إن الجريمة التي ارتكبها الشرطي الأميركي الأبيض ديرك شوفين ضد المواطن الأميركي جورج فلويد صاحب البشرة السمراء، جريمة ضد الإنسانية وضد كل أخلاق تعارفت عليها هذه الإنسانية، وقد يوحي لون بشرته عند بعض العنصريين البيض أنه ذو أصول إفريقية، ويكره بعض البيض أصحاب البشرة السوداء، وتسببت هذه الكراهية في ظهور حرب أهلية كادت تحرق الدولة الأميركية حتى أدرك بعض العقلاء في البلاد خطورة تلك النزعة، وشرعوا القوانين لتحريمها وتجريمها. وبالرغم من ذلك ما زال بعض البيض عنصريين، ويكرهون الملونين، لذا نرى أن حادثة القتل البشعة هذه التي شاهدها ملايين البشر لا تعد خروجا عن النص في النظام الأميركي، بل حدثت عشرات مثلها، منها أكثر من مرة في عهد الرئيس أوباما، وبرأت المحاكم الأميركية عناصر الشرطة الذين ارتكبوا تلك الجرائم، حتى في هذه الجريمة لم تعتقل السلطات المجرم إلا بعد ثلاثة أيام، وبعد أن اجتاحت المظاهرات المدن الأميركية وأوروبا، ووجهت للقاتل تهمة القتل الخطأ من الدرجة الثالثة، ولكن بعد استمرار الاحتجاجات أعلنت السلطات الأميركية أن رجال الشرطة الأربعة الذين أوقفوا جورج فلويد أصبحوا ملاحقين قضائيا، وأعيد توصيف موته بالجريمة كما كان يطالب مئات الآلاف من المحتجين.
وقد يستغل الديمقراطيون واليسار تلك الحادثة للنيل من الرئيس ترامب والحد من شعبيته، ويتهمونه بالعنصرية واعتماد خطابه الانتخابي على البيض ولا مساحة فيه للزنوج والملونين، ولم يتصل بعائلة الضحية ليواسيهم، بل يقال إن ترامب رفض التكلم مع أخ القتيل لما طلب منه ذلك، ولا شك أن هذه الحادثة قد هزت صورة أميركا وسمعتها في أذهان الكثيرين، وبدأ التشكك في مصداقية المبادئ التي ترفعها، خصوصا الحرية والعدالة والمساواة للجميع.وأكدت لي هذه الحادثة أنه لا حرية ولا عدالة ولا مساواة في المجتمعات البشرية مثل العدالة والمساواة التي تحققت في زمن الرسول وخلفائه، وأضرب حادثتين على سبيل المثال: غضب أبو ذر من بلال بن رباح فقال له: يا ابن السوداء وفي حضرة الرسول، فقال له الرسول غاضبا عيرته بأمه فإنك امرؤ فيك جاهلية، فذهب أبو ذر إلى بلال ووضع وجهه تحت قدمه وطلب من بلال أن يطأ وجهه بقدمه ليعفو عنه، أما الحادثة الثانية فكانت في مصر، لما تسابق قبطي مع ابن عمرو بن العاص، وكان عمرو بن العاص واليا لمصر، فسبقه القبطي، فجلد القبطي بالسوط قائلا له كيف تسبق ابن الأكرمين، فاشتكى القبطي عند عمر بن الخطاب في المدينة، فاستدعى عمر عمرو بن العاص وابنه إلى المدينة وأسمعهما شكوى القبطي، واعترفا بها. وأعطى عمر القبطي السوط وطلب منه أن يجلد ابن الأكرمين فضربه على مرأى من الصحابة، ثم طلب منه أن يجلد أب ابن الأكرمين، لأنه قصر في تربية ابنه ولو رباه التربية السليمة لما ارتكب مثل هذه الجريمة، وتقدم عمرو بن العاص ليجلده القبطي خضوعا لأوامر الخليفة، ولما أمسك القبطي بالسوط ليجلد والي مصر ارتعشت يده وسقط السوط منها، فقال للخليفة قد استوفيت حقي، فقال عمر قولته المأثورة "يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحرارا؟"، وهذا ما أكده المحتجون في أميركا أن النبي محمد هو الوحيد الذي حارب العنصرية بكل أشكالها.
مقالات
جريمة ضد الإنسانية
10-06-2020