تداعيات القرار الصيني حول مستقبل هونغ كونغ
تتردد أحاديث في وزارة الخارجية البريطانية عن إعادة وضع شروط لبناء «علاقات متبادلة مستدامة»، لكن القوة الاقتصادية الضخمة للأخيرة تضع المملكة المتحدة في موقف أضعف في أي محادثات حول التجارة وخصوصا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
جرت العادة في السنوات الأخيرة أن يتوجه الزوار الصينيون الذين يأتون للسياحة في العاصمة البريطانية لندن إلى موقع ساعة بيغ بن الشهير لالتقاط الصور التذكارية، كما كانت النساء في شهر العسل تلتقط الصور بملابس الزفاف الى جانب زوج المستقبل.وعلى مقربة من بيغ بن توجد الأبنية الشهيرة لمجلسي العموم واللوردات وهي الأبنية التي يحلو للبريطانيين وصفها بـ»مهد الديمقراطية»، ولا تتم في العادة دعوة السياح لزيارة تلك الأبنية البرلمانية من الداخل على الرغم من أن أعضاء البرلمان يعرضون على السياح جولات مجانية هناك، وإضافة الى ذلك تشجع العامة أيضاً على متابعة المداولات والمناظرات أو حضور اجتماعات اللجان النيابية.ولكن مبنى بيغ بن محاط في الوقت الراهن بسقالات للبناء وقد اضطربت الحياة السياسية بسبب انتشار وباء كورونا المستجد، وفي شهر يونيو الجاري عاد أعضاء البرلمان الى مجلس العموم، واحتلت الصين مركز الصدارة في أجندة الاهتمامات بعد التوتر الذي شهدته هونغ كونغ في الآونة الأخيرة.
وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الذي يمثل حزب المحافظين الحاكم في كلمة له في مجلس العموم في الثاني من يونيو الحالي إن قانون الأمن الجديد الخاص بهونغ كونغ الذي اقترحته الصين يقوض «إطار عمل دولة واحدة بنظامين»، ويعرض للخطر حقوق وحريات المواطنين هناك كما يضع شريحة المحتجين أمام خطر الملاحقة والمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم سياسية.
موقف حزب العمال
في غضون ذلك كان رد حزب العمال المعارض إيجابياً، حيث أكد «دعم موقف الحكومة الرافض لقانون الأمن الوطني الذي طرحته بكين ورغبة الحزب في رؤية إجراء حقيقي يهدف الى معالجة ظاهرة قسوة الشرطة»، بحسب وزيرة خارجية الظل البريطانية ليسا ناندي، كما أن أعضاء البرلمان من أحزاب أصغر أعربوا عن وجهات نظر مماثلة، وقالت أليستر كارمايكل من الحزب الليبرالي الديمقراطي «هذه ليست قضية سياسية حزبية واذا كان من وقت من أجل العمل لدعم هونغ كونغ فهو الآن».جدير بالذكر أن هذا الإجماع الحزبي الشامل قد مهد السبيل أمام رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لعرض تأشيرات دخول الى بعض سكان هونغ كونغ للهجرة الى المملكة المتحدة بدوافع سياسية، وفي مقالة بعث بها بوريس جونسون الى صحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست قال «إذا كانت الصين ستفرض قانونها المتعلق بالأمن الوطني فإن بريطانيا ستغير قوانينها الخاصة بالهجرة، بحيث تسمح لمجموعة مختارة من سكان هونغ كونغ للقدوم الى المملكة المتحدة للعمل وتمهيد السبيل أمام حصول تلك المجموعة على الجنسية البريطانية».ردود أفعال مختلطة
كانت ردود الأفعال على تلك الرسالة مختلفة بشكل واضح، وفي حين قوبلت بصورة جيدة في المملكة المتحدة كانت مختلطة في هونغ كونغ، وقال السياسي والناشط لي تشيوك يان إن تأشيرات الدخول لن تكون متاحة للمواليد بعد عام 1997 عندما غيرت هونغ كونغ وضعها من كونها مستعمرة بريطانية لتصبح جزءاً من الصين، وزعم أن صغار النشطاء لا يعتبرون بريطانيا الدولة المنقذة لهم، وأضاف «نحن لا نريد الحصول على باب للخروج ونريد الوقوف بحزم وثبات دفاعاً عن حقوقنا والقتال في هونغ كونغ، وما يقوم بوريس جونسون به هو تعريض الصين لضغط ثم هل سيعمل على عرض القضية في الأمم المتحدة؟».المعروف أن المملكة المتحدة دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، حيث تتخذ في أغلب الأحيان مواقف مناوئة للصين، وعلى أي حال فإن تصرف المملكة المتحدة الحالي حول هونغ كونغ يتماشى مع مواقف حلفائها، وقد أصدرت بريطانيا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة في مطلع شهر يونيو الجاري بياناً مشتركاً للتعبير عن القلق العميق إزاء تشريع الأمن الوطني الذي اقترحته بكين على هونغ كونغ، كما أصدرت نيوزيلندا واليابان بيانات مماثلة.الصين تهدد بالانتقام
