تعمد كوريا الشمالية دوماً إلى إعاقة أي عملية سلام مع الرئيس الأميركي حين تريد افتعال أزمة في شبه الجزيرة، لقد أعلنت هذه المرة أنها بصدد قطع جميع خطوط التواصل مع كوريا الجنوبية في الشهر الذي يشهد الذكرى الثانية لاجتماع سنغافورة بين الرئيس ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.تُعتبر هذه الخطوة الأخيرة جزءاً من مسار طويل له أهداف متوقعة ودائمة: تجريد حكومة سيئول من شرعيتها، بغض النظر عن هوية الحزب الحاكم، وطمأنة الشعب الكوري الشمالي إلى أن الشعلة الكورية لا تزال بحوزته، ولم تنتقل إلى البلد الناجح جنوباً.
لكن نظراً إلى التحولات والتقلبات المستمرة في أداء إدارة ترامب وتصريحاتها اللاذعة حول طريقة تعاملها مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء، تشكّل هذه المناورة الأخيرة من جانب بيونغ يانغ محاولة مألوفة لاختبار مدى صلابة العلاقة بين واشنطن وسيئول.لكن قد تعطي التجربة نفسها نتيجة مختلفة هذه المرة، فبعد اجتماع سنغافورة وقمة هانوي في فبراير 2019 وقمة أخرى حول المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين في الصيف الماضي، تتعدد الأسباب التي تُرضي كوريا الشمالية في الوقت الراهن، فهي لم تقدم تنازلات كثيرة: ربما تخلّت عن بعض الاختبارات الصاروخية وعلّقت الاختبارات النووية، لكنها حصدت في المقابل مكانة دولية وساهمت في إعادة بناء علاقتها مع الصين وروسيا وأضعفت نظام العقوبات.لم يكسب اجتماع سنغافورة منذ سنتين الزخم الموعود لإرساء السلام، فقد اتّضح في المراحل التي سبقته وتَلَته أنه كان مجرّد مبادرة لطرح الرئيس الأميركي كزعيم عالمي شجاع وخلّاق، مما يعني أنه مستعد للإبحار في مياه مجهولة المعالم سعياً وراء هدف بعيد المنال لم يسبق أن حققه أيٌّ من أسلافه.في غضون ذلك، تعاملت كوريا الجنوبية مع وباء "كوفيد-19" بكفاءة لافتة افتقرت إليها الإدارة الأميركية، فكان ترامب يستاء بكل وضوح عند ذكر نجاح كوريا الجنوبية في هذا المجال كونه يعتبرها على ما يبدو منافِسة له بدل أن تكون قدوة يُحتذى بها لمحاربة الفيروس، وسجّلت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أول حالة وفاة بسبب فيروس "كوفيد-19" في الوقت نفسه تقريباً، في أواخر شهر فبراير الماضي، وحافظت كوريا الجنوبية على معدل 232 إصابة في المليون واقتصرت حالات الوفاة فيها على 5 في المليون، أما الولايات المتحدة فسجلت 6183 إصابة في المليون و345 حالة وفاة في المليون.بدل أن تعبّر إدارة ترامب عن إعجابها بتجربة كوريا الجنوبية الناجحة نسبياً واستخلاص الدروس منها، عمدت إلى تكثيف الضغوط عليها عبر مطالبتها بدفع مبالغ إضافية مقابل تمركز القوات الأميركية، ففرضت زيادة فورية من مليار دولار إلى 4.8 مليارات، ويبرز في هذا المجال تهديد غير معلن مفاده أن الولايات المتحدة قد تبدأ بسحب قواتها من شبه الجزيرة ما لم تدفع كوريا الجنوبية مستحقاتها، ففي بداية أبريل الماضي، أعطت إدارة ترامب إجازة لأربعة آلاف عامل كوري في القواعد الأميركية، وقد لفتت هذه الخطوة انتباه الرأي العام في كوريا، وحتى في الولايات المتحدة، كونها تنذر بتدابير إضافية محتملة في المراحل المقبلة.كلما حاولت كوريا الشمالية إغاظة كوريا الجنوبية كانت الولايات المتحدة تحرص على دعم سيئول، وتؤكد أهمية تحالفها معها، وقد اتخذت وزارة الخارجية الأميركية موقفاً مماثلاً هذه المرة، ولو بدرجة محدودة، حين عبّرت عن "خيبة أملها" من سلوك بيونغ يانغ ودعتها إلى استئناف المحادثات، فلا أحد يحبذ ردود الأفعال المفرطة من جانب واشنطن، لكنّ إدارة ترامب تحتاج إلى إعادة تقييم أهمية حلفائها وتحديد الخطوات اللازمة للتمسك بهم.* كريستوفر هيل* «ذا هيل»
مقالات
الأزمة في شبه الجزيرة الكورية تزيد الحاجة إلى الحلفاء
16-06-2020