تصور الانتعاش الأزرق

نشر في 11-06-2020
آخر تحديث 11-06-2020 | 00:09
الاستثمار في الإجراءات الرئيسة المتعلقة بالمحيطات مثل إزالة الكربون من قطاع الشحن والمحافظة على نبات المانغروف وإنتاج مستدام للطعام البحري وتطوير الطاقة المتجددة يوفر فوائد عالمية.
 بروجيكت سنديكيت من جامايكا إلى بالاو ومن النرويج إلى إندونيسيا فإن تأثير أزمة «كوفيد - 19» هو تأثير عالمي، حيث يجب أن تركّز جهود الانتعاش ضمن بلد ما على البعد العالمي، وذلك من أجل اغتنام الفرص المشتركة ولا يوجد مكان أكثر وضوحا لتطبيق ذلك من المجال العالمي الذي يوحّدنا وهو المحيط، نحن بحاجة الآن إلى الاستفادة من إمكانات 70% من الكوكب من أجل «التعزيز الأزرق» لاقتصاداتنا في حين نبني عالما أكثر مرونة وصلابة واستدامة.

إن المحيط هو محور الحياة على الأرض فهو يمتص ربع جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويلتقط أكثر من 90% من الحرارة الإضافية التي يولّدها، إن اقتصاد المحيطات يساوي أكثر من 2.5 تريليون دولار أميركي سنويا فهو يوفر الطعام البحري لأكثر من ثلاثة مليارات شخص كل يوم وسبل العيش لثلاثة مليارات شخص، وهو أيضا ينقل نحو 90% من التجارة العالمية، وهو مصدر للطاقة وللمحتويات الرئيسة لمحاربة الأمراض وبالنسبة إلى العديد منا هو مكان للعمل والسكن كذلك.

نحن نمثل بلداناً تتطلع بشكل مكثّف للمحيط لتوفير الخدمات الأساسية والمؤن وذلك من تربية الأحياء البحرية في المضايق البحرية النرويجية الى السياحة ومصايد الأسماك قبالة بالاو وفي حين تحدياتنا مختلفة، نرتبط جميعا بحقيقة أن الجائحة قد وضعت الكثير من هذا في خطر فصناعة السياحة العالمية تواجه تحديات عميقة في 2020 والكثير من الغموض في السنوات القادمة، حيث من المرجح أن يكون الانتعاش صعبا ويمتد فترة طويلة.

إن بالاو على سبيل المثال تتوقع هبوط إعداد السياح بنسبة 52% سنة 2020 و92% سنة 2021 مما سيؤدي إلى هبوط الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 23%، إن هناك خطراً كذلك يتعلق بالأمن الغذائي، فسلاسل التوريد قد تعطلت بسبب التباعد الاجتماعي وإجراءات الحجر الصحي، حيث أصبحت قطاعات صيد الأسماك والطعام البحري على وجه الخصوص في وضع صعب.

وبينما يفكر العالم مليا في التأثيرات والطرق التي ستجعل العالم يحقق الانتعاش، فإن اللجنة العليا لاقتصاد المحيطات المستدام (لجنة المحيطات التي اشترك في رئاستها) تؤكد أن الطبيعة الزرقاء يجب أن تكون في قلب تفكيرنا، إن للمحيط دورا أساسيا ليؤديه، وهذا لا يقتصر على الصحة والأدوية والأمن الغذائي وأمن الطاقة والتخفيف من التغير المناخي والتأقلم معه والاكتشاف العلمي فحسب، بل يشمل كذلك– وربما هذا يعتبر أكثر أهمية بالنسبة إلى مستقبل ما بعد الجائحة- تعزيز المرونة والصلابة في مواجهة صدمات مماثلة.

من أجل التحقق من أن يؤدي المحيط دوره، فإن الطريق للانتعاش يجب أن يتضمن التعامل مع عقدة الهدر، وذلك من خلال تطوير اقتصاد مدور قائم على عملية إعادة تدوير المنتجات لإعادتها في السلسلة، أنظر الى التلوث البلاستيكي والذي يشوه أراضينا ويملأ محيطنا ويؤذي صحة الناس الأكثر فقرا في العالم، أن هناك ملياري إنسان يفتقدون لوسائل الوصول الى أنظمة إدارة المخلفات ومن المرجح أن تزيد الجائحة من هذا الوضع علما أنه خلال تفشي مرض الأيبولا في 2014-2016 في غرب إفريقيا كانت التقديرات تشير الى أن معدل توليد النفايات المعدية هو 240 لترا لكل مريض بالايبولا يوميا.

بالإضافة الى ذلك فإن تلوث المحيطات لا يقتصر على البلاستيك، حيث يتضمن كذلك الملوثات البيئية مثل المبيدات الحشرية والمعدات الثقيلة والمواد العضوية والمضادات الحيوية، إن الأبحاث التي تم إعدادها بتكليف من لجنة المحيطات تظهر أنه يتوجب علينا التعامل مع الأسباب الجذرية لجميع أشكال تلوث المحيطات للتحقق من صحة كوكبنا ورفاهية البشر.

