بعدما قرّر أن يكسر صمته تحت ضغط الشارع والمعارضة ووسائل الإعلام، إزاء المواجهة العنيفة بين قوات بلاده وقوات صينية على الحدود المتنازع عليها بإقليم الهيمالايا، ما أسفر عن مقتل 20 جنديا هندياً، أعلن أمس رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أن بلاده «تريد السلام ولكنها قادرة على الرد المناسب إذا دُفعت لذلك»، في حين دعت بكين نيودلهي «إلى السيطرة على قواتها عند الحدود وفرض عقاب شديد على المسؤولين عن إثارة النزاع».وكان مودي، الذي يواجه ما قد يصبح أكبر تحد للسياسة الخارجية منذ توليه السلطة في 2014، أحجم عن التعليق علناً على الأحداث وسط تصاعد المطالبة بالرد.
وخلال مؤتمر بالفيديو حضره أيضا وزير داخلية الاتحاد أميت شاه ورؤساء وزراء 15 ولاية ومنطقة نقابية، قال رئيس الوزراء الهندي، الذي التزم دقيقتين من الصمت، تكريماً للجنود الـ20، الذين سقطوا في المواجهة «أريد أن أطمئن الشعب أن تضحية جنودنا لن تذهب سدى. بالنسبة لنا، سلامة البلاد وسيادتها ذات أهمية قصوى، ولن تتهاون إزاء سلامة أراضينا»، مهددا بالرد على أي استفزازات صينية أخرى عند الحدود قائلاً: «لا ينبغي أن يساور أحد أي شك في أن الهند ترغب في السلام، لكن عندما يتم استفزازها، فهي قادرة على الرد المناسب أيا كان الوضع».وقال مسؤولون بوزارة الدفاع الهندية إن رئيس الوزراء، ووزراء آخرون بينهم وزير الدفاع راجناث سينغ ووزير الخارجية سوبراهمانيام جايشانكار، إضافة إلى ثلاثة من كبار القادة العسكريين، التقوا مساء أمس الأول، لتقييم التوترات على الحدود.ودعا مودي عقب اللقاء، لاجتماع لجميع الأحزاب الجمعة المقبل لبحث الوضع.وكتب راهول غاندي، زعيم «حزب المؤتمر» المعارض على «تويتر»: «لماذا يصمت رئيس الوزراء، لماذا يختبئ. يكفي هذا نريد أن نعرف ما حدث. كيف تجرؤ الصين على قتل جنودنا، كيف تجرؤ على سلب أراضينا؟».ويقول مسؤولون هنود إن الاشتباكات لم تشهد إطلاق نار، وقتل الجنود بالعصي والحجارة في شجار اندلع بين الجانبين في وادي غالوان النائي، حيث تتاخم حدود إقليم لاداخ الهندي إقليم أكساي تشين الصيني من جهة الشرق.وأفادت مصادر من الحكومة الهندية أن القتال اندلع أثناء اجتماع لبحث سبل تخفيف التصعيد، وأن الكولونيل الذي يقود الجانب الهندي كان من أوائل القتلى.والعديد من القتلى الآخرين من الجنود الهند توفوا متأثرين بجراحهم، إذ لم يتمكنوا من المقاومة وسط درجات حرارة متجمدة.وكتب وزير الدفاع على «تويتر»: «فقداننا جنودا في وادي جلوان أمر مزعج ومؤلم. لقد أظهر جنودنا شجاعة مثالية وضحوا بحياتهم. ولن تنسى الأمة أبداً شجاعتهم وتضحياتهم».
