في 4 يونيو الجاري عقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الأسترالي سكوت موريسون "قمة افتراضية" بدل زيارة موريسون المقررة إلى دلهي، فهي أُلغِيت بسبب الوباء المستمر، كانت تلك القمة لافتة لأنها رفعت مكانة العلاقة الهندية الأسترالية إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، يتعلق عنصر أساسي من هذا التطور بالتزام متبادل بالتعاون البحري في المحيطَين الهندي والهادئ، بما يتوافق مع الإعلان الذي أصدره الزعيمان عن "رؤية مشتركة" بين البلدين، ويُمهّد ذلك الإعلان، إلى جانب اتفاق محوري مُلحَق به، لتعزيز التعاون الأمني البحري بين الطرفين.

الهند وأستراليا قوتان ديمقراطيتان متوسطتان يربطهما المحيط الهندي، لذا يشكّل الأمن البحري جزءاً محورياً من العلاقة بينهما، ولهذا السبب تبدو أهدافهما البحرية متناغمة بدرجة معينة، حيث تبنّى البلدان إطار العمل نفسه في هذه المنطقة المشتركة، رغم اختلاف توجهاتهما الجغرافية، كما أنهما شريكان، إلى جانب الولايات المتحدة واليابان، في "المجموعة الرباعية" التي تُعتبر على نطاق واسع شكلاً من التحالف في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وعلى مستوى العلاقات الثنائية، اعترفت "الوثيقة البيضاء للسياسة الخارجية" الأسترالية في عام 2017 بأن الهند "قوة بحرية بارزة من بين بلدان المحيط الهندي".

Ad

قد يكون إعلان "الرؤية المشتركة" موجزاً لكنه يشمل نقاطاً بارزة لها تداعيات كبرى على الأمن البحري، إذ تتعلق نقطتان منها بوسائل التعاون وأشكاله المحتملة:

أولاً، يذكر الإعلان خطة دقيقة لتطوير "مبادرة المحيطَين الهندي والهادئ". اقترح مودي هذه المبادرة للمرة الأولى خلال قمة شرق آسيا في عام 2019، باعتبارها شكلاً من التعاون لضمان "مجال بحري آمن ومستقر"، وذكر مودي في ذلك الخطاب أن "الركيزة الأمنية" للمبادرة قد تبدأ خلال ورشة عمل ثلاثية بين الهند وأستراليا وإندونيسيا في قمة شرق آسيا حول الأمن البحري (حصلت لاحقاً في الهند في فبراير 2020). كذلك، اعترف مودي بالرؤية الإيجابية التي تحملها أستراليا تجاه "مبادرة المحيطَين الهندي والهادئ"، لذا قد تتحول هذه المبادرة في المرحلة المقبلة إلى أداة جديدة للتعاون الأمني البحري بين الهند وأستراليا، فلا يزال الوقت مبكراً لمعرفة النتيجة النهائية وتبقى التفاصيل قليلة حتى الآن، لكن من الواضح أن المبادرة ستشمل بلداناً أخرى، وتبدو إندونيسيا التي شاركت في استضافة ورشة العمل خلال قمة شرق آسيا شريكة محتملة، فحين زار مودي جاكارتا في عام 2018، وقّع على إعلان مماثل حول "رؤية مشتركة" مع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو (نطاقها أوسع بكثير من النسخة الهندية الأسترالية).

ثانياً، يذكر الإعلان أن التعاون البحري سيطاول جميع المستويات الثنائية والإقليمية والمتعددة الجوانب، فأصبح التعاون التنفيذي على المستوى الثنائي ومتعدد الجوانب قيد التنفيذ أصلاً، واستكمل التدريب البحري الثنائي "أوسيندكس" الذي انطلق في 2015 جولته الثالثة في السنة الماضية، كذلك شاركت أستراليا في نسخ متعددة من تدريب "ميلان" بقيادة البحرية الهندية.

أخيراً، وقّع البلدان على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المتعلقة بمجالات معينة من التعاون، منها التهديدات السيبرانية وقطاعات العلوم والتكنولوجيا، وتبرز من بينها "اتفاقية الدعم اللوجستي المتبادل"، فهي تسمح بتطبيق تدابير أمنية بحرية خاصة على غرار زيارة الموانئ واستعمال القواعد البحرية، فضلاً عن تعزيز التعاون في مجالات مثل المساعدات الإنسانية وجهود الإغاثة خلال الكوارث، ومن المتوقع أن تُمهّد "اتفاقية الدعم اللوجستي المتبادل" لترسيخ الشراكة الثنائية، وسبق أن حدّد المحللون مناطق عمل محتملة لتطبيق التعاون بين الطرفين، بما في ذلك إطلاق عمليات مشتركة في أراضي الجزيرة.

باختصار، تشكّل هذه العناصر المستجدة كلها خطوة كلامية وتنظيمية أولى تمهيداً لإرساء شراكة أمنية بحرية بين الهند وأستراليا في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، يبقى أن نتأكد من درجة التزام مودي وموريسون بهذه المبادرة.

* أنكوش واغل

* «دبلومات»