بعدما انتهكت الصين الاستقلالية الشرعية لهونغ كونغ عبر فرض قانون أمني جديد عليها، اتخذ الأميركيون وحلفاؤهم التقليديون خطوة لافتة، فتبنّوا موقفاً موحداً، لكن بقي ذلك التضامن عابراً.أصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي واليابان وكندا وأستراليا ونيوزيلندا بيانات لانتقاد ما حصل، لكن أعلن الرئيس دونالد ترامب سريعاً أن الولايات المتحدة ستحتجّ على التحرك الصيني عبر إنهاء العلاقات التجارية الخاصة مع هونغ كونغ، أما الاتحاد الأوروبي، فرفض فرض أي عقوبات اقتصادية.
قد لا يكون هذا الانقسام مفاجئاً، لكنه انهزامي للأسف، يجب أن تضع الدول الديمقراطية مقاربة طويلة الأمد للتعامل مع الصين، على أن تجمع بين وضوح الأهداف وقوة الإرادة والانضباط.تحديات استراتيجيةلتطوير مقاربة مشتركة تجاه الصين، على البلدان الديمقراطية أن تتجاوز ثلاث عقبات كبرى: تتعلق العقبة الأولى بتوسّع انعدام الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في السنوات الأخيرة، إذ لا تزال القيادة الأميركية عاملاً محورياً لاتخاذ أي تحركات جماعية حاسمة، لكنّ أداء ترامب المتهور يبعد شركاء الولايات المتحدة التقليديين، فتدهور الوضع بسبب إهاناته وتهديداته وعقوباته وأصبح انعدام الثقة متبادلاً اليوم، ومن الواضح أنه يفضّل التعامل مع الصين بشكلٍ أحادي الجانب.أما العقبة الثانية فترتبط بتردد البعض في الاعتراف بجدّية التحديات التي تطرحها بكين، حيث بدأ الاتحاد الأوروبي حديثاً يشدد موقفه من الصين وحذت بريطانيا وكندا حذوه، إذ يقبع مواطنان كنديان في سجن صيني منذ أكثر من 500 يوم، وهما رهينتان في خلاف دبلوماسي بين البلدين، وكانت اليابان وأستراليا الخبيرتان في التعامل مع الأساليب الصينية من أوائل البلدان التي اعترفت بحجم المصاعب المطروحة.أخيراً، تزداد المخاوف من أن تبالغ الولايات المتحدة في ردة فعلها تجاه الصين، ورغم المنافسة القائمة بين الطرفين، يجب أن يلتزما ضبط النفس لضمان استقرار الاقتصاد العالمي والتعامل مع أزمة مناخية متفاقمة ووباء غير مسبوق يطاول مليارات الناس،و هذه المشاكل كلها تتطلب تعاوناً مستمراً.لكن يبقى السلام الدولي على المحك، فإذا أطلقت واشنطن مساراً متهوراً في تعاملها مع الصين، يجب ألا تتوقع من الحلفاء توجهاً مماثلاً، وستكون أي حرب باردة جديدة وغير ضرورية سيئة بما يكفي، أما الحرب الحقيقية، ولو أنها تبقى مستبعدة، فتشكّل مأساة تاريخية.قد تكون متابعة التعاون مع بكين في المجالات التي تحمل مصالح مشتركة للطرفين، تزامناً مع صدّ ممارساتها الضارة، سياسة شائكة، لكن لا خيار آخر أمام الأميركيين، حيث يؤدي الفشل في رسم حدود واضحة لسلوك الصين إلى تشجيعها على خوض المغامرات، لكنّ معاداتها ستحوّلها إلى عدو حقيقي.على الدول الديمقراطية وأي بلدان أخرى تشاركها المخاوف نفسها أن تبتكر استراتيجيات مشتركة لمعاقبة الصين على محاولات السيطرة على التكنولوجيا الاستراتيجية عن طريق التجسس وسرقة الملكية الفكرية، وتستطيع تلك الجهات أيضاً أن تحدد معايير مشتركة للتدقيق بالاستثمارات الصينية الخارجية في قطاعات حساسة ومنع الضغط على الشركات الأجنبية الناشطة في الصين لإجبارها على كشف أسرارها التجارية.وعلى الرئيس الأميركي، بغض النظر عن هويته بعد نوفمبر المقبل، أن يعيد اكتشاف أهمية التعاون مع الحلفاء لأن الولايات المتحدة لا تستطيع النجاح وحدها، لكن من واجب هؤلاء الحلفاء أيضاً أن يتفهموا مخاوف واشنطن بشأن الصين ويطلقوا ردة فعل أكثر صرامة.في ظل الانقسام الحاد داخل الولايات المتحدة وتصاعد التوتر العابر للأطلسي وانتشار الخلافات في أوروبا حول طريقة التعامل مع الصين، قد يبدو احتمال نشوء هذا الشكل من التضامن ضئيلاً، لكنّ الضرورات الاستراتيجية التي تحتّم التعاون ستتنامى مع مرور الأيام لأن التحديات الصينية لن تزول من تلقاء نفسها، فقد كان بنجامين فرانكلين محقاً حين قال يوماً إن الدول الديمقراطية، إذا لم تتكاتف في ما بينها، فستنهار بشكلٍ منفصل!* رولاند باريس
مقالات
الديمقراطيات المتباعدة تعجز عن مواجهة التحديات الصينية!
10-06-2020