الصحف الهندية
وتصدر الاشتباك المسلح الصفحات الأولى للصحف الهندية.وكتبت صحيفة «انديان اكسبريس»، أن «الاستفزاز خطير»، داعية الهند إلى «ضبط النفس والرد بهدوء وبإرادة من حديد».وأشادت بعض قنوات التلفزيون القومية بـ«سقوط شهداء» على الجبهة واستخدمت هاشتاغ #على الصين أن تدفع الثمن.وشهد محيط السفارة الصينية في دلهي تظاهرات حاشدة أمس، أطلق خلالها المتظاهرون دعوات الى مقاطعة اقتصادية للصين.كما شهدت مناطق مختلفة في شمال البنغال تظاهرات مماثلة، وقرر أصحاب المتاجر في سوق سيليغوري الشعبي تغيير اسمه والتوقف عن بيع المنتجات الصينية في السوق كله.بكين
وفي بكين، أوضح الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيانغ، في مؤتمر صحافي، أمس، أن «الصين والهند اتفقتا على تهدئة التوتر وتسوية الخلاف الحدودي بطريقة نزيهة وخفض التصعيد العسكري بأسرع وقت ممكن بعد اتصال بين وزيري خارجية البلدين»، داعياً في الوقت نفسه نيودلهي «إلى السيطرة على قواتها عند الحدود وفرض عقاب شديد على من المسؤولين عن إثارة النزاع».وقال تشاو بعد المحادثة بين الوزير الصيني وانغ يي ونظيره الهندي سوبرامانيام جايشانكار، إن «الجانبين اتفقا على أن يعالجا بإنصاف الأحداث الخطيرة الناجمة عن المواجهة في وادي غالوان». وأضاف أن بكين ونيودلهي اتفقتا على «احترام التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال الاجتماعات العسكرية بين الطرفين، وتهدئة الوضع على الأرض في أقرب وقت ممكن، والحفاظ على السلام والهدوء في المناطق الحدودية».وأعلن تشاو في وقت سابق، «ندعو الهند للكف عن الأنشطة الاستفزازية على الحدود بين البلدين»، معتبراً أن بلاده انها لا تريد وقوع المزيد من الاشتباكات على حدودها مع الهند.وأكد مجدداً، أن بكين ليست المسؤولة عن وقوع الاشتباكات، وقال إن الوضع بشكل عام على الحدود مستقر وتحت السيطرة بشكل عام.وفي أعقاب مكالمة هاتفية مع نظيره الهندي، تحدث وزير خارجية الصين عن تسوية دبلوماسية للصراع.وذكر وانغ أن «الشك والخلاف المتبادل هما طريق للشر ويتعارضان مع الرغبات الأساسية لشعبي البلدين».وأضاف ان «الهند والصين ينبغي عوضا عن ذلك تعزيز الاتصال والتنسيق من خلال القنوات القائمة، مثل آلية الاجتماع بين ممثلين خاصين وقوات الدفاع الحدودية، للحفاظ على السلام بالمنطقة المتنازع عليها».عربياً، علق الكاتب الصحافي غسان شربل كاتباً: «لعبت أميركا الورقة الصينية لاحتواء الاتحاد السوفياتي. هل حان الوقت للعب الورقة الهندية لاحتواء صعود المارد الصيني؟».وكانت أعمال عنف اندلعت في وادي غالوان بمنطقة لاداخ مساء أمس الأول، حيث اندلعت أزمة بين الجانبين منذ أوائل مايو الماضي.ويعد هذا أول صدام مميت دموي بين الجارتين منذ 45 عاما على الأقل.وقتل 43 جنديا صينيا أو أصيبوا، طبقا لما ذكرته وكالة أنباء آسيا الدولية «إي إن أي»، نقلا عن مصادر بالحكومة الهندية، لكن لم تؤكد بكين ذلك بعد.وذكرت «إي إن أي»، أن أربعة جنود هنود في حالة حرجة، وسط مؤشرات على احتمال ارتفاع حصيلة الوفيات.وأعربت الولايات المتحدة عن أملها في أن تتوصّل الصين والهند إلى «حلّ سلمي».وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية إنّ «كلّاً من الهند والصين أعرب عن رغبته في نزع فتيل التصعيد، ونحن ندعم حلّاً سلمياً للوضع الراهن».وتابع أنّ الولايات المتحدة «تراقب عن كثب «الأوضاع»، وفي إشارة إلى حصيلة القتلى التي أعلنتها الهند، قال «نقدّم تعازينا لعائلاتهم».طرق ومطارات سعّرت النزاع
يقول خبراء عسكريون، إن أحد أسباب المواجهة الحالية على الحدود بين الصين والهند هو أن «نيودلهي» تشق طرقاً وتقيم مطارات لتحسين القدرة على ربط قواتها وتضييق الهوة مع البنية التحتية المتفوقة لدى الصين على الجانب الآخر من الخط الفاصل بين الجانبين.وفي غالوان، أكملت الهند شق طريق يؤدي إلى مهبط للطائرات في أكتوبر الماضي. واعترضت الصين على ذلك وطالبت الهند بالتوقف عن كل أعمال البناء. وتقول نيودلهي إنها تعمل في الجانب الهندي من الخط الحدودي. ودارت وقائع الاشتباك في موقع حدودي محل نزاع في منطقة لاداخ في جالوان بغرب الهيمالايا حيث كانت كل من القوات الهندية والصينية تقف في مواجهة الآخر.تقع المنطقة على ارتفاع حوالي 4200 متر حيث تنخفض درجات الحرارة في العادة إلى ما دون الصفر في منطقة جبلية نائية تتميز بأنهارها سريعة الجريان عند الطرف الشمالي للهند ملاصقة لهضبة أكساي تشين التي تطالب الهند بأحقيتها فيها لكنها تخضع لإدارة الصين.