وسط أجواء مشحونة بالتوتر، عقد وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا، اجتماعهم عبر تقنية الفيديو كونفرانس أمس الخميس، لليوم الثالث على التوالي، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا، في محاولة أخيرة للبحث عن حل لأزمة سد النهضة الإثيوبي التي تهدد باندلاع أزمة هي الأكبر في القارة السمراء خلال القرن الواحد والعشرين، بسبب التباين الواضح في مواقف مصر وإثيوبيا.واستمع الاجتماع لوجهة النظر المصرية التي ألقاها وزير الري محمد عبدالعاطي، والتي تتضمن تمسك مصر الواضح بوثيقة 21 فبراير الماضي، والتي أعدتها الولايات المتحدة والبنك الدولي، والتي وقعت عليها مصر بالأحرف الأولى، كأساس للتفاوض، في مواجهة محاولات إثيوبيا لفتح النقاش من جديد حول جميع القضايا، إذ انسحب الوفد الإثيوبي من مسار مفاوضات واشنطن في نهاية فبراير الماضي، بعد رفض التوقيع على اتفاقية نهائية تتعلق بجميع النقاط الخاصة بسد النهضة.
وزارة الري السودانية كشفت في بيان لها ما دار خلال اجتماعات أمس الأول، إذ أكدت أن الاجتماع الذي عقد بمبادرة من رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، عرضت خلاله مصر موقفها بالتمسك بوثيقة 21 فبراير كأساس للتفاوض، لكن يبدو أن الجانب الإثيوبي لم يوافق على هذا العرض، إذ وعد بحسب البيان السوداني "بتقديم مقترح متكامل للاجتماع، بينما أعاد الوفد السوداني تأكيد موقفه المقدم في وثيقة الحل الوسط التي تقدم بها خلال جلسة الثلاثاء الماضي".من جانبها أكدت أديس أبابا، في اليوم الثاني للمفاوضات أمس الأول، التزامها بإجراء حوار ومفاوضات حقيقية "بشأن المبادئ التوجيهية والقواعد المتعلقة بتشغيل السد وسنوات الملء"، وأكدت التزامها بإعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في 2015، لكنها كشفت عن تباينها مع الموقف المصري بالحديث عن ضرورة أن تكون وثيقة العمل الخاصة بالفرق القانونية والفنية للدول الثلاث "خلال اجتماع 12 و13 فبراير الماضي، أساس التفاوض".ووضح ميراث عدم الثقة المتبادل بين أديس أبابا والقاهرة، إذ قالت الأولى في بيانها إن لجوء مصر لمجلس الأمن لممارسة الضغط الدبلوماسي الخارجي "ليس مؤشرا على الشفافية وحسن النية في المفاوضات"، وذلك بعدما قالت وزارة الري المصرية إن الاجتماع الأول الثلاثاء الماضي من الصعب وصفه "بأنه كان إيجابيًا أو وصل إلى أي نتيجة تذكر".في غضون ذلك، شنت مجموعة من الباحثين الإثيوبيين هجومًا على دولتي المصب (مصر والسودان)، وطالبت بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، حكومة بلادهم باتخاذ مواقف أشد تصلبا وحسما خلال مفاوضات سد النهضة، وقالت الباحثة مقدلاويت ميساوي: "إثيوبيا تجاوزت ما هو مطلوب فيما يتعلق بالتعاون والتفاوض وحسن النية، وهذا تنازل من جانبنا... أعتقد أن إثيوبيا يجب أن تأخذ عبرة من المناقشات السابقة وأن تعقد مناقشتها على هذا الأساس".وتابعت ميساوي: "يجب أن يكون هناك خط أحمر حيث يمكن لإثيوبيا أن تقول: لا أو كفى"، وهاجمت مصر التي تستخدم مياه النهر بكفاءة متدنية ما يظهر انعدام "المصداقية للحديث عن ندرة المياه"، واتهمت مصر والسودان باحتكار استخدام نهر النيل لآلاف السنين، لتخلص في النهاية إلى أنه "لا يوجد إطار قانوني يلزم إثيوبيا بأن تكون جزءا من هذه المناقشات".الباحث الإثيوبي صاموئيل تيفيرا، كان أكثر صراحة، إذ اعتبر أن الحديث عن الحصص التاريخية في نهر النيل (في إشارة لحصص مصر والسودان)، "ترتيب استعماري"، وأشار إلى رفض مصر والسودان التوقيع على اتفاقية الإطار التعاوني؛ التي طرحتها أديس أبابا مؤخرا، وتتضمن اتفاقا جزئيا حول الملء الأول للسد مع تأجيل جميع النقاط الخلافية.واتهم الباحث الإثيوبي مصر والسودان بأن "لديهما اهتمامات وأجندة أخرى غير تنمية نهر النيل داخل دول الحوض"، وحذر مما وصفه بالخطاب المصري في المفاوضات، وأشار إلى أن الحديث عن حصص المياه "حديث استعماري للغاية".اللهجة الاستعلائية التي استخدمها الباحثون الإثيوبيون، كانت محل استهجان مصري، إذ اعتبرها الدكتور عباس شراقي، لا محل لها من الإعراب، وتابع في تصريحات لـ "الجريدة": "الحكومة الإثيوبية تواصل مخاطبة الرأي المحلي بما لا يعكس حقيقة ما جرى في المسار التفاوضي الذي قدمت فيه مصر جميع الضمانات، لكن من الواضح أن أديس أبابا تريد أن تعبر عن رأيها بشكل غير رسمي عبر هؤلاء الباحثين في العديد من نقاط التفاوض لجس النبض".وأشار شراقي إلى "أن محاولة مهاجمة لجوء مصر لمجلس الأمن محاولة فاشلة، لأن القاهرة لم تلجأ لتقديم خطاب لمجلس الأمن إلا بعد فشل مفاوضات واشنطن التي انسحب منها الوفد الإثيوبي، فمصر قدمت أقصى درجات ضبط النفس وحسن النية في كل مراحل التفاوض، فالخطاب الإثيوبي قائم على المغالطات سواء خلال مراحل التفاوض أو في خطاب أديس أبابا أمام مجلس الأمن، وهو مؤشر على أن النية الإثيوبية سيئة ما يهدد بفشل المفاوضات مجددًا".
دوليات
التوتر يسود جلسة جديدة حول سد النهضة
12-06-2020