحراج" بعدما تم اتخاذ قرار العودة إلى نظام الحظر الجزئي، فإن السوق منذ إغلاقه إلى اليوم لايزال في حالة عزل كامل وإغلاق إلى إشعار آخر.«بدينار بدينار»
عم محمد، أحد بائعي السوق قال لـ"الجريدة" من داخل إحدى مناطق العزل: أأبكي على عزلي أم أبكي على رزقي ورزق أولادي؟ فأنا أعمل في السوق منذ حوالي 10 أعوام، خلال ثلاثة وأربعة أيام أقضيها في السوق أبيع الملابس ومستلزمات الأفراد، وأحمد الله في آخر تلك الأيام على ما رزقني به من رزق حلال أعيش منه وعائلتي. وتابع محمد: جاء "كورونا" ليغلق علينا أبواب الرزق في ذلك السوق ويعزلنا ونأمل من الله تعالى عودة الحياة إلى ما كانت عليه في السابق، ونعود مرة أخرى إلى السوق لننادي على من يشتري " بدينار بدينار، كل شيء بدينار".«سوق الجمعة»
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور، إن سوق الحراج أو سوق الجمعة من الأسواق الموازية غير النظامية، وتأثيرها ليس مباشراً على الاقتصاد في الكويت، لكن عموماً هو حلقة من سلسلة في الأسواق داخل الكويت، وفي عملية البيع والشراء. وأضاف بوخضور، أن توقف هذه الأسواق يؤثر على جيب المستهلك، لأنه يقلل المنافسة، وفرص الشراء، ولهذا السبب تجد أن الأسعار مرتفعة في بعض الأسواق، وإغلاق مثل هذه الأسواق ينعكس على المشتري بشكل مباشر أكثر من انعكاسه على الاقتصاد.وأوضح أن الاقتصاد الكويتي ريعي وليس منتجاً زراعياً أو صناعياً، أو تجارياً، أو سياحياً، إضافة إلى أن القطاع الخاص الكويتي تابع للعام، فليس مستقلاً في نموه، أو في أدائه عن القطاع العام، وليس له مشاركة مميزة في الناتج المحلي الإجمالي.إقفال الاقتصاد
وبين أن بيع النفط يؤثر على الاقتصاد الكويتي، وعلى القطاع الخاص، وأزمة فيروس "كورونا" المستجد لم تنتج ركوداً في الاقتصاد الكويتي، إنما أنتجت "إقفالاً للاقتصاد".وتابع أن هناك فرقاً بين الكساد والإقفال، فالكساد نتيجة دورة اقتصادية، أما الإقفال فناتج عن حدث معين أوقف المصانع والإنتاج، ثم أوقف الاقتصاد، ومتى ما فتح الاقتصاد انتهى الكساد أو الركود. وقال بوخضور، إن النفط الكويتي تأثر جراء إغلاق الاقتصاد، الذي حدث في الكويت وفي دول العالم، بالتالي فإن النفط سوف يستعيد أسعاره بعد فتح الاقتصاد، بل سترتفع أسعار النفط لزيادة الطلب من أجل زيادة الإنتاج في دول العالم. وأشار إلى أن أسعار النفط في بعض التعاملات وصلت إلى السالب، وسبب ذلك أن المصانع مقفلة ولا يوجد طلب على النفط، والخزانات ممتلئة، مستطرداً: لكن أول ما فتح الاقتصاد وجدنا أن الأسعار ارتفعت كذلك ارتفاعاً رأسياً، بالتالي عندما تفتح الأسواق عموماً سترتفع أسعار النفط بشكل رأسي بأسعار أكثر مما كانت عليه في العام الحالي.التغيير قادم
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي في الجامعة العربية المفتوحة - فرع الكويت د. عواد النصافي، إن التسوق الإلكتروني قادم بقوة لا محالة سواء في الأسواق المحلية الكويتية أو العالمية، ولن تكون هناك في السنوات المقبلة أسواق تقليدية كما كان سابقاً، ففيروس "كورونا" أعطى للعالم درساً، بأهمية التحول إلى التسوق الإلكتروني. وأضاف النصافي: لن يقتصر الأمر على التسوق الإلكتروني بل ستكون هناك نقلة نوعية في العديد من المجالات مثل الطب، إذ اعتدنا في السابق أن نذهب إلى الطبيب من أجل الكشف والحصول على الدواء المناسب، لكن الثورة التكنولوجية الحالية وفيروس "كورونا" أجبرا الناس على المكوث في البيوت مما استدعى من الجميع استخدام التكنولوجيا الإلكترونية فيالكشف على الأمراض عن بعد، وتقديم العلاج وكذلك الرعاية، والأمر سيعمم على جميع المجالات وليس المجال الطبي فقط، لكنه سيستغرق قرابة الخمس سنوات لتطبيق ذلك كلياً.سوق الطيور والحيوانات... غاب الجميع
توجهت "الجريدة" إلى أسواق الطيور والحيوانات المختلفة، حيث كانت توجد فيه أنواع نادرة وطيور وثعابين في بعض الأحيان علاوة على أنواع مختلفة من السلاحف والكلاب النادرة، لكن السوق تحول كذلك الى ساحات كبيرة خاوية لا يوجد فيها بائع ولا مشترٍ واختفت منه الحياة كلياً وغاب الجميع.