هل نجحت الكويت في اختبار الأمن الغذائي؟
ستة أشهر من عمرنا ونحن تحت رحمة "كورونا" كانت كافية لنختبر مقولة "الأمن الغذائي" على الأرض، إذ لم نفقد أي سلعة غذائية ولم نشعر أننا حرمنا من أي فاكهة أو خضراوات أو رغيف من الخبز، صحيح حدثت بعض الأخطاء باتخاذ قرارات لم تكن موفقة، لكن في المجمل اجتازت الكويت أصعب اختبار يمر عليها في الأزمات العاصفة، ففي سنة الغزو كان الخبز، لمدة سبعة أشهر فترة الاحتلال العراقي، متوافراً للمواطن والمقيم، وفي حرب 2003 وأزمة 1994 أثناء الحشود العراقية على الكويت وأزمة 2008 العالمية استطاعت شركة مطاحن الدقيق أن توفر للمجتمع احتياجاته من الخبز. بالتعريف العلمي "الأمن الغذائي" يعني توفير الغذاء بالكمية والنوعية اللازمتين أثناء وقوع الكوارث والحروب والأوبئة، وبصورة مستمرة لكل أفراد المجتمع، وفي الواقع لم نسمع أن بلداً خليجياً عانى نقصاً في التموين والغذاء والسلع الضرورية كالقمح والشعير والأرز والسكر والزيوت، نعم حصلت حالات من الهلع بين الناس، وهذا سلوك بشري متوقع، وفي المحصلة كان هناك شعور بأن كل ما يحتاجونه باستطاعتهم تأمينه. حالة الكورونا قد تكون مختلفة عن الحروب والأزمات أو الكوارث الطبيعية لسبب بسيط هو أن العالم في معظمه كان مغلقاً "وقافل على نفسه" كما يقول إخواننا المصريون تحت شعار "أنا أولاً"، ولذلك لم تميز الأزمة منطقة الخليج عن بلدان الاتحاد الأوروبي، فما عانته الدول هنا كان مشابهاً لما تعرضت إليه إسبانيا وبريطانيا وإيطاليا على سبيل المثال، بالرغم من أن الخليج عموماً يغلب عليه الطقس الصحراوي والأراضي القاحلة غير الزراعية.
جانب مهم جداً أن خطوط النقل البحري والجوي بقيت مفتوحة وإن بظروف صعبة واشتراطات صحية معينة، وهذا من مقومات استقرار الدول التي تعتمد على الاستيراد من الخارج، فالكويت تستورد تقريباً 90% من احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسة لكل عام وتعتمد على نسبة استيراد تصل إلى 100% في بعض المواد كالقمح والحليب المجفف والأرز والسكر، وهو ما يعرف بالفجوة الغذائية على حد تعبير الدكتورين فيصل طه وسمير الزنكي بمعهد الكويت للأبحاث العلمية، اللذين أعدا ملفاً مهما عن الأمن الغذائي قبل فترة. من الخيارات المطروحة لسد "الفجوة الغذائية" الاستثمار الزراعي بشركات أغذية في الخارج، وإن كانت تجارب بعض دول الخليج تعدت هذا التوجه، وراحت إلى أبعد من ذلك، أي باستثمار أراض زراعية تقوم بإدارتها وتمويلها ويوجه الإنتاج نحو السوق الداخلي والأسواق الأخرى، بحيث يجلب عوائد مالية أولاً ويشكل عامل أمان استراتيجي تلجأ إليه الدولة في الأحوال الصعبة والخطرة. الأمن الغذائي يتحقق عندما يتمتع البشر في جميع الأوقات بفرص الحصول على الأغذية الكافية والسلمية لتلبية احتياجاتهم الغذائية وهذا ما اعتمدته القمة العالمية للأغذية عام 2009، فهل عانت الكويت صعوبات أو مشاكل طيلة الأشهر الخمسة من عمر الأزمة بتوفير تلك الأغذية؟ وهل خرجت أصوات تشكو من عدم وجود السمك أو الدجاج أو البيض أو الماشية؟المسألة تتعلق بعدة جوانب، يأتي بالدرجة الأولى تأمين السلع الأساسية المعمرة، ثم مستوى المخزون وطريقة التخزين للمواد الغذائية، بعدها تسيير عمليات النقل والإمدادات، أي العمليات اللوجستية أثناء الطوارئ، وهذا ما نعني به في حالة الكويت، فإذا أسقطنا تلك المعايير وبصورة واقعية على التجربة المحلية فسنجد أن شركة المطاحن والدقيق قد اجتازت هذا الاختبار بنجاح بعدما حققت في الأزمات السابقة علامات جيدة. الكويت تفتقر إلى أراض زراعية كافية لإنتاج المحاصيل الضرورية، وهذا أمر معروف، وتعتمد على مياه البحر بالتحلية، وهذا شأنها وشأن دول مجلس التعاون، وتعاني نقصاً في المواشي واللحوم، لكنها تملك القدرة على توفير تلك السلع وبمخزون يكفي لاستهلاك أكثر من أربعة ملايين نسمة لمدة ستة أشهر، وهو بحد ذاته مدعاة للاستقرار. خبراء الأمن الغذائي يجمعون على أن الدولة وفرت المواد الغذائية والسلع الضرورية وعكست صورة متفائلة عن الأمن الغذائي وفق المعايير الثلاثة: توافر الغذاء، القدرة على تحمل تكاليفه، الجودة والسلامة. لم تنته الأزمة بعد، ولذلك ستكون فرصة للدراسة والمراجعة، وتصويب الأخطاء التي وقعت فيها بهدف "تحصين" الأمن الغذائي ككل، والخروج برؤية تضع أسوأ السيناريوهات والاحتمالات التي يمكن أن تواجهها في المستقبل؟ قبل أن أنهي كتابة هذا المقال وصلتني رسالة من الصديق خالد الهاجري راعي جماعة الخط الأخضر يبشر فيها أن إحدى المزارع في سلطنة عمان أنتجت 200 طن من البطيخ، معلقاً عليه بقوله: "يستطيع المزارع الخليجي تحقيق الاكتفاء الزراعي وحماية الأمن الغذائي إذا تم الاهتمام به".