بعد توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان" في أواخر شهر فبراير الماضي، يحتدم الجدل اليوم حول صوابية تواصل الهند مع "طالبان" أو ابتعادها عنها، وفي حين تستعد الولايات المتحدة لسحب معظم قواتها العسكرية من أفغانستان بحلول العام 2021، لا بد من تقييم الشروط الجديدة التي تحكم أي نوع من التواصل مع "طالبان"، وفهم نظرة الهند إلى المشهد السياسي والأمني الجديد في كابول، ومعرفة مدى استعدادها لفرض قواعد مختلفة في أفغانستان الجديدة.تُعتبر الهند من أهم الدول المساهمة في خطط إعادة إعمار أفغانستان، لكنها تُركّز معظم جهودها على كابول والوجود الأميركي هناك والوضع الأمني المترتب عليه، في ظل تصميم الولايات المتحدة على سحب قواتها العسكرية، يُفترض أن تقلق الهند على استمرارية وجودها في أفغانستان، وعلى ضوء البيئة السياسية والأمنية المتبدلة، تحتاج الهند إلى إعادة تقييم سياستها تجاه أفغانستان، لا سيما طريقة تعاملها مع محادثات السلام المستمرة التي تشمل حركة "طالبان".
لكن في ظل التطورات المتسارعة في أفغانستان اليوم، أي نظرة تحملها الهند عن "طالبان"؟ حتى الآن، تثبت المواقف الرسمية أن الهند ترفض الاعتراف بهذه الحركة كشريكة في السيناريو السياسي الأفغاني المستقبلي، وبعد بيان أصدرته "طالبان" حول موقفها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الخاصة ببلدان أخرى، صرّح تيلاك ديفيشوار، عضو المجلس الاستشاري للأمن القومي، لوكالة أنباء آسيا الدولية، بأن "طالبان" تستعمل مقاربة المواقف المتناقضة وتسعى إلى إضعاف حكومة أشرف غني عبر محاولة بدء التحاور مع الهند.لكن يُجمِع عدد كبير من المراقبين الأفغان على تراجع قوة كابول في محادثات السلام بدرجة كبيرة على مر السنين، ونظراً إلى غياب الاستقرار السياسي وانتشار السياسات المنحازة والمثيرة للانقسام والغموض الذي يلفّ بنية الاتفاق الجديد لتقاسم السلطة بين غني وخصمه عبدالله عبدالله، أصبح تغيير القواعد الهندية في أفغانستان نهجاً ضرورياً وبراغماتياً.تخضع سياسة الهند تجاه أفغانستان للتقييم حتى اليوم تزامناً مع مراعاة باكستان التي تعارض أي دور أمني للهند في كابول وتعتبر الوجود الهندي هناك تهديداً على مصالحها، فرغم أهمية الهند الفائقة كشريكة في تنمية أفغانستان والتقارب القائم بين نيودلهي وكابول، لا يزال النفوذ الهندي في المستقبل السياسي والأمني لأفغانستان محدوداً جداً، وبغض النظر عن قدرة باكستان على تطبيق استراتيجيتها وتكتيكاتها للتصدي للهند في أفغانستان، يُفترض أن يكون هذا الوضع مقلقاً بالنسبة إلى نيودلهي، لكن لم تبذل الهند من جهتها أي جهود جدّية لمواجهة هذا التحدي، بل أثبتت قلة اهتمامها بالسيناريو السياسي الناشئ في أفغانستان. شددت الهند على إطلاق "مسار يقوده الأفغان"، لكنها أبعدت نفسها عن محادثات السلام المعقدة. برزت استثناءات في هذا المجال، على غرار مؤتمر بقيادة روسيا في نوفمبر 2018، فقد حضره دبلوماسيان هنديان حينها، لكن بقيت تفاعلاتهما مع الآخرين محدودة، ولم يعكس الحضور الهندي الرسمي خلال التوقيع على اتفاق السلام في فبراير من هذه السنة أي تغيير ملموس في موقف الهند التي اختارت كلماتها بحذر وتجنبت تسمية "طالبان" مباشرةً في بيانها.أرسلت بلدان عدة، منها روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، مبعوثين خاصين إلى أفغانستان، لكن رفضت الهند في المقابل بذل أي جهود دبلوماسية للتحاور مع "طالبان"، وتكشف سياسات البلدان المعنية أنها تدرك الوقائع المتبدلة في أفغانستان وتبذل الجهود اللازمة للحفاظ على أهميتها هناك على المدى الطويل، أما الهند فهي تحاول أن تثبت تفوقها الأخلاقي عبر الامتناع عن التحاور مع حركة تعتبرها جماعة إرهابية، وتحرص الهند دوماً على دعم الحكومة الأفغانية، لكنّ قراراتها ستُضعِف موقفها على المدى البعيد، وتحديداً بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.يظن بعض المحللين أن الهند تواصلت سراً مع حركة "طالبان" لتلقي ضمانات تحمي وجودها في أفغانستان، ومن المتوقع أن تؤدي أي ضمانات مماثلة، إذا تحققت فعلاً، إلى تواصل علني محتمل بين الهند و"طالبان"، لكن نظراً إلى الأوضاع السياسية والأمنية المتبدلة، يجب أن تصبح الهند أكثر استعداداً لتعديل موقفها المتطرف وإطلاق حوار مع "طالبان"، واليوم أكثر من أي وقت مضى، تُناقش الأوساط الاستراتيجية في الهند موقف نيودلهي من محادثات السلام، حتى أنها تحث الهند على التواصل دبلوماسياً مع "طالبان"، وفي المراحل المقبلة، قد تضطر الهند لإعادة تقييم قراراتها وتبنّي مقاربة متعددة الاتجاهات للتعامل مع جميع القوى التي تستطيع التأثير على مستقبل أفغانستان، في حين تتابع نيودلهي مساعيها لفرض قواعد جديدة وحماية مصالحها الخاصة.* مونيش تورانغبام ونيها دويفيدي* «ذا دبلومات»
مقالات
قواعد هندية مختلفة في أفغانستان الجديدة
14-06-2020