لا يشكل التطرف الإسلامي ظاهرة جديدة في بنغلادش، فهو يرجع إلى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، إضافة إلى أن الجماعات الاسمية تقوم على عملية تطور يمكن تقسيمها إلى 6 مراحل: تتمثل المرحلة الأولى بما يعرف باسم فترة الحضانة، وهي تغطي المدة ما بين أواخر السبعينيات إلى عام 1986 من القرن الماضي، حين لم تكن هناك هجمات وأنشطة علنية، وبدأت المرحلة الثانية وهي فترة التشكيل عبر تشكيل مسلم ملا بهيني في عام 1986 والتي انتهت في عام 2001 عبر تشكيل حزب تحرير بنغلادش، وخلال تلك الفترة تأسست في بنغلادش مجموعات إسلامية متطرفة كثيرة شملت حزب تحرير بنغلادش وجماعة جاغراتا مسلم جاناتا بنغلادش وحركة الجهاد الإسلامي. وبدأت المرحلة الثالثة، وهي مرحلة العمليات، عام 2001 بعملية تفجير استهدفت مهرجاناً للحزب الشيوعي في بنغلادش، وانتهت في 2007 بعد تنفيذ أحكام الإعدام بحق قادة جماعة المجاهدين وجماعة جاغراتا مسلم جاناتا بنغلادش، وشهدت تلك المرحلة مقتل 156 شخصاً من النشطاء الثقافيين وكبار الشعراء والقضاة والوجوه العلمانية، وبدأت المرحلة الرابعة التي دعيت « المرحلة الصامتة « لأنها اتسمت بهدوء واضح في الأنشطة الميدانية في عام 2007، واستمرت حتى 2013 وأعقبتها «المرحلة العنيفة» التي بدأت بمقتل المدون راجيب حيدر في عام 2013 وامتدت حتى عام 2017 الذي شهد عملية تفجير انتحاري في سلحت، وبدأت المرحلة السادسة في عام 2018 وهي بكل تأكيد فترة ركود في العمليات، حيث تركزت على التجنيد وجمع الأموال من أجل تغطية نفقات وجود التنظيمات المسلحة.
علامة استفهام لافتة
عند هذه النقطة تبرز علامة استفهام مثيرة للجدل، وهي تتمحور حول مدى كفاءة أداء قوات الأمن في بنغلادش في توجيه ضربات ناجحة ومؤثرة ضد الجماعات المسلحة، ومن الواضح الى حد كبير أن قوى الأمن تعتمد حتى الآن على ردود فعل نشطة وفورية في ملاحقة تلك الجماعات، وعلى أي حال، يمكن القول إن استجابة القوات العسكرية يمكن أن تكون استراتيجية قصيرة الأجل فقط، لأن مثل تلك الخطوة لا يمكنها أن تتتبع بصورة تامة استمرار جذور المشكلة التي تعتمد أيديولوجية راديكالية ترفض المساومة أو الحوار بأي شكل.والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: ما الذي شهدناه حتى الآن في بنغلادش؟ وعندما تم الإعلان عن وجود خليفة من تنظيم «داعش» في عام 2014 بدأت جماعة المجاهدين في بنغلادش تحظى بزخم بسبب ارتباطها بذلك التنظيم الذي يحصل على التجنيد عن طريق مجموعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» تدعى «أنصار الإسلام»، إضافة إلى جماعة المجاهدين وغيرها من الجماعات الدينية المتطرفة. وأسفر هذا التطور عن زيادة نمو جماعة المجاهدين الجديدة التي تمكنت في نهاية المطاف من شن هجمات بربرية استهدفت مقهى هولي أرتيزان في شهر يوليو من عام 2016، ويتعرض تنظيم «داعش» في الوقت الراهن إلى اختناق وتراجع ملحوظ نتيجة خسارته قواعده العقائدية في سورية والعراق، وفي بنغلادش عانت المجموعات المسلحة مثل جماعة المجاهدين من هزائم خطيرة أيضاً بسبب حملات القمع العسكرية التي استهدفتها بشدة، والتي بلغت حوالي 30 عملية أسفرت عن مقتل أكثر من 70 عضواً من تلك الجماعة.من جهة أخرى، لم تفقد حركة «أنصار الإسلام» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» وجماعة المجاهدين الكثير من الأفراد في العمليات ولا القواعد العقائدية، ولكن جماعة المجاهدين في بنغلادش كانت تعاني من أزمة شديدة في القيادة منذ اعتقال زعيمها الشيخ عبدالرحمن في عام 2005 وذلك على الرغم من انتقال الزعامة الى مولانا سيدور رحمن الذي تعرض للاعتقال في عام 2010 أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أن القيادة الجديدة لم تحصل على قدر كبير من الاهتمام المفترض على الرغم من أن طموحات جماعة المجاهدين في بنغلادش لأن تصبح منظمة انتقالية عابرة كانت واضحة إلى حد كبير منذ تدشينها لجماعة المجاهدين في الهند في عام 2017.تطورات مثيرة للاهتمام