أنظر الى دور المحيط في الأمن الغذائي فهو جزء حيوي من الحل لمشكلة التعطيل متوسط المدى للأنظمة الغذائية والتحدي طويل المدى لاطعام عشرة مليارات انسان بحلول سنة 2050 وهذا ينطبق بشكل خاص على بلدان مثل بالاو، حيث يعتمد الناس على المحيط في معظم طعامهم. لقد ساعدت صناعة صيد الأسماك في غرب إفريقيا في إطعام السكان عندما تم التخلي عن الأراضي الزراعية خلال تفشي وباء الإيبولا، حيث أدت الأسماك دورا رئيسا في تأمين البروتين للمجتمعات الساحلية وغير الساحلية، وإن الأبحاث التي تم عملها بتكليف من لجنة المحيطات تظهر انه مع تحسين الإدارة والابتكار فإن بإمكان المحيط توفير اكثر من ستة اضعاف الطعام الذي نحصل عليه منه اليوم.

في الوقت نفسه يتم التعامل حاليا مع بعض أوجه الضعف في سلاسل توريد الطعام البحري على المستوى المحلي والعالمي والتي كشفتها الأزمة، حيث يتم تقصير سلاسل التوريد وجعلها أكثر صلابة ومرونة، وذلك بفضل توسيع مرافق التخزين البارد وإعطاء دور اكبر للصيد الحرفي على نطاق محدود بالإضافة الى زيادة الطلب المحلي.

يجب أن تكون المرونة والصلابة هدفا لجميع السياسات الاقتصادية، فالأزمة العالمية التي تسبب بها «كوفيد- 19» لا تعني انتهاء التحديات طويلة المدى التي تواجه المناخ والمحيطات، بل على العكس من ذلك فإنها تجعلنا اكثر ضعفا في مواجهتها، كما أن هذه الأزمة لا تحرمنا من الفرص التي تقدمها اقتصادات المحيطات المستدامة، فعلى سبيل المثال فإن استثمارات النرويج المتعلقة بالانتعاش الاقتصادي في الشحن الصديق للبيئة بما في ذلك السفن الجديدة التي تعمل بمصادر طاقة بدون انبعاثات مثل الهيدروجين والبطاريات ستحد من التلوث وتخلق فرص عمل.

إن مبررات تطوير اقتصاد صحي ومستدام للمحيطات هي مبررات قوية، فالاستثمار في الإجراءات الرئيسة المتعلقة بالمحيطات مثل إزالة الكربون من قطاع الشحن والمحافظة على نبات المانغروف وإنتاج مستدام للطعام البحري وتطوير الطاقة المتجددة يوفر فوائد عالمية، فهذه الفوائد لا تتضمن فوائد مالية فحسب لكنها تحسّن كذلك من النتائج الصحية للمستهلكين بالإضافة الى التنوع البيولوجي الأغنى والمزيد من الوظائف المضمونة وغيرها من الفوائد، إذ يجب أن ينظر إلى المحيط المستدام ليس كأمر ضروري من حيث المحافظة على البيئة فقط، ولكن أيضا كأولوية بالنسبة إلى مستقبل الاقتصادات والأنظمة البيئية والمجتمع.

إن الطبيعة العالمية الاستثنائية لأزمة «كوفيد - 19» تعني أنه يجب علينا العمل معا لتحقيق المستقبل المستدام الذي نتصوره وخلال العام القادم ستقوم لجنة المحيطات بالإعلان عن أجندة العمل التي تشرح بالتفصيل الخطة التي تجمع الحماية الفعالة والإنتاج المستدام والازدهار العادل من أجل تحسين الصلابة والمرونة في مواجهة الصدمات الاقتصادية والأزمات الصحية والاضطرابات الاجتماعية التي تنتج عنها، وحتى ذلك الحين نحن نعمل مع الأعضاء الآخرين في لجنة المحيطات، وذلك من خلال تبادل الخبرات والمعرفة والأفكار ومناقشة التحديات ودعوة الآخرين للانضمام إلينا.

إن اتخاذ الخطوات الآن من أجل الاستجابة وإعادة ضبط الأمور وإعادة البناء من خلال انتعاش أزرق سيعزز صحة المحيطات وثرواتها ويحفّز الاقتصادات ويخلق مستقبلا أكثر مرونة وصلابة واستدامة وازدهارا لنا جميعا.

* إيرنا سولبرغ رئيسة وزراء النرويج.

* وتومي رمنجساو جونيور هو رئيس بالاو.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

الطبيعة العالمية الاستثنائية لأزمة «كوفيد- 19» تعني أنه يجب علينا العمل معا لتحقيق المستقبل المستدام
back to top