هل تكرر تركيا وروسيا «السيناريو السوري» في ليبيا؟

نشر في 11-06-2020
آخر تحديث 11-06-2020 | 00:05
مجموعة من راكبي الدراجات يتدربون على طريق في العاصمة الليبية طرابلس
مجموعة من راكبي الدراجات يتدربون على طريق في العاصمة الليبية طرابلس
تعجز روسيا وتركيا، اللتان تتواجهان في ليبيا حيث يدعم كل منهما طرفاً في النزاع المحلي، عن التحرّك بعيداً عن حلفائهما، ولكن قد يكون بمقدورهما التوصل إلى توافق في هذه الرقعة التي تتداخل فيها تأثيرات كثيرة على غرار ما جرى بينهما في سورية.

وحققت قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة والمدعومة من أنقرة سلسلة من الانتصارات العسكرية في الأسابيع الأخيرة، في حين تراجعت قوات المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في الشرق الليبي المدعوم من روسيا والذي يشن منذ 14 شهراً هجوماً للسيطرة على طرابلس.

ويشهد النزاع الليبي تدخُّل قوى أخرى عديدة لكل منها أجندته، إذ تدعم قطر مع تركيا حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، في وقت تؤيد مصر والإمارات وبدرجة أدنى فرنسا الحكومة الموازية في شرق البلاد.

غير أن موسكو وأنقرة هما اللتان تمسكان بمفاتيح تسمح لهما بالتحكم في مصير البلد الذي تعمه الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

وقال مدير الأبحاث في معهد البحث الاستراتيجي في الكلية الحربية (إرسيم) في باريس بيار رازو، إن «روسيا وتركيا تبدوان الطرفين العسكريين الأكثر التزاماً كلّ إلى جانب حليفه».

وذكر خبير ليبيا في معهد المجلس الأطلسي للدراسات عماد بادي: «لا أقول إنهما صانعتا ملوك لأن ثمة أطرافاً أخرى يمكن أن تعرقل اتفاقاً ثنائياً، لكنهما تملكان أفضل أدوات ضغط سياسي»، مضيفاً: «بإمكانهما نسف حل سياسي إذ اعتبرتا أنه لا يخدم مصالحهما».

وموسكو مهتمة بالمحروقات الليبية، كما أن من مصلحتها قيام سلطة صديقة لها على الضفة الشرقية من البحر المتوسط. ويشارك مرتزقة من شركة «فاغنر» الأمنية الخاصة التي تعتبر قريبة من الكرملين في المعارك بليبيا دعماً لقوات المشير حفتر، ولو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينفي ذلك.

لكن الباحث في معهد إفريقيا في كلية العلوم الروسية ألكسندر تكاتشنكو أوضح أن «موسكو ليس لديها مطامع إمبراطورية في ليبيا. يجب ألا نبالغ بأهميتها في السياسة الخارجية الروسية».

أما أنقرة، فرهانها كبير في ليبيا التي كانت حتى 1912 جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. وقدمت تركيا طائرات لدعم قوات حكومة الوفاق وأرسلت مرتزقة سوريين، مما أتاح قلب موازين القوى لمصلحة حكومة السراج.

وقال المحلل السياسي علي بكير العامل في أنقرة إن لتركيا «روابط تاريخية مع الليبيين ومشاريع بنى تحتية بمليارات الدولارات»، مشيراً إلى أن نفوذاً قوياً في ليبيا «يعزز موقع أنقرة في رهانات إقليمية أخرى، ويسمح لها ببسط نفوذها بشكل أكثر فاعلية خارج محيطها المباشر»، بالنسبة إلى ملفات حيوية مثل تقاسم المناطق النفطية في شرق المتوسط والنزاع في سورية والهجرة إلى أوروبا.

ويشير العديد من المراقبين، في هذا الصدد، إلى «مكابرة» الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الخارج، فهو طموح وعلى خلاف مع الأوروبيين، ويشتبه في أنه يدفع في اتجاه قيام نظام إسلامي متشدد في طرابلس يكون قريباً من جماعة الإخوان المسلمين التي يدعمها.

لكن الخبراء يؤكدون أنه ليس من مصلحة موسكو ولا أنقرة أن تتواجها بشكل مباشر. ويقول عماد بادي: «بإمكانهما التوصل إلى أرضية توافق سياسي وعسكري في آن واحد، من خلال تحديد دوائر النفوذ»، ولا سيما مع ابتعاد إمكان حسم محض عسكري للحرب رغم التقدم الذي أحرزته قوات حكومة الوفاق أخيراَ.

من جهته، شدد بيار رازو على مدى تداخل السياسات الإقليمية المختلفة. فتركيا وروسيا تتواجهان أيضاً في سورية، والمفاوضات الجارية على جبهة يحكمها منطق منبثق من الجبهة الأخرى.

ورأى رازو أن «بإمكان موسكو وأنقرة التفاهم على التسوية التالية: أن تدع تركيا روسيا والنظام السوري يستعيدان السيطرة على جيب إدلب مع التلويح بإمكان انسحاب جيشها من جزء من شمال سورية، مقابل أن تتخلى روسيا عن طرابلس وخليج سرت لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من أنقرة».

back to top