أعنف اشتباك حدودي بين الهند والصين منذ 1975
مخاوف من انزلاق الأزمة إلى حلبة المنافسة الأميركية ـ الصينية
كتم العالم أنفاسه أمس، خوفاً من اتساع اشتباك أوقع قتلى بين جيشي العملاقين الآسيويين الهند والصين، كانت واشنطن دخلت بقوة على خطه، وشجعت نيودلهي على التصدي لـ«عدوان» بكين.
حبس العالم أنفاسه تخوفاً من انزلاق الصين والهند الى مواجهة أوسع، عقب اشتباك عسكري على الحدود بينهما هو الأول الذي يقع فيه قتلى منذ عام 1975.ووقع الاشتباك، أمس الأول، في وادي غالوان بمنطقة لاداخ المرتفعة قبالة التيبت في سلسلة جبال الهمالايا، في الموقع نفسه الذي شهد مناوشات بين الجانبين في الأسابيع القليلة الماضية.وأعلن الجيش الهندي أمس قتل ثلاثة جنود هنود بينهم ضابط برتبة كولونيل، وضحايا "من الجانبين"، لكن بكين لم تشر إلى أي قتلى أو جرحى، رغم أن صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الرسمية أكدت على لسان رئيس تحريرها هو شي جين تكبد الجيش الصيني خسائر.
وعقد وزير الدفاع الهندي اجتماعاً مع رئيس هيئة أركان الجيش ووزير الخارجية لمناقشة التطورات. ووفقاً لبيان رسمي صدر في نيودلهي، فإن ممثلين عسكريين عن الجانبين عقدوا اجتماعا لنزع فتيل التوتر.
استفزاز
واتهمت الصين الهند بشن "هجمات استفزازية". وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليغيان إن "الصين قدمت اعتراضات شديدة للهند بشأن ما أسماه اعمالها الاستفزازية تجاه الجنود الصينيين على الحدود مع الهند".وأضاف أن "القوات الهندية انتهكت الاثنين التوافق الذي تم التوصل اليه بين الجانبين بشأن الحدود، اذ عبرت تلك القوات الحدود الصينية مرتين، مما ادى الى اشتباكات دامية بين قوات الحدود من الجانبين".وأشار الى التوافق الذي جرى في اجتماع جمع مسؤولين عسكريين وسياسيين صينيين بنظرائهم من الجانب الهندي أخيرا على ضرورة حل الأزمة الحدودية بين البلدين سلميا.ودعا تشاو الهند إلى حل القضايا والنزاعات الحدودية بين البلدين عبر المفاوضات، مشددا على ضرورة بذل الجهود المشتركة، للحفاظ على الاستقرار والسلام في المناطق الحدودية بين الجانبين.وتدور عدة اشتباكات بين القوتين الآسيويتين على طول الحدود بينهما.وفي 2017، وقفت القوات الهندية والصينية وجها لوجه على مدى 72 يوما في قطاع استراتيجي من منطقة بوتان في الهيمالايا، وسمحت مفاوضات بتخفيف التوتر بين الطرفين. ووقعت حرب خاطفة بين البلدين عام 1962، هزمت فيها القوات الهندية.وفي 9 مايو الماضي، أصيب العديد من الجنود الهنود والصينيين في اشتباكات بالأيدي ورشق الحجارة.وكان وزارة الخارجية الصينية أعلنت، الأسبوع الماضي، أن "اجتماعا إيجابيا" بشأن تسوية المسألة الحدودية الأخيرة، تم التوصل إليه في أعقاب "اتصالات فاعلة" من خلال القنوات الدبلوماسية والعسكرية. وفي بيان لاحق، قالت وزارة الخارجية الهندية، إن الجانبين "سيواصلان الحوار العسكري والدبلوماسي لتسوية الوضع وضمان السلام والهدوء في المناطق الحدودية".لكن مصادر وتقارير أخبار هندية لفتت إلى أن الهند تنازلت فعليا على ما يبدو للصين عن مناطق احتلها "جيش التحرير الشعبي" في الأسابيع الأخيرة، خصوصا أجزاء من الجانب الشمالي من بحيرة بانغونغ تسو، وأجزاء من وادي نهر غالوان ذي الأهمية الاستراتيجية.وسعى رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس الصيني شي جينبيغ، في العامين الماضيين، لتهدئة التوتّر عندما اتفقا على تعزيز الاتصالات الحدودية بين جيشي بلديهما.ترامب
وفي مايو الماضي، عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب، القيام بوساطة لحل النزاع الحدودي، بعد أن شجّع الهند على "التصدي للعدوان الصيني الحدودي".الا أن بكين رفضت عرض ترامب معتبرة أنه "ليست هناك حاجة لتدخل طرف ثالث".وطبقاً لنص بيان للبيت الأبيض في ذلك الوقت، قال ترامب للصحافيين "هناك صراع ضخم يتعلق بالصين والهند. بلدان بهما أكبر عدد سكان. بلدان بهما جيشان قويان. الهند ليست سعيدة وربما الصين أيضاً غير سعيدة. لكن بوسعي أن أبلغكم أنني تحدثت إلى رئيس الوزراء مودي. لم يكن في حالة مزاجية جيدة بشأن ما يجري مع الصين". كما انتقد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الصين بسبب "سلوكها الذي ينطوي على تنمر تجاه الهند". وكانت مجلة "ذا ديبلومات" الأميركية نشرت أخيراً تقريراً بعنوان: "المواجهة الصينية الهندية وأسطورة حرب باردة جديدة"، ألقى الضوء على كواليس التوتر الحدودي الأخير وموقعه في الصورة الأكبر لما يجري في ساحة التجاذبات الدولية بين بكين وواشنطن.واشار تقرير المجلة الاميركية الى نصيحة صينية للهند عبر صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية أخيرا بألا تنخرط في المواجهة الأكبر بين بكين وواشنطن. ورأت المجلة أن النصيحة طوت بين طياتها على تحذير خفي من أن التحول إلى جبهة أميركية في "الحرب الباردة الجديدة" يمكن أن يضر اقتصاد الهند ومصالحها في المنطقة.وبحسب المجلة، من وجهة نظر الصين يعتمد مستقبل السلام بين الهند والصين على قدرة نيودلهي على مواصلة سياستها تجاه بكين باستقلالية وليس تحت ظلال التحالف المتنامي بين الولايات المتحدة والهند.وتقول المجلة أن أحد التفسيرات الإيضاحية يشير إلى أن الصين تحاول إظهار قوتها مه الهند في محاولة لاستعادة مصداقيتها وإعادة بناء قوتها، بعد أن تلقت ضربة قوية مع استمرار تداعيات كورونا.وتضيف أن الصين تحاول تصوير الأزمة في إطار لعبة القوى العظمى المسماة "الحرب الباردة الجديدة"، ويرى خبراء الصين ووسائل إعلامها الوطنية أن الدعم الأميركي هو أحد الدوافع الرئيسية وراء حزم الهند وثباتها في التعامل مع مشكلاتها الحدودية مع الصين.