ومن اللافت أن جماعة أنصار الإسلام ظلت غير متأثرة بصورة نسبية منذ بدأت قوى الأمن عمليتها ضد الجماعات المتطرفة في البلاد في عام 2016، وقد حكم على الزعيم الروحي لجماعة أنصار الإسلام رحماني وبعض أعضاء الجماعة بالسجن، ولكن لم يعرف حتى الآن مصير قائدها العسكري الرائد ضيا والمتحدث باسمها عبد الله أشرف ومحمد مقداد. وعلى الرغم من سلسلة العمليات التي جرت في الآونة الأخيرة، وهدفت الى تفكيك وإضعاف تلك الشبكات استمرت حركة أنصار الإسلام في حملاتها الدعائية «أون لاين» التي كان لها أثرها السلبي على السلم والأمن في بنغلادش بحسب العديد من المصادر، وتقول صحيفة البلاغ البنغالية التابعة للمجموعة «إنهم يستمرون في نشاطهم أون لاين كما يتبين بوضوح من بياناتهم».الخطر الكبير
وإذا سألنا عن الخطر الكبير التالي في بنغلادش الذي يمكن أن يشكله التطرف هناك قد تكون حركة أنصار الإسلام هي الجواب المحتمل، ويرجع ذلك إلى أن تلك الجماعة لم تفقد قاعدتها العقائدية بخلاف ما كان الحال بالنسبة الى تنظيم «داعش»، وفي واقع الحال فإن نقاطها العقائدية ازدادت وتعززت نتيجة مضاعفات أزمة الروهينغا في ميانمار والقانون الذي صدر ضد المسلمين في الهند حول مسألة الجنسية وسقوط جماعة المجاهدين الجديدة في بنغلادش.ولعل الجانب المثير للقلق يتمثل الى حد ما في قدرة جماعة أنصار الإسلام على الاستمرار في نشاطها أون لاين، ويوجد في بنغلادش حوالي 90 مليون مشترك على الإنترنت، كما أن دراسة أجريت في عام 2017 من قبل شرطة بنغلادش مع 250 ناشطاً متطرفاً كشفت أن 82 في المئة من تلك الشريحة كانوا استلهموا في الأصل من خلال دعاية وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى أن 80 في المئة منهم استخدموا «ثريما» و«وي تشات» أو «ماسنجر» وغير ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي في التحاور والاتصالات.سبب آخر للقلق
ويتمثل السبب الآخر المثير للقلق في أن قوى الأمن في بنغلادش قد نقلت اهتمامها وتركيزها من المتطرفين الجهاديين، وتوجهت نحو مكافحة شبكات تهريب المخدرات، وهي تعمل الآن على محاربة وباء كورونا المستجد.في غضون ذلك قد يسهم انتشار وباء كورونا (كوفيد- 19) في نمو وتكاثر المد الراديكالي في عدد من الطرق في بنغلادش، وتتمثل أول وسيلة في هذا الصدد في توافر الكثير من الوقت بالنسبة الى العناصر الراديكالية وجمهورها من المتابعين لمشاهدة البرامج التلفزيونية بسبب الحجر المنزلي والدخول في عالم السبرانية بصورة تامة، ومن شأن ذلك أن يسمح بكل تأكيد لمجموعات المتطرفين بالوصول الى جمهور المشاهدين بسهولة تامة. أما الوسيلة الثانية فتتمثل في إمكانية وباء كورونا المستجد على نشر الإحباط وخيبة الأمل في أوساط بعض جيل الشباب، وذلك شأن أي أزمة أخرى في الحياة، ونتيجة لذلك قد يسقط ذلك الجيل المحبط ضحية سهلة ويتقبل روايات المجموعات المتطرفة.وأخيراً، ربما يعزز ذلك الوباء رواية يوم القيامة التي تطرحها الجماعات المتطرفة، وهي الرواية التي أشار اليها أيضاً بعض العلماء التقليديين، وتتسم دعاية تنظيم «داعش» و»القاعدة» بالانتهازية، وهي تغير نبرتها وسردها مع تطور الوباء وسرعة انتشاره، وقد سارع عدد من وسائل الإعلام العنصرية والمتطرفة إلى القول إن الوباء يتطلب حشداً للجهد إضافة الى تشجيع الهجمات على ونشر نظريات المؤامرة حول «كوفيد- 19».الساحة الهندية
وباختصار تستغل جماعة أنصار الإسلام أزمة القيادة ضمن جماعة المجاهدين في بنغلادش والاحباط العقائدي في أوساط تنظيم «داعش»، وقد تتقدم بقوة في أجندتها المتعلقة بنشاطها في الساحة الهندية، وفي ضوء هذه الخلفية من التحديات المتطرفة ستكون الحكومة في بنغلادش في حاجة الى طرح استراتيجية واضحة تهدف الى محاربة التطرف الديني، ولا بد من التأكيد على أن السياسة المؤقتة لن تساعد على تحقيق الهدف المرجو، وهذه السياسة يجب أن تعالج قضايا الأمن السبراني والاستمرار في مراقبة العالم السبراني ومواجهة روايات المتطرفين المضللة، إضافة إلى خلق فرص عمل للشباب كما يمكن استخدام العلماء الإسلاميين التقليديين من أجل دحض الروايات التي تطرحها الجماعات المتطرفة.• شافي محمد مصطفى