الجبرية السياسية وعلم الجبر الدستوري
المجتمع سيتغير إذا فهم أنه العامل الأهم في معادلة الإصلاح، ولا يظن أحد أني أزعم أن طريق التغيير والإصلاح مفروش بالورود، فهذا الأمر غير حقيقي، وعملية الإصلاح ليست نزهة بل تحتاج إلى تغيير مفاهيم صعبة جداً، وتشكيل رؤية مختلفة تسكنها معاني الوطن وحده لا غيرها.
عندما تناقش قضية الوعي المجتمعي ودوره فلابد أن تصطدم بفرقة الجبرية السياسية التي ترى أن المواطن مسيّر لا قدرة له على اختيار أعماله، وأنه في الواقع ريشة في مهب ريح التغيرات والتحولات في مجتمعه، ومجرد قيمة مضافة في معادلة الإصلاح الحقيقي، بمعنى وجوده لا يهش ولا ينش، لأنه حسب مفاهيم مريدي الجبرية السياسية هنا مقيد من رأسه حتى أخمص قدميه بأغلال الضعف وقلة الحيلة! وهذا التبرير السابق حسب رأيي يندرج تحت مفهوم الفساد ذاته، فهو تبديد وإهدار يطول ميزانية حلم الدولة الذي فسره لنا المؤسسون عبر كل سطر من مواد الدستور، وهو بمثابة اختلاس لقيم أهم مبادئ الإصلاح في كل دساتير العالم التي جعلت للشعب قيمة حقيقية في معادلات الإصلاح والتطور، نعم هو فساد غير مرئي يقودنا فيه مذهب الجبرية السياسي ومروجوه للدوران في متاهة «مينوس»، جبرية لا نهاية لها يلاحقنا فيها مينوتور (وحش أسطوري) التحلطم شاهرا أنياب السلبية المفرطة في وجه أي نور إيجابية يقودنا إلى نهاية المتاهة.
نعم المجتمع يملك إرادة التغيير فقط إذا أراد ذلك، وقرر أن يتخلص من إدمان فئويته ومصالحه الضيقة والانفصال عن شعارات «سيف خليف» كما يقول أهل الرافدين، سيتغير المجتمع إذا فهم أنه العامل الأهم في معادلة الإصلاح، ولا يظن أحد أني أزعم أن طريق التغيير والإصلاح مفروش بالورود، فهذا الأمر غير حقيقي، وعملية الإصلاح ليست نزهة بل تحتاج إلى تغيير مفاهيم صعبة جداً، وتشكيل رؤية مختلفة تسكنها معاني الوطن وحده لا غيرها، وتقودها الإيجابية وفهم الواقع كما هو لا كما تروجه أساطير الجبرية السياسية عندنا. وأول قلاع الإيجابية هو مجلس الأمة قلعة الدستور الأولى في وطننا، هذه القلعة الدستورية التي تخلت عنها المعارضة ومفتي الجبرية السياسية بغباء خلال السنوات السابقة، فتُركت لأسباب عديدة منها أسباب شخصية تخص فرص بعض الرموز السياسية في النجاح وصورتهم التاريخية، وأسباب عنادية أخرى ترفض قبول فكرة أن قرارهم بعدم المشاركة كان أكبر خطأ استراتيجي في تاريخ المعارضة هنا، كل هذا لا يلغي فكرة أنه إذا كان هناك أمل فهو في مجلس الأمة وعودته إلى ساحة التطلعات الشعبية، فلا ساحة إرادة تماثل إرادة الاختيار تحت قبة عبدالله السالم، ولا هاشتاق أو ترند يماثل قوة قانون أو اقتراح تصوغ أحرفه حلما شعبيا، وهذا أمر شهدناه خلال السنوات السابقة، وهنا يكمن وعي المجتمع في اختيار من يمثله حقاً، ولا يمثل عليه، وهناك ستتحطم كل نظريات الجبر السياسي ليكتمل بناء علم الجبر الدستوري الذي يرعى مصلحة الوطن وفق أطر الدستور لا خارجها، وأول معادلات علم الجبر السياسي تنص على التالي: «مواطن واعٍ + فعل إيجابي= دستوراً» يزأر بكل مواده في مجلس الأمة لا في مواقع التواصل أو الدواوين. أخيراً معركة الوعي معيارها الحقيقي سيكون في الانتخابات القادمة، وحتى ذلك الحين سيبقى كل معيار للوعي أو مقياس له هو حديث خرافة يا أم عمرو.