موت المكتب *
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
كانت المشاهد تتتالى وفي مجملها تبدو مادة دسمة لبرنامج كوميدي في زمن التراجيديا المرضية والاقتصادية، واحدة لم تستطع أن تمنع طفلتها الصغيرة من أن تشوش عليها وهي تتحدث عن مواضيع تبدو في غاية الجدية، وأخرى تبعد كلبها عن الشاشة، وثالث نسي أن يطفئ الميكروفون، فما كان إلا أن سمع كل الحضور من أقصى الشمال حتى الجنوب، ومن الشرق حتى الغرب، كل الحاضرين والحاضرات سمعوا صوت زوجته وهي تردد ألن تنتهي من هذا الاجتماع السخيف، وتذهب لإحضار احتياجاتنا قبل أن يقفل السوبرماركت أبوابه، أو أن تزيد الأعداد بالداخل فيوقفونك لساعات عند باب المتجر، وما إن يفتح لك الباب حتى تجد نفسك تنافس المتسابقين على جمع أكبر عدد من المواد الغذائية وغيرها إما خوفا من أن تختفي من الأسواق أو من أن تتضاعف أسعارها؟ أما ذاك الاجتماع المهم جداً والذي تناول قضايا مصيرية، فقد أطل أحدهم وهو يسوق سيارته، وآخر وهو يجلس «عفواً» في الحمام ومن خلفه الدوش!! أما ذاك المسؤول السياسي الكبير فاضطر للنهوض سريعاً ليرد على مكالمة مهمة من رئيس، وقد نسي أنه لا يزال بسرواله الداخلي فما كان من الحضور الافتراضيين إلا أن فرطوا ضحكاً متداركين ذلك عبر إطفاء الكاميرات والميكروفونات.بعضهم يقول ما أحلى العمل المنزلي بعيداً عن الأنظار والمجاملات والرسميات والصراعات الداخلية، وآخرون يرددون وهم عائدون بنصف دوما «ما أحلى الرجوع إليه»، كلٌّ له موقف حسب ظروفه ومطالبه، فهل اقتربنا من الإعلان عن موت العمل المكتبي والانتقال الى العمل من «منازلهم» متذكرين تلك المرحلة عندما كان يتخلف طالب عن الدراسة لسنة واحدة، فيقال لهم طلاب المنازل ولا يراهم أحد إلا في موعد الامتحانات؟ ربما لن يكون المكتب هو الذي سينقرض فقط، بل حتى السفر لمسافات طويلة والسفر المتكرر والسفر على درجات رجال الأعمال تلك الدرجة التي تحولت إلى درجة أطفال الأثرياء ومربياتهم، هي حكاية أخرى لانتهاء مرحلة وبداية أخرى ربما!* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية