بعد أن وضعها مجلس القضاء الأعلى اللبناني منذ أشهر وفق المعايير التقنية المهنية الموضوعية المطلوبة، رفع في وجه التشكيلات القضائية «الحرم السياسي» لأنها لم تعجب أهل «العهد» فرميت في دربها عراقيل كثيرة، قبل أن تبلغ أخيراً، محطة قصر بعبدا، أمس، ليرفضها رئيس الجمهورية ميشال عون ويردّ مرسومها مع الأسباب الموجبة قائلاً، إن «إعادة النظر في هذه المناقلات أمر متاح في كل حين ومناسبة، ومتروك لتقدير مجلس القضاء الأعلى».

وكشفت مصادر سياسية لـ«الجريدة»، أمس، أن «السبب الرئيس وراء تعطيل التشكيلات من الرئيس عون هو رفض مجلس القضاء تعيين قضاة محسوبين على فريق عون السياسي»، مشيرة إلى أن «مستشار عون الوزير السابق سليم جريصاتي ضغط بقوة لاستبدال بعض الأسماء كي تمر التشكيلات وهو ما لم يحصل».

Ad

وتسبب مرسوم التشكيلات باشتباك نادر بين جريصاتي وأمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكية، مساء أمس الأول، إذ وصف المستشار الرئاسي «خطوتين لمكية بأنه أقدم عليهما بخفة وهما: «تغريدة بشأن مسار مرسوم عادي في سياق احتفالية توقيع في رئاسة الحكومة، وتولي رئاسة مجلس الخدمة المدنية بالوكالة (مجلس الوزراء كلفه بالوكالة لمدة أسبوعين) من دون حلف اليمين أمام رئيس الجمهورية». وختم ساخراً: «يكفينا غير المألوف في معرض الجد». التغريدة التي قصدها جريصاتي كان مكية كتبها الجمعة الماضي، وورد فيها: «اليوم ورد مرسوم التشكيلات القضائية إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء. اليوم أرسلته الأمانة العامة للتوقيع من وزيرة الدفاع ووُقعت. اليوم، أرسل للتوقيع من وزير المالية ووُقع. اليوم وقعه دولة الرئيس اليوم أرسل المرسوم إلى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية». ويبدو أن هذه التغريدة أثارت حفيظة القصر الجمهوري فجاء الرد القاسي من جريصاتي.

واستدعت خطوة عون رداً سياسياً من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي غرّد، أمس، قائلاً: «رغم عدم مثالية التشكيلات القضائية المطروحة، فإن رد رئيس الجمهورية لها هو 10 خطوات إلى الوراء».

كما اعتبر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أن «العهد القوي ينافس الرئيس القوي بسرعة الفشل والتخبّط والكيدية وخرق الدستور وإثارة العصبيات والجوع المزمن للإمساك بالتعيينات والمواقع الإدارية والمالية والاقتصادية». وأضاف: «من التراجع عن قرار مجلس الوزراء بشأن سلعاتا إلى ردّ التشكيلات القضائية بعد أن وقّع عليها رئيس الحكومة إلى الحملة المريبة على الأمين العام لمجلس الوزراء ومحاولة الهيمنة على مجلس الخدمة المدنية إلى التخبّط المتمادي في الملفات الاقتصادية والمالية، إلى اعتبار التعيينات ملكاً حصرياً لجهة حزبية واحدة وإلى اتخاذ الرئاسة الأولى متراساً للدفاع عن مطالب حزب العهد... مسارٌ واحد من السياسات العشوائية التي تقع تحت سقف خرق الدستور وتجاوز الصلاحيات وتقديم المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية».

وكان مجلس القضاء الأعلى أنجز التشكيلات في 5 مارس الماضي، وأحالها على وزيرة العدل ماري كلود لتوقيعها على أن تصدر بعد تذييلها بتواقيع وزيري الدفاع والمال ورئيسي الحكومة والجمهورية، لكنّ نجم وضعت ملاحظات عليها، ورفضت إبقاء بعض المراكز حكراً على طوائف محددة. وبعد أخذ ورد لثلاثة أشهر عادت نجم ووقعت على التشكيلات قبل 10 أيام ثم وقع عليها رئيس الوزراء حسّان دياب الجمعة الماضي لتحط أمس في القصر الجمهوري.