من جهتها هددت بكين بخطوات انتقامية شديدة اللهجة كما أن وزارة الخارجية الصينية أصرت على أن المملكة المتحدة لا تملك أي سلطة أو سيادة على هونغ كونغ وليس لها أي حق في التدخل في الشؤون الداخلية للصين، وبريطانيا- من وجهة نظر الوزارة- تتمسك بالعقلية الاستعمارية القديمة.وحذرت صحيفة غلوبال تايمز التي تتخذ في معظم الأحيان مواقف متشددة من الأمور السياسية الغربية من أن المملكة المتحدة ستواجه «ضرراً جوهرياً» يلحق باقتصادها إذا رفض رئيس الوزراء جونسون التراجع عن مواقفه المعلنة إزاء هونغ كونغ. وجدير بالذكر أن الصين تشكل حوالي 7 في المئة من مستوردات المملكة المتحدة و4 في المئة من الصادرات البريطانية، وكان السفير الصيني في لندن ليو زياومنغ حذر في كلمة أمام رجال الأعمال البريطانيين بأن الصين ستراجع استثماراتها في خطط الطاقة النووية ومشاريع الخطوط الحديدية السريعة إتس إس– 2 في بريطانيا.واللافت أن هذا المزاج من الشك إزاء الصين برز بقوة وبصورة نسبية في الآونة الأخيرة فقط في مختلف أوساط المؤسسة السياسية البريطانية، وعندما كان بوريس جونسون عمدة للندن رحب بشدة بالاستثمارات الصينية، كما أن الرئيس شي جين بينغ عندما قام بزيارة رسمية الى بريطانيا في عام 2015- شملت تناول طعام العشاء مع الملكة اليزابيث- أعلنت حكومة حزب المحافظين قيام «عصر ذهبي» في العلاقات البريطانية – الصينية.وبعد ذلك بوقت قصير صوتت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي وأصبح أمل رجال السياسة أن توفر الاتفاقات التجارية مع الصين ما يعوض البلاد عن خسائر البريكست المتوقعة. ومنذ ذلك الوقت، تم الترحيب بالاستثمارات الصينية في مختلف القطاعات التجارية وخصوصا السياحة والتعليم، ويدرس أكثر من مئة ألف طالب صيني في الجامعات البريطانية حيث تعتبر الرسوم عالية جداً، وقد قدمت شركة الاتصالات الصينية «هواوي» هدية بقيمة 5 ملايين جنيه إسترليني إلى واحدة من أكبر المؤسسات هي «إمبريال كولدج» في لندن، وهي تهدف الى الحصول على دور أوسع في البنية التحتية للاتصالات البريطانية، ويثير هذا التطور قلق الأميركيين الذين يسعون الى حجب «هواوي» بصورة تامة عن شبكة 5 جي البريطانية، وهو موقف يدعمه صقور الصين ضمن حزب المحافظين البريطاني.العلاقات الصينية – الأميركية
تدهورت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وحلفاء أميركا خلال أزمة كورونا، ويرجع ذلك الى حد كبير الى المزاعم عن إخفاء بكين أنباء عن ظهور الوباء في مراحله المبكرة. وبحسب البروفسور كيري براون وهو مدير معهد «لو تشاينا» في كنغز كولدج في لندن «هناك نظامان مختلفان من العقيدة والقيم يتصارعان للإعلان عن منتصر، وتتوقف النتيجة على من سيخرج منتصراً من تلك الأزمة وتحقيق التعافي أولاً، وهل سيكون النظام الليبرالي الغربي أم النظام المركزي الصيني».وتقول الصين إنها استخدمت على شكل كبش فداء من قبل قادة أميركا وبريطانيا الذين شعروا بهبوط شعبيتهم بصورة دراماتيكية في أعقاب توجيه العامة أصابع الاتهام لهم لفشلهم في معالجة تداعيات انتشار الوباء، وعلى الرغم من ذلك، يعتقد كيري براون بوجود مساحة للتعاون الدولي بين الصين والمملكة المتحدة وخصوصا في ميدان العثور على لقاح أو علاج لوباء كورونا، كما أنه يقر أيضاً أن بريطانيا تواجه تحديات في ما يتعلق بموقعها في المسار الثنائي الذي تقودة الولايات المتحدة والصين.ويتمثل الهدف الرئيس بالنسبة الى الحكومة البريطانية في الوقت الراهن في تقليص اعتمادها على استيراد المواد الأساسية من الصين مثل المؤن الطبية، كما أنها تعمل على وضع قوانين جديدة تمنع شركات التكنولوجيا البريطانية من التعرض للاستيلاء من قبل جهات صينية مع الإصرار على ضرورة استعراض العروض المقدمة بدقة تامة من جانب الجهات التنظيمية قبل الموافقة عليها.في غضون ذلك تتردد أحاديث في وزارة الخارجية البريطانية عن إعادة وضع شروط للتشارك مع الصين من أجل بناء «علاقات متبادلة مستدامة»، لكن قوة الصين الاقتصادية الضخمة تضع المملكة المتحدة في موقف أضعف في أي محادثات حول التجارة وخصوصا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن هذا المنطلق ومن أجل ضمان تحقيق لندن لأمنها الاقتصادي وازدهارها في المستقبل يتعين عليها إقامة سلام مع الصين وبقية الدول الأوروبية.• دنكان بارليت
الهدف الرئيس للحكومة البريطانية حالياً تقليص اعتمادها على الاستيراد من الصين