فيروس كورونا الملقب بـ«كوفيد- 19» مصمم على عدم مغادرة المنطقة رغم اتخاذ كل الإجراءات والتدابير المتشددة من حظر واحتباس وتباعد وتكميم وتعقيم، لكن الإصابات تتزايد، وكما كتبت سابقاً: لن يغادرنا الفيروس مادامت عواصمنا مكتظة بملايين العمالة التي تقطن بيئة غير صحية ومساكن عشوائية.ويبدو أن حكوماتنا وصلت إلى قناعة أن الأزمة طويلة، والناس ضاقت بالاحتباس والتباعد ولن تطيق أكثر، والخسائر الاقتصادية تزايدت، والرواتب انقطعت، فقررت بدء مرحلة «التعايش مع كورونا»، وفتح الاقتصاد عبر مراحل متدرجة بالاشتراطات الصحية، وكل مسؤول عن نفسه.
ما الدروس المستخلصة من جائحة كورونا؟ أتصور أن من أبرزها تعزيز قوة العمل المواطنة، فما حك جلدك مثل ظفرك، فالخليجيون في أوطانهم أقليات، وهم في قوة العمل الأقل، وفي مقابل كل مواطن عامل عشرة من العمالة الوافدة يخدمونه، لكنهم يشكلون عبئاً اقتصادياً ثقيلا عليه وعلى الخدمات والموارد العامة للدولة والمجتمع، يتسم الوضع الخليجي بتدني مشاركة قوة العمل المواطنة في النشاط الاقتصادي، وهذا وضع اقتصادي استثنائي غريب ومعيب دولياً، يمس السيادة والكرامة، غير مقبول استمراره، فالأمم لا تبني نهضتها وأمجادها وإسهاماتها الحضارية إلا على سواعد أبنائها لا أبناء الآخرين، فالدول إنما تفاخر بأعمال مواطنيها لا أعمال الآخرين، وهذا هو المجد الحقيقي. على حكوماتنا السعي بحزم لاتخاذ سياسات تحفيزية لزيادة مساهمة العنصر المواطن في قوة العمل في القطاع الحكومي والقطاع الخاص الذي يخلو من المواطنين، لذلك أرى:1 - رفع سن التقاعد إلى السبعين، فسنّ الستين تناسب الدول الكثيفة السكان، أما في الدول الخليجية التي تشكو قلة العنصر المواطن فإنها غير مناسبة.2 - تشجيع المرأة الخليجية على إسهام أكبر في النشاط الاقتصادي، وهذا يتطلب تذليل العقبات الاجتماعية والدينية أمامها، كما يتطلب توعية المجتمع تجاه دعاة تحجيم مساهمة المرأة المجتمعي. هذه من القضايا التي ينبغي أن تحظى بأولوية التفكير الخليجي، طبقاً للدراسة الاستشرافية المهمة (الرميحي: تحديات ما بعد كورونا في الخليج).3 - رفد قوة العمل المواطنة بأبناء الخليجيات والمولودين المقيمين في الخليج، بتجنيسهم أو معاملتهم كالمواطنين، فهم الرافد الأثمن للتنمية.4 - معالجة ظواهر البطالة المقنعة، والتضخم الوظيفي، المتفشية في القطاع الحكومي، كما شخصها د. علي الكواري في كتيبه الريادي المبكر «نحو فهم أفضل لأسباب الخلل السكاني في أقطار الجزيرة العربية» 1983.5 - إصلاح القطاع الخاص الخليجي، للقطاع الخاص في العالم المتقدم دور تنموي قيادي بخلاف شركات القطاع الخاص الخليجي التي تعد تابعة للدولة، عالة عليها وعلى المجتمع، تستنزف الموارد والخدمات العامة، همها الأكبر جني أقصى الأرباح وإنفاق الأقل، تستجلب العمالة الأرخص والأدنى مهارة، تكدسهم في مساكن غير صحية، تنقلهم في حافلات متهالكة مشوهة للمظهر العام ملوثة للبيئة، ولا تدفع الضرائب، ولا تساهم في توظيف المواطنين.شركات القطاع الخاص الخليجي المتسبب الأول بتفشي الوباء، وطول معاناة الخليجيين، تصرفت بلا مسؤولية، وسكنت عمالها في بيئة غير صحية، أصبحت بؤرة للعدوى.يرى د.عمر الشهابي أن أفضل طريقة لإصلاح القطاع الخاص تكمن في رفع الحقوق للموظفين تدريجياً بغض النظر عن جنسيتهم، بحيث يصبح مكاناً جاذباً حتى للمواطنين للعمل فيه، والتطبيق الحازم لقوانين العمل، وعدم ترك الشركات تتصرف بعمالتها بلا مسؤولية. (الشهابي: تصدير الثروة واغتراب الإنسان). 6 - تغيير نمط التعليم السائد لتعليم يؤهل شبابنا لروح ومنطق العصر، يسلحهم بالمهارات اللازمة لخوض معركة التنمية. 7 - أخيراً: أهم الدروس المستفادة، توطين أنفسنا لمرحلة جديدة من الاعتماد على الذات، وترك الاتكالية ومسلكيات التباهي الترفي، وترشيد الاستهلاك والإنفاق «مرحلة القرار الخشن» طبقاً للسفير عبدالله بشارة في مقالته القيمة «كلام عن مفاهيم الدبلوماسية». الخلاصة: إذا بقي المواطنون غير منتجين، فأي زيادة سكانية تكون عبئاً إضافياً معوقاً للتنمية، ومعطلاً لحركة المجتمع، لأنهم يأخذون ولا يعطون، ويستهلكون ولا ينتجون. (البليهي: التغيرات النوعية). وللحديث بقية.* كاتب قطري
مقالات
ما بعد كورونا... دروس مهمة للخليج (1)
15-06-2020